وادي الذئاب المنسية

 في أرضٍ يحكمها شاهد السماء عاش البشر والذئاب والملديون في سلمٍ امتد آلاف السنين قبل أن يجتاز ذئبٌ رهيب إحدى العابرات الست، ويلتقي «موسى» الباحث عن أقرب فرصة للخروج من بلدته، ليتبدل كل شيء.
وادي الذئاب المنسية 
الجزء الثالث من رواية أرض زيكولا  

 *********************************************************

الفصل الأول

يتحدث قرية البهو فريك_الدقهلية1921:

اسمي موسى،عمري ثمانية عشر عاماً، الابن الأخير لأبي وأمي بين تسعة أبناء تبقى فيهم ثلاثة فقط على قيد الحياة؛ انا وأختان تكبراني سناً، وُلدت سنة 1903م في يوم وفاة جدي، ظن ابي ان ذلك شؤماً إضافيا مع موت إخواتي تباعاً بالمرض،لكن_على عكس ما توقع_ كنت ذكره الوحيد الذي نجا من الموت في طفولته. تعلمت حفظ القرآن الكريم كاملاً في سن التاسعة. وفي المدرسة الابتدائية بلغت السنة الخامسة قبل ان اترك التعليم الأساسي رغماً عني مع وفاة ابي ؛ كي ارعى شئون ارضنا الزراعية بعدما صرتُ مسئولاً عن امي واختي.



بعد عامين من وفاة أبي رحلت امي عن عالمنا هي الاخرى، ومع رحيلها صار الخروج من قريتي هو حلمي الوحيد، وإن كنت ادرك في داخلي أنَّ ذلك سيبقى مؤجلاً إجبارياً إلى يوم إتمام زواج اختي. نعم، يوماً ما سأبيع قطعة ارضي التي ورثتها عن ابي وسأرحل إلى القاهرة التي اسمع عن جمالها في راديو الشيخ عباس او ربما إلى"بلاد برة" إن عطف علي الخواجة فايز، واصطحبني معه إلى مدن أوربا التي سمعنا انه يعرف كل شارع فيها.  


الخواجة فايز رجل اربعيني انيق، ابيض الوجه، رمادي العينين، يتحدث المصرية افضل منا جميعاً، ظهر بسيارتيه السوداء أمريكية الصنع قبل سبع سنوات، ووقتها عرفنا انه الوريث الشرعي لحوض الاراضي الشرقية وطاحونة الغلال التي توجد في وسط ذلك الحوض، ظن أهل القرية مع ظهوره المفأجئ أنه سيعيد تشغيل طاحونة اجداده التي نشأنا لنجدها مهجورة، جدرانها متآكلة تغطيها رقع متناثرة من الطحالب الخضراء، ويغلقها بإحكام باب حديدي كبير، وقفل قديم.


ولولا تلك الطوبة التي سقطت من جدارها الشرقي لتترك في موضعها فتحة صغيرة تُمكن المتطفلين من النظر عبرها وقت انسلال اشعة الشمس إليها، لظل ما في داخلها معزولاً تماماً عن عالمنا.


نظرت أول مرة عبر تلك الفتحة وأنا في عمر الثامنة، ويومها رأيت بالكاد قادوس الطاحونة واجزاء من ذراعها الخشبية الطويلة الممتدة بين شباك العناكب الكثيفة، ولم اهتم بعد ذلك بالنظر عبرها مرة اخرى.. 


قال البعض إنَّ تلك الطاحونة بُنيت منذ مائة عام، وقال آخرون إن غرفتها المُشيدة من الطوب المنجود كانت موجودة قبل ذلك بكثير، وعندما اشترى جد الخواجة فايز اراضي الحوض الشرقي اتى بالطاحونة إلى داخله كي تطحن غلاله وغلال القرية، إلا انها لم تطحن حبة دقيق واحدة، وبقيت تلك الغرفة مُغلقة يأكلها الزمان، لتصبح القصص المرعبة المنتشرة حول وجودها هي تسلية اطفال قريتنا في ليالٍ كثيرة.. 

                                  

على اي حال، لم يُجدد الخواجة طاحونته بعد ظهوره من جديد، واكتفى بزيارات متقطعة لمزارعي القرية المسئولين عن زارعة ارضه، ومع كل زيارة له ورؤيتي سيارته كان الحلم في داخلي  يطفو من بين أعماقي، ويحثني على الذهاب إليه كي احدثه عن رغبتي في التنازل له عن قطعة ارضي المجاورة لأرضه مقابل أن يساعدني في السفر إلى خارج البلاد بعد زواج اختي إلا أنني لم اجرؤ على تلك الفعلة قط بل لم اتحدث إليه وجهاً لوجه مرةً واحدة، حتى اختفى مرة اخرى وانقطعت أخباره من جديد


مع بلوغي الثامنة عشر كنت قد أتممت زواج اختي، وعلى الفور عرضت قطعة أرضي للبيع كي أهاجر إلى القاهرة في أسرع وقت. 


كانت الأمور جميعها تسري على ما يرام، وكنت على وشك إتمام البيعة لأحد جيراننا، لولا حريق مفاجئ اندلع في قريتنا فجأة ليلتهم أرضي وأرض الخواجة والأراضي المجاورة، ومعه شبَّ أكبر شجار شهدته قريتنا في تاريخها بعد إلقاء التهم بين أكثر من عائلة، وقبل أن يمر أسبوع واحد كان قد قُتل من القرية تسعة عشر رجلاً في أثر تلك الأشتباكات، لنُفاجأ في اليوم الثامن بما لم يتوقعه احد قَطَّ، وهو وصول فرقة عسكرية  من الهجانة إلى قريتنا على جمالهم.


كان عددهم ثلاثين فرداً يصطفون بجمالهم في سبعة صفوف، جميعهم ذو بشرة سمراء، تندس روؤسهم في عمم بيضاء، عدا قائدهم كان ابيض الوجه، ويرتدي طربوشاً فوق رأسه، وكما سمعنا عنهم دوماً، كانت أياديهم تحمل سياطاً قاسية، ويعلقون على ظهورهم بنادق ذات فوهات طويلة، ما إن دلفوا إلى مدخل القرية حتى بدأ بعضهم في إطلاق أعيرة نادية نحو السماء، بينما أخذ الباقون يضربون بسياطهم من فوق جمالهم من كانوا يقفون في طريقهم ليسوقوا الناس أمامهم إلى ساحة واسعة تتوسط القرية، وهناك أعلن لنا قائدهم عن فرض حظر تجوال من غروب الشمس حتى شروقها كل يوم، وعن الويل الذي سيلقاه كل من تسول له نفسه الخروج من بيته في ذلك التوقيت، لتخمد اشتباكات القرية فجأة، ويسودها السكون بعد سبعة أيام من الفوضى ووقف الحال. 


في تلك الليلة لم أستطع النوم مطلقاً، ومكثت في غرفتي المُطلة على الشارع يرتعش جسدي خوفاً كلما سمعت صوت بارودة تُطلق أو رغاء جمل يتجول به راكبه على مقربة من نافذتي، وأدعو الله في سري أسفل غطائي أن يمكنني من إتمام بيع الأرض في أسرع وقت لأنفذ بجلدي من تلك القرية، بيد أن ما جعلني انتفض عن سريري حقاً هو صوت محرك السيارة الذي لطالما عرفته، والذي ظهر فجأة مع عبور الوقت منتصف الليل؛ صوت محرك سيارة الخواجة فايز! 


فتحتُ نافذة غرفتي الخشبية في حذر، كانت السيارة تنطلق إلى داخل قريتنا مُخلفة وراءها غباراً كثيفاً، كما أغلقتُ النافذة سريعاً عندما سمعت هميس أقدام جمل يقترب، ولم تمر بضع دقائق بعدها حتى سمعت اصوات الطلقات النارية المتتالية تدوي في السماء، كاد قلبي يتوقف، هل قتلوا الخواجة؟! لم أستطع التحرك من مكاني لمعرفة الحقيقة، ولم أجرؤ على فتح النافذة مرة أخرى، كان حديث قائد الهجانة بأنهم لم يتهاونوا مع اي شخص يخرق حظر التجوال واضحاً مثلما أكد أنهم لن يغادروا القرية حتى يستقر الأمن مرة أخرى. 


توقعتُ في داخلي وأنا أفكر في مصير الخواجة فايز أنَّ بقاءهم بيننا لن يقل عن أسبوعين بكل حال من الأحوال، وأكملت ليلتي مستيقظاً أنتظر حلول الصباح في أسرع وقت لعلي أعرف ما جرى للخواجة، إلا أنَّ ما حدث في الصباح كان مفاجئاً للجميع، إذ خرجنا من بيوتنا مع شروق الشمس ولم نجد جندياً واحداً، كانت الجمال فقط تركض قي الشوارع بدون اصحابها وسيارة الخواجة تقف خاوية في إحدى الطرقات دون خدش واحد أو نقطة دماء واحدة داخلها، تلفتنا إلى بعضنا بعضاً في دهشة، وتوقع بعضنا أن يكون الجنود نائمين هنا أو هناك بعد قضائهم ليلتهم مفتوحي الأعين لحفظ الأمن، وغالباً سيكون الخواجة محتجزاً لديهم بعد خرقه حظر التجوال، لكن مع مرور ساعات النهار تأكدنا_بكل معنى _الكلمة أنَّ تلك الفرقة من الجنود قد اختفت تماماً عن قريتنا

*********************************************************

الفصل الثاني

اصابتنا الحيرة جميعاً من اختفاء الجنود الغريب،وقررت انا وبعض الشبان البحث بدقة من جديد في كافة أنحاء القرية لعل هناك شيئاً نكتشفه يخص الهجانة او الخواجة فايز،غير أن بحثنا باء بالفشل، ولم نعثر على اثر واحد لهم،ثم عدنا إلى حيثما بدأنا،فوجدنا الأهالي قد امسكوا بالجمال وقسموها على انفسهم،قالوا إنهم وجدوا تسعة وعشرين جملاً فقط،اما الجمل المتبقي فادعوا  عدم عثورهم عليه،لم يكن لشاب وحيد مثلي نصيب من تلك الغنيمة بالطبع ،وان لم لم أهتم بهدا الامر من الاساس . 


خلال اليوم التالي واليوم الذي يليه،كان الحذر الشديد لايزال يعم القرية،إذ ظن بعضنا ان مايحدث إختبار ما لنا،وإن الجنود سيظهرون مرة أخرى في اقرب وقت ،لذلك اعلن عمدتنا عن تدوين أسماء آخدي الجمال، محذراً اياهم من اي ضرر يصيب خليةً واحدة منها،وإلا كان السجن مصير مسببه. 


أما السبب الآخر لإستمرار الحذر  بيننا هو أننا كنا نتوقع قدوم فرقةٍ أخرى من الهجانة لتبحث أمر اختفاء الفرقة الاولى،وعلى اقل تقدير ستستعيد جمالها جملاً جملاً،وربما تحملنا ثمن الجمل المفقود،لذا لم يكن غريباً ان تبقى اشتباكات القرية خامدة وان لم يكن ثمة جندي  واحد بيننا، حتى الأحاديث والنقاشات التي ظلت مشتعلة لأيام حول أمر الحريق تحولت  جميعها إلى ماحدث لأولئك الجنود. 


مع اليوم العاشر من الحدر والترقب لم يحدث اي جديد،ولم يأتي إلى بلدتنا اي فرقة اخرى او حتى شرطي واحد يبحث أمر اختفاء الهجانة،ومع صباح اليوم الخامس عشر أعلن رجل من آخذي الجمال يدعى 《منصور》انه قام بذبح جمله لمن يريد أن يشتري لحماً، ظهر القلق على وجوه الجميع في البداية لكن مع منتصف النهار كانت الذبيحة قد بيعت بالكامل،وفي الايام القليلة التالية قام الآخرون بذبح جمالهم للبيع تباعاً،أو بيعها بسوق المواشي القائم بقرية مجاورة ،اما سيارة الخواجة فدفعها ثلاثة مزارعين ممن يزرعون أرضه إلى جانب بيت احدهم،والذي تعهد بحمايتها ونظافتها حتى يعود الخواجة من جديد.


مع اقتراب مرور شهر على تلك الليلة الغامضة،أخبرني من كان ينوي شراء ارضي بصرف نظره  عن الأمر مع الخسارة التي تكبدها من حريق محصوله،ونصحني بالبحث عن مشترٍ آخر،زادني الأمر ظيقاً بإجباري  على الإنتظار مزيداً من الأيام ،لكن بعد ثلاثة أيام أبلغني رجل ممن باعوا جمال الهجانة عن رغبته في شراء أرضي  مقابل ثمانية جهينات، وافقت على الفور، وفي مساء ذلك اليوم ذهبت معه هو ومساح من قرية مجاورة إلى الأرض لقياسة مساحتها قبل إتمام البيعة،تحدثنا ونحن في الطريق إليها عن مرور شهر بالتمام والكمال على اختفاء الجنود،وعدم حدوث أي رد فعل من الشرطة أو الحكومة وكأن شيئاً لم يحدث ،قال المساح انه يؤمن بأن الحكومة   ستأتي إلى القرية عاجلاً ام اجلاً،وقد اتفقنا معه في ذلك الامر،ثم غيرنا مسار الحذيث إلى سفري المنتظر إلى القاهرة حتى وصلنا إلى الارض،وهناك بدأ المساح في أخد قياساته ومعه المشتري،فتركتهما وجلست انتظرهما  عند ضفة الترعة الشرقية،واخذت انظر بعيداً نحو مبنى الطاحونة،لربما تكون المرة الأخيرة التي اراه فيها،ثم شعرت برغبة في التبول فيما كانت إمرآتان تزرعان ارضاً بجواري،فسرت نحو الطاحونة كي أقظي حاجتي وراء جدار بعيداًعن اعين النساء ،ليلفت نظري-بينما كنت اتبول-أثر حذاء مطبوع بوضوح على الأرض على بعد أقدام من الطاحونة ،كأن صاحبه غرس في ذلك الموضع،استغربت لوهلة،ثم صرفت اهتمامي عنه ،وأكملت نظري الي مائي المتدفق نحو جدار الطاحونة،لكنني عدت ببصري مرة أخرى نحو ذلك الاثر،واقتربت منه بعدما دار في رأسي ان أغلب المزارعين يجوبون الحقل حفاة الأقدام ، وأن نشقة ذلك الأثر الواضحة لاتشبه ثلاثة شموس متجاورة بأشعتها يحيطها إطار مكتمل ليست إلا لحذاء غالٍ   لاأعتقد ان أحدنا يستطيع شراءه. 




نظرت إلى الجدار أمامي وانا اتذكر الأحذية العسكرية طويلة العنق التي كان ينتعلها جنود الهجانة،ثم درت في حدر نحو الطاحونة، كان كل شيئ كما اعتدته دوماً ،بابها الحديدي مغلق بقفله،الجدار متأكلة  مصمتة،حتى الأرض الجافة حولها لم الحظ فيها أي أثار أقدام أخرى ،جال في بالي ان انظر حول الفتحة الصغيرة الموجودة في جدارها الشرقي رغم يقيني بأنني لن أرى إلا ظلاماً حالكاً طالماً لاتنسل أشعة الشمس المشرقة عبرها ،لكني سمعت صوت المشتري يناديني كي اسرع بالذهاب إليهما بعدما انتهيا من قياس مساحة الأرض،فاتجهت نحوهما. 


 عدت إلى البيت بعدما وعدني المشتري بإحضار نقوده في صباح اليوم التالي لإتمام البيعة، خبر مثل ذالك كان من المفترض أن يجعلني اطير من الفرحة، لكن ماشغل بالي كلياً هو اثر الحذاء المطبوع بجوار الطاحونة،وكلما حاولت التفكير في شيئ آخر وثب الأمر نفسه في رأسي من جديد،لطالما سمعنا في طفولتنا قصصاً مرعبة عن الطاحونة المهجورة،لكن مع بلوغنا ادركنا أنها ليست إلا محاولات تخويفية  من الأهالي لأطفالهم  كي لايقتربوا من الترعة الشرقية دات العمق الكافي لغرق  أي شخص لايستطيع  السباحة،ثم فتحت نافذة غرفتي الخشبية على مصراعيها بعدما ضاق صدري من كثرة  التفكير،كان القمر في السماء بذراً مكتملاً مثلما كان  في الليلة نفسها التي شهدت اختفاء الجنود،نظرت إليه شارداً وعقلي يواصل ضجيجه،ثم حدثت نفسي مؤنباً: 


-لماذا تشغل نفسك بهذه القرية من الأساس ؟غداً ستأخد نقودك وتهجرها إلى الأبد 


 وأغلقت النافذة من جديد،غير أن رأسي لم يهدأ،بل وصل الفضول في داخلي الي ذروته مع شيوع السكون الارجاء كافةً ،ووجدت نفسي انظر إلى لمية الجاز المعلقة على جدار الغرفة لتضيئها،وقلت وانا احدثها: 


-سأذهب إلى هناك لأنظر عبر فتحة الجدار  مرة واحدة فقط ،مرة واحدة وسأعود في الحال،وغداً سأذهب إلى العمدة لإخباره بأمر ذلك الاثر، لكني عدت وجلست على سريري،وأكملت إلى نفسي مخوفاً لها: 


-الى أين تذهب في هدا التوقيت؟ألا تتذكر أمر الجنية التي ظهرت لجدك من قبل وقتها كان يروي ارضه بعد منتصف الليل ؟نعم،أخبرتني امي عن ذلك الامر مراراً وتكراراً،وأن اباها اقسم لها ان تلك الجنية كانت تجلس فوق شجرة قريبة من أرضه ليلتها بشعرها الاسود الطويل الدي تدلى من أعلى الشجرة إلى جدعها،ووجهها النحيف دي العينين العموديتين التي يماثل طول الواحدة منها حبة موز صغيرة ،ولولا ضحكتها الصارخة المفاجئة لما انتبه إلى شعرها المبسوط على الأرض أمامه الدي كاد يدوسه بقدمه، والله يعلم ماكان سيحدث وقتها،ليركض إلى  داره يهدي ويرتجف،ولم يكرر ذهابه إلى هناك ليلاً بعد ذلك اعقل ياموسى،الصباح رباح ،والنهار له عينان ،اهدأ يافتى. 


لا.إنني احفظ القرآن كاملاً،سأذهب إلى هناك،وسأقرأ أية الكرسي طوال الطريق، لن يستطيع جن الاقتراب مني ،سأقرأها بصوت عالٍ،عالٍ جداً،قال الشيخ مصطفى ان أية الكرسي تحرق الجن،الشيخ مصطفى لايكذب،سأقرأها وأقرأ غيرها من الآيات، ومن يريد أن يحترق فل يقترب مني ،سألقي نظرة سريعة عبر الفتحة ليطمئن قلبي ان وجود ذلك الأثر ليس إلا مصادفة لاأكثر،وسأعود سريعاً،نظرة واحدة فقط،وسأعود لأخلد إلى النوم. 



 ونظرت إلى اللمبة من جديد وحدثتها: 


الطريق مضاء بالبدر ؛ لكني احتاج إليك لأرى ما في داخل الطاحونة . نعم إنك كافية ايتها اللمبة ، سامحيني على مرافقتك لي في ذالك المكان المهجور ، لكني ساعود بك سريعا ، آه ، سآخذ ايضا فأسي الصغير ، من يدري لربما ذئب بري يقابلني ، اعرف ان الذئاب البرية اختفت قبل مولد أبي كان الحوض الشرقي مشهورا بعوائها مثلما حكت لي امي ايضا ، لكن الاحتياط واجب . 


هيا يا موسى قبل ان يغطي السحاب البدر. 


ثم ارتديت جلبابي ، وعلقت فأسي الصغير بجيبه ، وحملت لمبة الجاز ، وخرجت الي الشارع متجها نحو حوض الاراضي الشرقيةوسط نباح الكلاب الضالة التي استغربت مرور احد الاشخاص في ذلك التوقيت . 


عندما ابتعدت عن منطقة المباني السكنية واقتربت من طرف الرقعة الزراعية بدأت سرعة الريح تشتد شيئا فشيئا على غير العادة في ذلك الوقت من العام ، فأخفضت فتيل لمبتي كي لا تنطفئ ، ثم نظرت الى البدر ؛ وحدثت نفسي مطمئنا بأن كل شئ على ما يرام ، وواصلت تقدمي بالطرقات الترابية الممتدة بين الاراضي الزراعية حتى وصلت الى مشارف ارض الخواجة ، كان ظل غرفة الاسود قد ظهر في الافق فارتبكت قليلا ، ثم مرت سحابة مفاجئة امام البدر ساد معها الظلام ، فبلغ ارتباكي ذروته وتوقفت مكاني ابتلع ريغي بدقات قلب خائفة ؛ قبل ان اتمالك نفسي وازيد ضياء لمبتي وأقرأ آية الكرسي بصوت عال ، واكمل طريقي نحو الموضع الذي رأيت به أثر الحذاء قبل ساعات ، وهناك نزلت ركبتي مقربا الضياء من الاثر ونقوشه ، كأني أؤكد لنفسي ان ما رأيته نهارا لم يكن خيالا توهمه عقلي ، ثم نهضت والتففتالى الجدار الآخر الذي تتوسط أسفله الفتحة الصغرى ، ونزلت على ركبتي من جديد مادا رأسي محدقا بعيني في داخلها من دون اللمبة ، كان الظلام حالكا ، فأمسكت باللمبة وأدخلتها مادا ذراعي بميل حذر الى داخل الفتحة وانا احرك رأسي يمينا ويسار لعلي ارى ما تظهره اللمبة فرأيت بالكاد ما رأيته من قبل ؛ قادوس الطاحون المغطة بألاتربة وجزء من ذراعها الخشبية الطويلة الغارقة بين شبابك العناكب لا شئ آخر ، حدثت نفسي 


- هل اطمأننت لا يوجد جنود في الداخل ، والطاحونة كما هي منذ سنوات هيا عد إلى بيتك . 


وكنت اخرج ذراعي لولت ان عيني لاحظت وضوح الرؤية داخل الطاحونة فجأة من دون سبب واضح ، لا لم تكن نيران اللمبة السبب ، زاد الضياء داخل الطاحونة فجأة مع انقشاع السحابة المغطية للبدر ، انتفض قلب غير مصدق ، وبدأت اقرأ آية الكرسي من جديد بصوت عال وانا انظر الى السماء ولما اخرجت يدي وضعت اللمبة جانبا ، ونظرت عبر الفتحة مرة اخرى متفحصا ، كان كل شئ في الداخل واضحا كأنك أشعلت لمبة كبرى في كل ركن من اركان الطاحونة ، ثم غطت سحابة البدر فساد الظلام فجأة في الداخل وكأن اللمبات قد اطفئت ، ثم انقشعت السحابة عنه فعادة الضياء في الداخل من جديد ، نظرت حولي اتلفت خوفا من وجود جن يراقبني كما راقبت الجنية جدي ؛ وأكملت تلاوة آيات أخرى من القرآن وانا افكر في العودة راكضا الى القرية لأصرخ الى الاهالي بأن يأتوا الى  الطاحونة ليروا ما يحدث لولا أنني لا حظت شيئا لم أنتبه إليه من الارتباك عندما ابصرت محتويات الداخل بعد سطوع البدر . لم يكن القادوس منغمسا في اكوام التراب ولا الذراع غارقة وسط شباك العناكب الكثيفة كما رأيتهما عندم أدخلت لمبة الجاز في للمرة الاولى ، فأغمضت عيني ثم فتحتهما من جديد للاتأكد ان ما اراه ليس تخيلا أو وهما من شدة الخوف الذي ينتابني ، وحدقت الى الداخل من جديد لابصر الطاحونة   جلية نظيفة كأن أحدهم قام بتنظيف أجزائها للتو ، همست الى نفسي : 


- ربما خدعتني إضاءة اللمبة ، اهدأ يا موسى ، لا تقلق . 


ونظرت جانبا الى اللمبة الموضوعة على الارض بجواري وحملتها بذراعي الى الداخل مجددا ، ظل كل شئ كما هو ؛ الطاحونة واضحة غير منغمسة في ركام او شباك العنكبوت ، فأخرجت يدي بأنفاس عالية سريعة ، واتخذت قراري بالعودة إلى القرية لإخبار الناس في صلاة الفجر بما رأيته ، ونهضت وكدت اتحرك فمرت سحابة اخرى امام البدر ، لا اعرف لماذا جال في بالي ان استدير وأعاود النظر إلى داخل الطاحونة ، وهذا ما فعلته بالفعل ، نزلت سريعا على ركبتي ونظرت إلى الداخل مرة أخرى ، كان الظلا حالكا ، فمددت يدي بالمبة عبر الفتحة لأتسمر مكاني مرتعبا ، كادت أكوام التراب المغطية للقادوس وشباك العنكبوت المتشعبة داخلها : 


- ماذا ! هل اصابني الجنون ام انا عالق في حلم ما ؟ 


لأفاجأ قبل ان أكمل كلامي بتبدل الصورة امامي تدريجيا لتختفي شباك العنكبوت شيئا فشيئا هي وأكوام الأتربة ، وتنصع أجزاء الطاحونة مع انقشاع السحابة عن البدر وظهوره بالكامل من جديد ، فسقطت من يدي اللمبة بداخل الطاحونة إثر الرعب الشديد الذي أصابني ، وسقطت انا الآخر على ظهري بجسد مخشب ، انظر وانا راقد على الارض بعين جامدة عبر الفتحة التي صارت في مستوى بصري ، ولا أقوى على التحرك ، ثم انتفض قلبي من موضعه لدرجة كادت توقفه عندما صدر صوت قوي مفاجئ من داخل الطاحونة ؛ فجمعت قواي الخائرة وانا أتمتم بآية الكرسي ، وزحفت على ركبتي لأقترب من الفتحة مجددا بأنفاس لاهثة ، لأفتح فاهي عن آخره مذهولا ومرعوبا بعدما رأيت ذراع الطاحونة الخشبية تدور ذاتيا ببطء شديد في مدار أفقي ، مصدرة صريرا متقطعا ، بينما تلفظ تباعا من قادوس الطاحونة أشلاء بشرية ؛ أقدام وسيقان وأياد وأمعاء وأذرعة ورؤوس جاحظة الاعين ، جميعها سمراء الجلد ، لم أكن في حاجة إلى من يخبرني أنها أشلاء جنود الهجانة الذين اختفوا قبل شهر . 


وقتئذ أحسست أن الموت يقترب مني بعدما بلغت دقات قلبي أقصاها ، ومكثت مكاني مجمدا أحدق إلى الأشلاء التي يتواصل اندفاعها من قادوس الطاحونة مع كل حركة إضافية للذراع الخشبية ، قبل ان يشعر وجهي فجأة بأنفاس لافحة ، وتتناهى إلى مسامعي زمجرة قريبة للغاية ، فنظرت عن يميني ، فوجدته يقف على بعد خطوة واحدة مني يحملق في فاتحا فكيه عن آخرهما ، وأنيابه الحادة الطويلة تلمع بقوة مع ضوء البدر . ....... يتبع

*********************************************************

الفصل الثالث

 بدأ الأمر في تلك الرسالة الإلكترونية التي وصلت إلى هاتفي عبر《محادثات الفيسبوك》 

-《استاذ خالد،إسمي مروة طارق،اريد مقابلتك في اقرب وقت بخصوص امر مهم،شكراً مقدماً》  

تعجبت بمجرد قراءتي الرسالة،وعلى الفور تصفحت حسابها الشخصي،كانت صورتها الشخصية توحي بأنها في منتصف العشرينات،وجهها رقيق خمري البشرة،عيناها عسليتان واسعتان تشعانْ ذكاءً واضحاً،وشعرها مُجدّل في جدائل رقيقة كثيرة تزيد جمالها جمالاً،تمسك في يدها مجموعة كتب،وتشير بيدها الآخرى إلى مكتبة الإسكندرية   التي ظهرت في خلفية الصورة ،فكرت في أنها لاتزال طالبة في جامعة،خاصةً أنها لم تضع معلومات أخرى على صفحتها سوى أنها تعيش في الإسكندرية ، وأكملت تصفحي في حسابها لعلي اعرف من خلال منشوراتها ماقد تريده مني ،فلم اجد اي رابط قد يجمعني بها،عدت الى الرسالة من جديد،ورددت كتابةً: 

-مرحباً مروة،بخصوص أي شأن؟لاأظن انك تقصدينني. 

 في اقل من دقيقة جاء الرد: 

-اهلاً وسهلاً استاذ خالد،اقصدك تماماً سيدي ،اعدرني لن استطيع شرح الأمر مطلقاً عبر هذه الدردشة،امازلت تعيش في قرية البهو فريك ؟ 

تأكدت حين ذاك أنها تقصدني فعلاً،وكتبت مستغرباً: 

كتبت سريعاً:

هل استطيع مقابلتك هدا الاسبوع هناك؟وسأشرح لك كل شيئ وقتها.

فكرت ضاماّ شفتيّ،ثم كتبت لها:

-انتظري دقيقة واحدة لو سمحتِ.

ثم حدثت منى التي كانت تشاهد التلفاز بجواري:

-هناك فتاة غريبة تريد أن تزورنا.

تعجبت، وسألتني على الفور :

-من؟!

اعطيتها الهاتف فتصفحت بعينيها الرسائل،ثم القت نظرة سريعة على حسابها هي الاخرى،وسألتني في اقتضاب:

 -هل تحدثت لأحد عن أرض زيكولا مؤخراً؟

هززت رأسي نافياً،ضمت شفتيها ثم تمتمت:

-امر غريب،ماذا تريد منك؟!

قلت:

-لاأعرف، تصر على مقابلتي اولاً.

قالت وهي تنظر إلى صورتها أمام مكتبة الإسكندرية:

-يبدو أنها طالبة في كلية ما.

ثم نظرت إلى وتابعت:

-اخشى المفاجآت،خاصةً مفاجآتك،ولكن على كل حال ان كان منك شيئ قد تفيدها به فلا تبخل عليها.

اومأت برأسي متفقاً معها،ثم اخدت الهاتف مرةً اخرى،وكتبت لصاحبة الرسالة:

-ربما نلتقي في المنصورة ان اردتِ.


                                  

          
                

ردت على الفور:

 -أرجوك ،سآتي إلى القرية،اريد ان اتفحص شيئاً ما في وجودك شعرت ان التوتر قد أصابني بعض الشيئ،ليس سرداب فوريك ومكثت انظر إلى الرسالة دون كتابة أي شيئ،فكتبت لي بعدما طال انتظارها:

-معي استاذ خالد؟

كتبت:

-حسناً،إن أردت القدوم فأهلاً وسهلاً بك.

ودونت لها رقمي لسهول الوصول الي،فردت:

-شكراً جزيلاً سيدي،سأهاتفك خلال أيام،إلى اللقاء. 

-الى اللقاء.

قلت لمنى:

-ستأتي خلال ايام،اعتقد أنها صحفية أو كاتبة عثرت على شيئ ما يخص سرداب فوريك.

قالت:

لاأظن ان يامن يتحدث إلى زملائه عن حكايتك الخاصة بأرض زيكولا،وانا لم أخرج هدا السر من فمي ابداً،وانت أيضا لم تتحدث إلى أحد بعد وفاة جدك وصديقه.

 هززت رأسي متفقاً معها،فباغتتني بسؤال سريع:

-هل رأيت النجم قريباً؟ 

نظرت لها وقلت:

-لا،كانت آخر مرة منذ سبع سنوات.

اومأت برأسها ايجاباً،ثم اكملت حديثها وهي تنظر إلى التلفاز:

-انا أيضاً لم اره  مطلقاً منذ كان يامن رضيعاً،لننتظر ونرى ماذا تريد،لعله أمر آخر تماماً 

بعد ثلاثة أيام رن هاتفي برقم غريب،قال صوت نسائي اتى من الجانب الآخر من الخط:

-مرحباً سيد خالد،انا من تحدث إليك عبر برنامج محادثات 《فيسبوك》قبل أيام 

نطقت:

مروة؟

قالت:

-نعم،هل لي ان ازورك في منزلك الساعة السادسة مساء اليوم؟

نظرت إلى ساعتي،كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر ظهراً ،فقلت:

-نعم،على الرحب والسعة.

خلال الساعات التي تلت تلك المحادثة حاولت ان اشغل رأسي بأشياء أخرى لعل القلق الذي أصابني يقل بعض الشيئ،لكني لم استطع وجلست أنتظر مرور الوقت دقيقة دقيقة بفارغ الصبر، إلى أن رن جرس الباب اتت قبل الساعة السادسة بعشر دقائق، هبطت إلى الطابق السفلي وفتحت الباب على الفور ،وجدتها امامي بهيئتها التي لم تختلف كثيراً عن صورتها في مواقع التواصل الاجتماعي سوى أن شعرها المجدل كان أطول قليلاً،قالت بعينيها المتحمستين: 

-سيد خالد ؟ 

اومأت برأسي إيجاباً وانا انظر الى سيارتها الحمراء الصغيرة التي كانت تقف أمام البيت،فأردفت: 


        

          
                

-هل تسمح لي بالدخول؟ 

أشرت لها إلى الداخل باسماً،وقلت في حرج : 

-بالطبع. 

رحبت بها منى كذلك،وألقى يامن ترحيباً سريعاً قبل أن يغادرنا إلى الطابق العلوي،ثم تركتنا منى بمجرد شعورها ان الفتاة تريد محادثتي بمفردي. 

 قالت مروة عندما جلست في غرفة الضيوف: 

-اعتذر من اقتحامي حياتك بهذا الشكل المفاجئ،لكن هناك أمر اكتشفته منذ شهور،وأريدك ان تساعدني بخصوصه.  

وتابعت عندما نظرتُ إليها في ترقب: 

-انني أدرس الدكتوره في مجال الحفريات الفقارية،وهناك جزء هام في رسالتي يرتبط بشدة بمنشور كنت قد نشرته على صفحتك بتطبيق 《فيسبوك 》قبل شهور. 

إندهشت مما تقوله،وانا احاول تذكر أي شيئ نشرته من قبل في مجال الحفريات ،وعندما لم يآتِ في بالي شيئ من هدا القبيل شعرت أنها تقصد شخصاً آخر ،غير أنها أخرجت من حقيبتها صورة 《فوتوغرافية 》مطبوعة بالأبيض والأسود ،واكملت: 

-لقد جئت إليك بخصوص هده الصورة. 

نظرت الى الصورة في تعجبٍ كبير،إذ كنت اعرفها جيداً، كانت صورة قديمة لجدي عبد القوي التقطت في أواخر عشرينات القرن الماضي،كان عمره ستة او سبعة أعوام وقتها على أقسى تقدير،يحمله  ابوه ويقف بجواره ثلاثة رجال يرتدون طواقيهم وجلابيبهم الفلاحي،ويبتسمون إلى المصور بأسنانهم البيضاء ووجوههم السمراء التي لفحتها الشمس،كان جدي يحتفظ بتلك الصورة،ونشرتها على صفحتي بتطبيق التواصل الاجتماعي قبل عامين  بالفعل في اليوم العالمي للتصوير بإعتبارها أقدم صورة شهدتها قريتنا ،ومعلقاً اسفلها بالشبه الكبير بين جدي في طفولته ويامن ابني،شاركتها بعض الصفحات المهتمة بالتصوير  انذاك متعجبين  من نقاء الصورة وجودتها رغم قدمها،وانتهى الامر،فقلت وانا انظر الى الصورة: 

 -ماذا بها؟أنها صورة قديمة لبعض رجال قريتنا قبل أكثر من تسعين عاماً،أخبرني جدي ان مصوراً رحالا اتى إلى القرية حينها والتقط للرجال هذه الصورة ،واحتفظ بها ابوه ومن بعده جدي. 

سألتني: 

-هل الصورة الاصلية موجودة؟ 

فقلت : 

-نعم. 

قالت : 

-هل تسمح لي ان اراها؟ 

قلت متعجباً: 

-بالطبع 

ونهضت إلى غرفة أخرى لأحضر الصورة من صندوق مقتنيات جدي قابلتني منى في الردهة وسألتني: 

-هل الامر يخص زيكولا ؟ 

هززت رأسي نافياً،وأكملت طريقي الى الغرفة واحضرت الصورة وذهبت بها اليها،حدقت إليها بمجرد أن امسكتها ، فسألتها في ترقب: 

-هل هناك أمر ما بخصوص جدي ورفاقه؟ 

قالت وهي تواصل تحديقها إلى الصورة : 

-لا،لايتعلق الأمر بالرجال المبتسمين إلى المصور،وانما يتعلق بهذا الرجل. 

وأشارت بإصبعها إلى خلفية الصورة،حيث يقف خلف الرجال رجل طويل اللحية والشعر نصفه العلوي عارٍ تماماً،بينما يطفي نصفه السفلي  سروال قصير ممزق،ويلتف حول مؤخرة عنقه حيوان مغلق العينين قلت: 

-الشيخ موسى ديب؟ 

والطاعة: 

قال جدي انه كان مخبولا. يطوف القرية بهذا الذئب الميت على كتفه حتى انه لقب ب "الذيب"نسبةً الى ذلك  

قالت: 

-نعم،هذا ماجئت اليك من أجله خصيصاً،لقد عثرت على صورتك على فيسبوك ،وبدأت ابحث على مصدرها منذ شهور حتى وصلت منشورك الأصلي ،رأيت لك تعليقاً يخص هذا الرجل،قلت فيه ان اهل القرية دفنوا ذئبه معه في. قبره حين مات. 

تذكرت اني كتبت ذلك بالفعل حين سألني أحد عن غرابة هيئة الشيخ موسى،فأردفت مروة: 

-إن الذئب الذي يحمله هذا الرجل على كتفيه يشبه الى حدٍ كبير سلالة الذئاب الرهيبة التي تصورتها أكبر معاهد الحفريات في العالم. 

قلت: 

-لاأعرف كثيراً عن الذئاب،لكن ما الذي يهم في ذلك؟  

قالت: 

-لقد انقرظت تلك السلالة من الأرض  منذ ثلاثة عشر ألف سنة . 

وتابعت بعدما زمت شفتيها:  

-انني اوقن تماماً ان رأس هذا الذئب لايشبه سلالة الذئاب الرمادية الموجودة حالياً. 

ثم نظرت إلي واكملت: 

-إن ماأفكر فيه لايتعدي إلى الآن مرحلة الشكوك،لاكن ستأكده بقايا الذئب في قبر الشيخ موسى. 

قلت مستغرباً ومستنكراً ماتقوله: 

-هل تريدين ان تفتحي ذلك القبر؟ 

 قالت: 

-نعم،وأن كان تصوري صحيحاً  فإما أن يعني ان الذئاب الرهيبة لم تنقرض قبل آلاف السنين كما يظن العالم. 

وصمتت لحظة،وأكملت باسمة وهي تنظر في عيني: 

-واما ان يعني ان مجئ  ذلك الذئب إلى بلدتكم من عالم اخر....... يتبع 

*********************************************************

الفصل الرابع

اتسعت حدقنا عيني، واندفعت الدماء إلى عروقي عندما افترضت الفتاةمجيء ذئب الشيخ موسى إلى بلدنا من عالم آخر، وعلى الفور وثب إلى رأسيسرداب فوريك وما وراءه من مدن، قالت الفتاة كلماتها بنوع من السخرية مندون أن تدري أن ذلك الافتراض قد يكون الأقرب للصواب بالذات في قريتنا وعندما شرد ذهني بعض الشيء مفكرًا في إمكانية عبور ذلك الذئب إلىأرضنا من خلال سرداب فوريك قبل ما يقرب من مائة عام، صاحت في الفتاة:- 

 أستاذ خالد، هل أنت معي ؟ 

هززت رأسي منتبها إليها، فقالت في حماسة شديدة وهي : تحدق إلى الصورة                                                                        سيجعلني . هذا الذئب من مشاهير مجال الحفريات في العالم إن ثبت  

حقا أنه من فصيلة الذئاب الرهيبة. وتنهدت بالحماسة نفسها، وتابعت وهي تنظر في عيني - هل تستطيع مساعدتي في فتح قبر الشيخ موسى؟ أو تعرف أحدًا يكتم الأسرار قد يساعدني في ذلك؟ فضممت شفتي وقلت: 

إن مقابر قريتنا تخيطها البيوت الآن من كل جانب، كما أن القبور هنا ليست مغلقة ببوابات حديدية سهلة الفتح مثل التي تنتشر الآن في معظم مقابر البلدان إن كل قبر مُغلق بكومة من الطين الجاف المخلوط بالتبن، لذا لن يكون ما تفكري فيه بالسهولة التي تتخيلينها. 

ثم سكت لحظة مفكرا، وتابعت: القبر، وإلا إن أمسك بك الأهالي فلن تكون العواقب سليمة. اعتقد أنه من الأفضل أن تستخرجي تصريحًا من الشرطة بفتح ا 

أشاحت بيدها وقالت: - لا لا أريد تضخيم الأمر بهذا الشكل. تعلم أن استخراج مثل التصريح سيدخلني في متاهات من سين وجيم وفي الأغلب سيت الطلب بالرفض في النهاية، وقد يتسرب الأمر فتنتبه الأمين إلى الله فتضيع فرصة فتحه في الخفاء.  

وأضافت:- أريد أن أدفع أموالا لشخص تثق به يستخرج لي عظام الذئب الله وينتهي الأمر. 

أخرجت زفيري، وقلت في هدوء: 

في الحقيقة لا أعرف القبر الذي دفن فيه الشيخ موسى، ولكن أعتقد ثلة أقارب له لا يزالون على قيد الحياة. لا بد أنهم يعرفون قبره و لي هذا الأمر، وسأفكر أيضًا في الشخص الذي قد يساعدك في د القبر واستخراج العظام التي تريدينها. قالت وعيناها تلمعان حماسة 

هل لي أن أقابل أقارب ذلك الرجل أنا الأخرى؟ 

قلت: 

- إن علاقاتي هنا في القرية قليلة بعد وفاة جدي، ولا أعرف بعدم نستطيع سؤاله عن الشيخ موسى دون أن يسبب لك متاعب الما سأتقصى الأمر لأيام أولا وسأهاتفك في حال وجود أي جديد زمت شفتيها، ثم هزت رأسها موافقة في استسلام، وقالت حسنًا، لكن أرجوك لا تتأخر علي في هذا الأمر. 


                            

          
                

ثم أكملت محذرة بإصبعها: وأريدك أن تعدني أن تبقي ما تحدثنا بأمره سرا بيننا.. قلت باستثناء زوجتي لن أخبر أحدًا، لن تخبر أحدا هي الأخرى، إنني أعدك بذلك. سأنتظر اتصالا قريبا منك تكون قد عرفت أقارب الشيخ موسى الموثوقين، وعرفت أيضًا في أي مقبرة دفن. أومأت برأسي إيجابا ثم غادرت 

صمتت لحظة، ثم قالت حسنا، زوجتك فحسب. 

ثم نهضت مغادرة وهي تقول:                                                                                                                                                        

_ سأنتظر اتصالاً قريباً منك ، تكون قد عرفت اقارب الشيخ موسى الموثوقين ، و عرفت ايضاً فى اى مقبرة دفن .  

اومأت ايجاباً ،  ثم غادرت .  

جلست في غرفة الضيوف بمفردي أتفحص صورة جدي، ثم أمسكت بهاتفي وبدأت أبحث في الإنترنت عن فصيلة الذئاب الرهيبة، وجدت أنها قد انقرضت بالفعل قبل أكثر من عشرة آلاف سنة، وتحدثت كثير من المقالات التي قرأتها تباعا عن قوتها وقدرتها الفائقة على اصطياد الفرائس الأكبر حجما ثم أخذت أشاهد أفلاما تسجيلية عن حفريات تلك الذئاب، وعن الاختلافات بينها وبين فصيلة الدئاب الرمادية الموجودة حاليًّا، وعدت إلى الصورة مجددا الأشعر للمرة الأولى أن شكل الذئب الذي يحمله الشيخ موسى يختلف بالفعل بعض الشيء عن شكل الذئب الرمادي الشهير، لم أعرف إن كان ذلك شعور 

كاذب اختلقه التوتر الذي أصابني بعد حديث الفتاة أم كنتُ محقا. دلفت إلى منى، فحكيت لها ما حدث، وما أنث من أجله الفتاة. تعجبت من الأمر، ثم قالت: 

الجنون، إن السرداب يوجد أسفل بلدنا منذ مئات السنين. ربما عبر الشيخ موسى سرداب فوريك قبل مائة عام، وهناك أن 

- لا أعتقد أن الأمر يستحق كل القلق الذي أراه على وجهك. 

ثم أردفت في هدوء 

قلت في قلق: إنني أفكر في الأمر من أكثر من جانب إن استطاعت تلك الفتاة الانبار انتماء ذلك الذئب للفصيلة المنقرضة قد يتعداها الأمر، وربما لا حفريات الذئاب أو الحيوانات المنقرضة الأخرى، ومع المعدات التي ذات صباح بمجيء حملات استكشافية إلى بلدنا للبحث عن مزيد من يحضرونها قد يتم اكتشاف سرداب ،فوريك، ومن يدري ماذا 

بعدها. 

إن عالمنا ممتلئ بالشرور، وإذا اكتشفت أرض زيكولا وما حولها من بلدا فلن يكون أناسها في مأمن أبدًا. ستصبح ثروات تلك البلدان مطمقالا معتد، وغنيمة تتنافس عليها قوى هذا العالم، خاصةً مع الأزمات الطالبة التي تمر بها الآن، وإذا حاول أهل تلك البلدان المقاومة فلن يكر مصيرهم إلا الإبادة المحققة مع الفارق الكبير بين التسليح هنا وما 

وضعيت شفتي وتابعت: 

سيكون اكتشاف تلك العوالم هي نهايتها، وذلك هو السب الله 


        

          
                

لاحتفاظي بسر سرداب فوريك كل هذه السنوات. 

فكرت قليلا في صمت كأنها وافقت تفكيري، ثم قالت: وماذا ستفعل؟ يبدو من هيئة الفتاة أنها مثابرة وملحة، لن نهاد تحصل على حفريات ذنبها، وإن لم تساعدها سيساعدها غيرك 

قلت: 

- سأستخرج رفات ذلك الذئب بمعرفتي قبل وصولها إليه، لم أختال بريد مساعدتي من قبل، لكن قياسًا على الأضرار التي قد تنتج 


صحة افتراضها لا بد وأن أسارع بحرمانها من ذلك الاكتشاف، لقد زعمت عدم معرفتي لا بد وأن أسارع بحرمانها من ذلك الاكتشاف، لقد زعمت عدم معرفتي لأقارب الشيخ موسى، لكني جيدا قريبه الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة الحاج «رأفت الخولي»، لن أفصح له عن الأمر، لكني أستطيع أن أستخرج منه بعض المعلومات التي قالت في نبرة قلقة أشم رائحة مغامرة جديدة يا خالد. هززت رأسي نافيا، وقلت: لا، لقد ولى زمن المغامرات سينتهي الأمر بإخفائي رفات ذلك الذئب وسأتوقف عند ذلك الحد. ونظرت في عينيها وتابعت: وقالت: 

أريدها عن الشيخ موسى وذئبه. 

سأفعلها من أجل أصدقائي القدامى يا منى، من أجلهم فحسب. أومأت برأسها وهي تنظر إلى يامن الذي فتح باب الغرفة ودلف إليناء 

حسنا يا خالد، تذكر فقط في كل خطوة تأخذها أن هناك طفلا يحتاج 

إليك. 

أومأت برأسي إيجابا في صمت. 

في صباح اليوم التالي اتجهت مباشرة إلى منزل القريب الوحيد للشيخ موسى الديب: الحاج رأفت الخولي»، رجل في أواخر عقده السابع، كان يعمل ناظرا لمدرسة ابتدائية وما زال يتمتع بصحة جيدة، كان يعرف جدي جيدًا ويكن له كل احترام استقبلني بحفاوة شديدة حين وجدني أمام باب بيته. وبعدما قدمت لنا زوجته كوبين من الشاي وتركتنا معا قلتُ: - لقد جئت إليك بشأن قريبك الشيخ موسى رحمة الله عليه. 

تعجب لوهلة، ثم قال باسماء جيلك يعرف عنه شيئا. باه الشيخ موسى ١٢ لقد توفي منذ أكثر من خمسين عاما، لا أظن أن ضحكت وقلت: 

هذا صحيح، لكن جدي كان قد حكى لي عنه من قبل، وعن ذنبه، وقبل شهور نشرت صورة عبر الإنترنت كان الشيخ موسى يقف في خلفيتها بذبه، فأثار ذلك انتباه بعض أصدقائي، وجئتك لأفهم حكايته وحكاية ذئبه بعدما سألتي أكثر من شخص عن قدرة رجل بسيط مثله : على اصطياد ذئب شرس بهذا الشكل 

وأخرجت له الصورة، وأشرتُ بإصبعي إلى الشيخ موسى ارتدى نظارته الطبية وضحك وهو ينظر إلى الصورة، ثم قال: أعتقد أنها الصورة الوحيدة للشيخ موسى 

ثم تابع 

كان شقيق جدتي الأصغر، لقبه الناس بالشيخ مثلما اعتادوا أن يلقبوا فاقدي العقول في ذلك الوقت، نشأت فوجدته يحمل ذئبه على كتفيه ويزدد آية الكرسي دون توقف سبحان الله لم يكن يخطئ في كلمة. واحدة منها، قالت جدتي إنه كان يحفظ القرآن الكريم طفولته، ولولا خروجه من المدرسة بعد وفاة أبيه لأصبح ذا شأن كبير في هذا البلد، قبل أن يطير عقله فجأة بعدما وجدوه بين ليلة وضحاها يسير عارياً في القرية يحمل ذئبه الميت على كتفيه وفأسه في يده كاملا في 


        

          
                

ويردد آية الكرسي وكلمتين أخريين بينها. 

ثم أخذ يتذكر البضع ثوان، ارتشف خلالها رشفة من الشاي، وتابع: حونا، جاناء، كان يقول هاتين الكلمتين 

سألته مستغربا 

- ماذا كان يعني بهما؟ 

قال: 

لم يعرف أحد قط ماذا كان يعني بهما، أو بمعنى أدق لم يشغل أحد باله بما قد يهذي به شخص مسكين العقل مثله. 

وتابع وهو ينظر إلى صورة الذئب الغريب أن ذلك الذئب لم يتحلل جسده سريعا مثل أي حيوان نافق آخر، لا أعرف إن كان قد قام بحشوه من الداخل بالملح الخشن أم ماذا لكن أحدا لم يكن يستطيع الاقتراب أصلا منه لمعرفة ذلك السر، إذ كان بلاصق جسده طوال الوقت كأنه جزء منه، يتجول به ينام معه يستحم 

معه إن قامت جدتي بتحميمه وارتشف رشفة أخرى من الشاي وضحك وهو يتابع: قالت لي جدتي ذات مرة إن أحد الأشقياء حاول نزع الذئب عن كتفيه فأمسك أخوها برقبة ذلك الشقي غارسًا أظافره في حنجرته حتى كاد يقتله لولا أنقذه الناس منه في آخر لحظة، ومن يومها لم يحاول أحد الاقتراب منه أو من ذئبه. وتذكر شيئًا آخر، وقال: قالت أيضا إنه كان يختفي بذئبة ليلتين متتاليتين منتصف كل شهر قمري دون أن يعرف أحد مكانه، ولما اكتشفوا أنه كان يتوارى خلالهما داخل أحد قبور القرية المجاورة وحاولوا إخراجه أخذ يصرخ بكل طاقته رافضًا الخروج من القبر حتى تركوه، فلم يكن من جدتي إلا أن تذهب إليه بالطعام هناك في هاتين الليلتين من كل شهر. فكرتُ في غرابة الأمر، ثم سألته: 

- أخبرني جدي أن ذئبه دفن معه، أهذا صحيح؟ 

قال الرجل: 

نعم، الكل كان يظن أن الشيخ موسى ممسوس من الجن، وكانوا يعتقدون أن الجن يكمن في ذلك الذئب، وعندما مات خافوا أن ينزعوا 

النسل له ولذئبه. وهو من قام بإنزال جثتيهما إلى القبر بعدما . عنه تشبه ودفنوهما معا. أتذكر أن شيئًا من بلدة مجاورة هو من أول . بعدما خشينا أن يدفن فيه أحد آخر من العائلة، لدينا ثلاثة قبور في أهل القرية من الإقدام على ذلك الفعل، حتى قبره لم يفتح منذ ان فيه . للشيخ موسى بمفرده و قبران لباقي العائلة، أحدهما للرجال والأخر 

للنساء 

ابتسمت وأطلقت تنهيدة قائلا: 

إن بلدتنا ممثلثة بالكثير من القصص والحكايات 

قال الرجل: 

نعم، كانت طفولتنا لا تحتاج إلى تلفاز أو إنترنت مثل هذه الأيام بفضل . 

كثرة تلك القصص. 

قلت وأنا أنهض: 

أشكرك يا حاج رأفت، أردت معرفة القصة منك لعلي أستطيع إجابة الأسئلة التي يطرحها الناس عن الشيخ موسى أو أدونها ذات يوم 


        

          
                

وأسف على إضاعة وقتك. 

قال معانبا 

- لا سمح الله، إنك حفيد الغالي، وسعدت جدا بزيارتك. 

ثم غادرت وعلى وجهي ابتسامة، ويدور في رأسي حديث الرجل عن وجوده ثلاثة قبور فقط لعائلته، خُصص أحدها للشيخ موسى بمفرده، كان ذلك يسي أن القبر المغلق بكومة الطين الأكثر جفافا بين القبور الثلاثة هو قبر الشيخ - موسى بعدما لم يُفتح منذ أكثر من خمسة عقود، وأكملت طريقي متجها إلى 

مقابر القرية. 

قرأت سورة الفاتحة عندما صرت على مشارف منطقة المقابر، ثم خطوت إلى داخلها ينتابني شيء من الاضطراب، كانت القبور تمتد عن يميني وعن يساري مقببة الشكل ومبنية من الطوب يحمل بعضها قطعا من الرخام مكتوبا عليها أسماء العائلات التي تنتمي إليها، وتعزلها عن السماء مظلة مرتفعة من الصاج المدعوم بقوائم حديدية، وكان بعض النساء يجلسن بجوار بعض القبور يقرأن القرآن لموتاهن، فألقيت تحيتي عليهن، وواصلت تقدمي بين الطرقات المتشعبة باحثًا عن قبور عائلة الخولي، إلى أن وصلت أخيرًا إلى مرادي، وهناك أخرجتُ زفيري ارتياحًا، فمن حسن الحظ أن قبور تلك العائلة لم تكن على أطراف المقابر، بل كانت تتوسطها تقريبا، وهذا ما يجعلها متوارية نوعا ما تلفت حولي، لم يكن أحد في محيطي، فانحنيت وتفحصت كومة الطين المغلقة لكل واحد منها، كان الفرق بينها واضحًا للغاية، وفي لمح البصر أدركت أن كومة الطين التي تغلق القبر الشرقي هي الأقدم، فنهضت وألقيت السلام باسما للشيخ موسى وأنا أنظر إلى قبره أمامي، حينذاك انقبض صدري ودبت في قلبي رهبة مفاجئة لم أعرف سببها، فأسرعت بقراءة الفاتحة مرة أخرى، ثم غادرت باضطراب كبير عائدا إلى البيت. 

سألتني منى عما حدث خلال ساعات اليوم، فأخبرتها عما دار بيني وبين قريب الشيخ موسى، وعن ذلك الاضطراب الذي أصابني عندما وقفت أمام القبر، ثم أردفت لها مطمئنا عندما رأيت قلقًا كبيرًا يظهر على وجهها هي الأخرى 

أعتقد أن ذلك طبيعي مع ما أنوي فعله، يبدو أن سنوات الراحة الأخيرة قد جعلت قلبي هشا وكأنني لم أمر بما يعادل خطورة ذلك مئات المرات. سألتني، والقلق لا يزال على وجهها:

متى تنوي فتح ذلك القبر؟ 

قلت 

منطقة القبور أكثر من ليلة أولا لأختار التوقيت المناسب ) أريد التعجل فيمسك بي أحد الأهالي ويقع الفأس في الرأس، وبالنسبا - المروة فسأعمل على تأخير عودتها إلى القرية بقدر المستطاع. سأراقب ، 

هزت رأسها إيجاباً من دون أن تنطق. 

********** 

خلال الأيام التالية قسم وقتي بين ثلاثة أشياء رئيسية عملي نهار وبحثي ليلا عبر الإنترنت عن تفاصيل أكثر تخص الذئاب الرهيبة والأهالي في وقت يتعدى منتصف الليل إلى منطقة المقابر مراقبا البيوت الحضارة - التي تحيطها هاتفتني مروة أكثر مرة، تعمدت تجاهلها في البداية لك مع إلحاحها الشديد أجبت اتصالها، وأخبرتها كاذبا أننى ماز لا ولم ألتق أقرباءه بعد. 


        

          
                

مع نهاية أسبوعين من الذهاب إلى المقابر أدركت صعوبة الأمر مع استمرار - إنارة الأعمدة المنتشرة بين القبور، وكذلك إنارات البيوت التي تحيطها طول - الليل هاتفتني الفتاة مرة أخرى مع منتصف الأسبوع الثالث، وقالت إنها ستزورني خلال أيام، حاولت أن أثبط عزيمتها بعدم مقدرتي على إيجاد اي جديد، وعدم جدوى مجيئها، لكنّي شعرتُ من نبرتها تلك المرة أنها صارة - ترتاب أمري، ووجدتها تخبرني صراحةً أنها ستأتي مع زميل لها يدرس نفس المجال في جامعة المنصورة، ويعرف بعض الأشخاص في قريتنا، زادت تك المحادثة من توتري، وفي الأيام التالية عاودت الذهاب إلى منطقة المقابر بمعدل أكثر لعلي أصادف فرصة تلوح أختار من خلالها توقيتاً مناسبا به أن شيئًا لم يختلف عن المرات السابقة. 

مرت عشرة أيام أخرى لم يحدث فيها أي جديد ولم تهاتفني خلالها الفتاة أحسست في داخلي حينها أنها قد قررت إبعادي عن الأمر تماما - وتوليها الأمر بنفسها بمساعدة زميلها فواصلت محاولاتي بإصرار كي له توقيتا مناسبًا قبل وصولها هي ومن معها إلى القبر، ثم أتت الفرصة على طبق 

من ذهب بعد ثلاثة أيام أخرى عندما سمعت مكبر صوت ينادي في القرية بأن الكهرباء سوف تنقطع عن القرية وأجوارها في تمام الحادية عشرة مساءً حتى السابعة من صباح اليوم التالي اعتاد مسئولو شركة الكهرباء والمياه على مثل هذه التنبيهات كي تأخذ كل أسرة احتياطاتها بشأن فصل الأجهزة الكهربائية وتخزين المياه للبيوت التي تعتمد على مضخات رفع المياه للأدوار العليا، كانت الساعة في يدي وقتها تشير إلى السادسة مساءً، وكانت الشمس في طريقها للغروب عندما تناهى ذلك النداء إلى مسامعي أنا ومنى التي كانت تجلس بجواري، وبمجرد أن انتهى، نظرت إليها وقلت دون تفكير: سأخرج عظام الذئب الليلة. 

************ 

في تمام الثانية عشرة صباحًا كنت قد جهزت أدواتي: جاروفًا معدنيا صغيرا، ومصباحًا ضوئياً، وقفازا جلديا، وجوالًا من الخيش، وقارورة ماء متوسطة الحجم، وفي تمام الواحدة والنصف صباحًا خرجت من بيتي. 

كان الظلام سائدا مع انقطاع الكهرباء وتواري النجوم والبدر وراء غيوم السماء، أثرتُ مصباحي في بداية الطريق بعد تأكدي من سكون جميع البيوت على جانبيه، وأطفأته عندما انقشعت السحب عن البدر وأظهر ضياؤه الطريق أمامي، ثم وصلت إلى رقعة المقابر فدلفت إليها عابرا صفين منها، كانت الأجواء هناك ساكنة حد الموت، وحالكة السواد مع عدم وصول ضوء البدر إليها إثر مظلة الصاج الممتدة فوقها، وعندما تفحصت البيوت المحيطة بالمقابر في الاتجاهات كافة كانت جميعها تشبه تلالا سوداء لا تظهر فيها نقطة ضوء واحدة، حينذاك أثرتُ مصباحي من جديد، وأكملت طريقي نحو قبر الشيخ موسى 

عندما وصلت إلى أمام القبر دق قلبي بالرهبة ذاتها التي شعرت بها حين أمامه من قبل فتمتمت بآيات من القرآن بصوت خفيض ثم ارتديت قفازى وبدأت أزيل بالجاروف كومة التلين المغلقة لباب القبر في هدوء حذر 


        

          
                

ساعدتني جفاف الطين على سرعة إزالته، فحمدت الله : ه في داخلي أنهم لم يستخدموا الأسمنت لإغلاق القبور في تلك الآونة، ثم أصدر الجاروف صور عاليا فجأة مع ارتطامه بحجر أسفل كومة الطين، فتوقفت حابسًا أنفاسي ثم أكملت عملي من جديد بعد بضعة دقائق تفحصت خلالها سكون الأجواء . من حولي. 

استغرقت إزالة كومة الطين وما أسفلها من حجارة ثلث ساعة تقريبا، إلى أن ظهر باب القبر الذي كان مغلقا بطوب لبن مرصوص دون مادة لاصل مثلما تعودنا أن نفعل في قريتنا مددت يدي وأزلت الطوب واحدة وراء أخرى حتى فتحت الباب عن آخره، ثم سلطتُ ضوء المصباح داخل القبر، ومدين - رأسي وأنا أحرك مصباحي يمينا ويسارًا، كانت أرضية القبر رملية تنخفض قرابة متر عن الأرضية في الخارج يقبع عليها كفن طویل مهتری نظهر منه جمجمة بشرية وبعض العظام، وبجوارها كفن صغير تظهر منه مقدمة جمجمة الذئب، همستُ إلى نفسي بقلب يدق خوفًا: 

- رحمة الله عليك يا شيخ موسى اعتنى المُغسل بذئبك وكفنه بكفن 

مخصص إلى 

ثم وضعت مصباحي بين فكي ومددت ساقي بحذر إلى داخل القبر وهبطت إلى أرضيته محاولا ألا أدوس أي عظمة بقدمي، ثم حملت كافن الذئب بعظامه إلى داخل جوالي بدون أن أضيع وقتا في أي تفاصيل أخرى وخرجت من القبر، وأعدت سريعًا رص طوب الباب مثلما كان وباستخدام جاروفي خلطت الطين الجاف بالماء الذي كان معي صانعا عجينًا طينيا وعلى قدر المستطاع أغلقت القبر بكومة من الطين تماثل حجما الكومة التي أزلتها، آملا أن تجف مع طلوع النهار وألا يلاحظها أحد في الأيام القادمة ثم نهضت وتفحصت الأجواء من حولى كان السكون لا يزال سائدا نظرت في ساعتي كانت تشير إلى الثانية صباحًا وأربعين دقيقة، فحملت جوالي وأدواتي وأسرعت عائدًا إلى بيتي وهناك صرخت فى مُنى بمجرد أن رأتني دالها إليها بجوالي المنيع 

ظننتك ستتخلص منه بعيدا. 

قلت: 

لم يعد هناك إلا وقت قصير على صلاة الفجر، وخشيت أن يقابلني أحد فيشك في أمر هذا الجوال 

قالت في غضب: 

- لم يكن ذلك اتفاقنا، قلت إنك ستتخلص منه بعيدا. 

قلت بصوت هادی 

علي أن أفحص هذه العظام جيدًا، لست متخصصا، لكن قد تساعدني المقالات والصور والأفلام التي عكفت عليها في الأيام الماضية من يدري؟ لعل الفتاة مخطئة ويكون ذئباً عاديا ونرتاح من كل ذلك، لأن يستغرق الأمر حتى الصباح، وقبل أن تنهضي من نومك أعدك بأن هذه 

العظام لن تكون في بيتنا. قالت مغمغمة في استنكار: - أنام ؟! ومن يستطيع النوم وفي بيته عظام كانت مدفونة لعقود مع رجل 

يقال إنه كان ممسوسا من الجن. 

قلت مهدفًا لها: 

أرجوك اتركيني فقط الآن، وأعدك في الصباح لن يكون هناك شيء 


        

          
                

تخشينه 

وافقت على مضض، ثم تركتني وغادرت إلى الأعلى. 

كانت الساعة قد صارت الثالثة والنصف صباحًا عندما أخرجت رفات الذئب من الجوال ووضعته بحذر شديد على طاولة صغيرة في وسط غرفة الضيوف يقبع عليها مصباحان مضيئان، ثم بدأت أزيح بحرص الكفن المهترئ عن العظام قفاحت رائحة عطنة في أركان الغرفة 

كانت العظام مفككة عن بعضها تتعلق بأغلبها بقايا ضئيلة من الأنسيل جمجمة كبيرة ذات فك كبير ومحجري عينين واسعين، وضلوع متباين الطول وعظام طويلة وأخرى مسطحة، وفقرات مختلفة الأحجام، فراز جميعها أمامي امتداد الطاولة، ثم أمسكت بالجمجمة في رهبة ورفعتها . إلى مستوى عيني، فابصرت شقا غير منتظم الحواف طوله حوالي من - سنتيمترات يظهر في مؤخرتها، ففكرت في داخلي وانا اتحسس ذلك الشر عن قول جدته بأنه عاد إليهم حاملا الذئب وفاسه و همست إلى نفسي أن تلك الإصابة هي ما تسببت في موته، وتذكرت حديث قريب الشيخ موسى - - ضربة فأس قاتلة. 

ثم تحسست الأنياب والضروس الكبيرة في الفكين العلوي والسفلي بعدما - أثار انتباهي الأنياب الأربعة سيفية الشكل التي يصل طول الواحد منها إلى قرابة الخمسة سنتيمترات، حاولت تذكر وصف الذئاب الرهيبة في المقالات التي قرأتها كي أقارن ما أراه بها، لكني شعرت بتشوش كبير، وأدركت في نفسي أنه بالرغم من كثرة ما قرأته فإن الجزم بمثل تلك الأمور لن يستطيع القيام به إلا متخصص ثم وضعت الجمجمة جانبا ونظرت إلى باقي العظام وبدأت أفحصها على عجل، لكني سرعان ما أخرجت زفيري بائسا بعدما شعرت أن عقلي تائه لا يستطيع تحديد أي شيء، فتركت العظام مبعثرة على الطاولة وقررت في داخلي أن أدفنها بمجرد طلوع النهار في أي قطعة أرض بعيدة، حتى وإن عثر عليها شخص من القرية فلن يظن سوى أنها عظام كلب تحللت أنسجته قبل سنوات، ثم فتحت النافذة لعل الرائحة العطنة التي كانت تفوح بقوة في الغرفة تتلاشى وتركت أحد مصباحي الطاولة مضاء، وحملت الآخر واتجهت إلى باب البيت وتيقنت من إغلاقه جيدًا، ثم صعدت إلى غرفة نومي بعد ذلك كي امكث هناك الساعات المتبقية حتى طلوع النهار، وقبل أن تنطق منى بشيء، قلت: 

- ساخفي العظام بعيدا ما إن تشرق الشمس وننسى هذا الأمر. 

هزت رأسها في غير اقتناع، فوضعت رأسي على الوسادة، لكن ما إن سقطت جفوني حتى سمعت صوت ارتطام أتى من أسفل، وثبت خوفًا من فراشي ووثبت منى هي الأخرى خائفة وأمسكت بذراعي، قلت والخوف يغمر 

كل خلية من جسدي لعل قطا غريبا أسقط شيئًا في الظلام ثم نهضت من موضعي وأمسكت بالمصباح وأثرته، بينما تحركت منى من خلفي تتشبث في طرف ثيابي العلوية، ونزلنا بحذر السلم الداخلي للبيت. كان السكون قد عاد مرة أخرى. قالت هامسة - تخلّص من تلك العظام الآن، أبعدها عن هذا المنزل. ربت على يدها وقلت ها مسا اطمئني، لا يوجد شيء. هذه 

وواصلنا نزولنا السلم، ثم تقدمنا في ترقب وخوف شديدين نحو الغرفة التي تركت فيها عظام الذئب، ليتجمد كلانا رعبًا بعدما وجدنا يامن يقف أمام عظام الذئب ويحمل مصباح الطاولة في يده، صرحت منى من المفاجأة: 

يامن ماذا تفعل هنا ؟ جفل الصبي مرتعبًا، ثم صرخ إلينا في تلعثم كنت أظن أن أبي هنا بعدما وجدت هذا المصباح مضاء، وجئت فوجدت 

اقتربت منه منى وأبعدته عن الطاولة، إلا أن ما لفت انتباهي وجعل قلبي ينتفض بقوة هي عظام الذئب التي كنت قد تركتها مبعثرة قبل دقائق على سطح الطاولة، إذ وجدتها قد انتظمت جميعها لتشكل هيكلا عظميًّا مكتملاً للذئب: الجمجمة متصلة بالفقرات التي تراصت في هيئة عمود فقري يتصل بالأمام بعظام لوح الكتف المتصلة بعظام الأرجل الأمامية، ومن الخلف بعظام الحوض المتصلة بعظام الأرجل الخلفية وبعظيمات الذيل وتواجه مقدمة 

حذر بالغ وقلبي يكاد ينخلع من موضعه هل قمت بترتيب العظام ؟ الجمجمة النافذة بشكل عمودي قلت ليامن وأنا أنظر إلى عظام النور 

قال: 

لا 

سرت رعشة عظيمة في جسدي، كنت على يقين أنني تركت الملا مبعثرة في غير انتظام وغير موجهة للنافذة، وقلت لمنى دون أن أنظر اي 

- أخرجي يامن حالا من الغرفة. 

إلا أنها همست لي بصوت خائف مرتعش وهي تواجه النافذة المفتوم - 

- انظر. 

نظرت إليها بطرف عيني، ثم اقتربت منها بخطى حذرة وعيني على ميا الذئب فأشارت إلى السماء كانت السماء صافية يوجد بها البدر في الانبها نفسه الذي نتجه إليه مقدمة جمجمة الذئب فزاد رعبي ) رعبا، غير أن ذكاء يكن ما تقصده مني، بل كانت تقصد النجم الوحيد الذي كان يلمع في السما 

بعيدا عن البدر، لتتابع في رعب شديد إنه نجم أسيل، لقد عاد للظهور من جديد. 

يتبع....  

*********************************************************

الفصل الخامس

تسمرت مكاني عندما أبصرت نجم اسيل يلمع في السماء في مكان آخر وحين اخر كنت سأمسي اسعد البشر برؤية ذلك النجم من جديد ،لكن مع ظهوره في ذلك الوقت بالذات وبعد ماحدث من عظام الذئب  لم يره عقلي سوى انه انذار بقدوم كارثة كبرى ان لم ابعد تلك العظام عني وعن أسرتي ، وبحركة لاارادية مددت يدي نحو النافذة وأغلقت مصراعيها ،لأهمس  بعدها إلى منى : 

-إصعدي بيامن إلى الأعلى فوراً  

أمسكت بذراع الصبي في فزع وغادرتني على الفور، وأغلقت باب الغرفة من خلفها ،لأظل وحدي بمواجهة الطاولة  احدق الى العظام القابعة على سطحها بأنفاس مرتعبة  ومستعداً لأي حركة مفاجئة ،ادا توهم عقلي ان ذلك الهيكل قد ينهض ويهاجمني في اي لحظة لاكن شيئا من دلك لم يحدث ،فاستجمعت شجاعتي  وامسكت بالجوال في يدي اليسرى، واسرعت بالتقاط العظام  والقائها في داخله تباعاً بيدي الأخرى ،  ثم احكمت بإغلاق الجوال عاقداً عنه أكثر من مرة،وحملته مهرولا إلى خارج البيت  ومعي جاروفي المعدني في وقت كان فيه النهار قد بدأ في الطلوع ،وإتجهت نحو أطراف القرية حيث حفرت حفرة عميقة في ارض رطبة،وأسقطت فيها جوال الذئب واردمتها من جديد، لأخرج انفاسي في ارتياح عندما سويت الأرض بقدمي وتأكدت من عدم ظهور أي جزء من الجوال ،وان لم استطع تجاهل النظر نحو البيت المهجور الذي يكمن في داخله مدخل سرداب فوريك والذي ظهر بعيدا في الافق أمامي مع انقشاع  ضباب الصباح،عدت إلى المنزل كانت منى ويامن ينتظرانني عند السلالم الخارجية.قالت منى في ارتباك شديد:  

لم استطع المكوث في الداخل ،لايزال الخوف يعصف بكل خلية من جسدي. 

قلت مطمئنا لها: 

لقد ذفنته بعيداً على عمق كهفٍ ، لن يستطيع أحد الوصول إليه ،علينا أن ننسا امره كأن شيئ لم يكن، ولعل ظهور النجم في ليلة امس صدفة لاأكثر. بدا على وجهها عدم الإقتناع ،لكنها مثلي لم يكن في يدها شيئ سوى أن تتجاوز الأمر وتسل بزوال الخطر حتى وإن كان داخلها لايوافقها في ذلك . 

دلفت إلى المنزل فوجدته معبقاً برائحة البخور النافذة ،وصوت القرآن الصادر من هاتفي الموضوع على الطاولة في منتصف الردهة السفلية عالٍ للغاية، أدركت انها سارعت بفعل  ذلك خشية وجود أي آثار شريرة للذئب فطمأنتها ثم صعدت الي غرفتي مدعياً رغبتي في النوم محاولةً مني لعدم تضخيم الأمر على عكس ماكنت اخفيه في داخلي من تشتت وارتباك ظلا يضربان بعقلي طوال  ساعات ذلك اليوم والأيام التي تلته من دون أن أجد تفسيراً واحداً لما حدث . 

خلال تلك الأيام استمرت منى في إشعال البخور وتشغيل الهاتف بالقرآن ومراقبة السماء لرؤية إن كان نجم اسيل سيظهر مرةً أخرى او لا،إلا أنه لم يفعل ،وكلما حاول يامن الاستفسار عن العظام او الرعب الذي أصابنا تلك الليلة ،إدعينا كذباً أننا بخير ،وأنها لم تكن الا عظام كلب جمعتها من الشارع المجاور كي أذفنها بعيداً رحمةً به 


                            

          
                

بعد أسبوعين بالتمام والكمال فوجئت بمروة ومعها شاب ثلاثيني لاأعرفه يطرقان بابي،إستغربت الفتاة من رائحة البخور العالقة في كل مكان عندما دلفت إلى البيت دون أن ادن لها،لاكنها سرعان ماتجاهلتها وسألتني في نبرة حادة :

-أين الذئب ؟؟

قلت هادئاً في إنكار:

-أي ذئب؟!

قالت:

الذئب الذي أخرجته من القبر.

قلتُ كاذباً :

-لم اخرج شيئاً، قلت لكي انني لم أعرف القبر، ولم أتحدث إلى اي من أقارب الشيخ موسى 

صاحت منفعلةً:

-إنك كاذب، كاذب فاشل،لقد قابلت قريب الشيخ موسى ، وتعجب حين سألته عنه،وأخبرني انك أيضاً تحدثت اليه بخصوص قريبه قبل أسابيع ،وكومة الطين التي أغلقت بها القبر يستطيع الطفل معرفة انها حديثة الصنع 

وأضافت بعين تتقد غضباً:

-لقد فتحت الثلاثة قبور بالأمس بمساعدة بعض الرجال هدا في قريتك ممن يعرفهم 《فاروق》

وأشارت بطرف عينها إلى زميلها،وأكملت:

-ولم أجد اي أثر له ،فقط آثار أقدام على الرمل في قبر الشيخ موسى ،بالطبع تعرف أقدام من.

قلت:

-لم أخد أي ذئاب،وعليك ان تحرري محظراً في قسم الشرطة إن تم اتهامي رسمياً بذلك.

صرخت مجدداً:

-لم أكن أعرف انك بذلك السوء ،لاأعرف مالذي قد تستفيذه من ذلك ، لقد حرمتني وحرمت العالم من إكتشافٍ قد يغير نظريات كبرى. 

صرخت فيها: 

-قلت لك لم آخذ شيئاً،هيا ،عودي إلى حيثما جئتِ،ولا أريد أن اراكِ مرةً أخرى. 

حدقت في بنظراتها الغاضبة ،   ثم غمغمت بكلماتٍ تلعنني بها،وغادرت هي وزميلها. 

أغلقت الباب من ورائها،وأسندت ظهري إليه متنهداً،في داخلي لم أغضب من ثورتها العارمة،كنت سأفعل الأمر نفسه او أكثر ان حرمني أحدٌ من حلم قريب سعيتُ وراءه لشهور،لكن لم يكن في يدي حيلة،كان حصولها على ذلك الذئب سيؤذي إلى مصائر غير محمودة لأناس كثيرين،فلتسامحيني ايتها الفتاة، ولعلي أجد فرصةً أخرى اعوض لك ماخسرتيه من جراء اخفائي ذئبك. 

 في الايام القليلة التالية بدأت  حياتنا تعود شيئاً فشيئاً إلى ماكانت عليه قبل نزولي قبر الشيخ موسى متناسين متجاهلين ماحدث في تلك الليلة بل اخدت اقنع نفسي واقنع منى  مع الوقت انني من شكل عظام الذئب في هيكله  العظمي قبل صعودي إلى الغرفة،  وقد اكون نسيت قيامي بذلك مع ارهاقي وسهري ليلتها،لتعبر بحياتنا ذلك المنعطف المفاجئ ،الا ان شيئاً واحداً لم نستطع تجاوزه مع مرور شهر واحد  بعد تلك الليلة،وهو توعك يامن الغريب ،اذ أصيب الفتى بارتفاع درجة حرارته لليال متتالية دون استجابة لأي خوافض الحرارة او المضادات الحيوية او مضادات الفيروسات إختلف اطباء القرية في تشخيص مرضه،منهم من قال في البداية انها مجرد التهابات  بسيطة في حلقه وصدره،ومنهم من اكد عدم وجود تلك الاتهابات مدعومين  بالفحوصات الكثيرة السليمة التي اجريناها  مع تعجب كبير بإختفاء الحمى تماماً نهاراً وعودتها ليلا فقط في نمط ثابت. 


        

          
                

 مع الوقت ادركنا ان الشيئ الوحيد القادر على خفض حرارته هو غمره في حوض من الماء الفاتر خلال الليل ،ليصبح ليل الفتى حماماً   طويلاً ان غادره دقائق عادت الحمى من جديد.

لأكثر من شهرين انتقلنا من طبيب لآخر ومن مستشفى لآخرى  دون أن نجد سبباً واضحاً لتلك الحمى،ولأن الأطباء لم يصدقوا ان الفتى مريض ان ذهبنا إليهم نهاراً ووجدوا حرارته طبيعيةً كنا نعود ونذهب إلى عياداتهم  الخاصة ليلاً ليصدقوا صحة مانقوله   عن نمط تلك الحرارة،بيد اننا لم نلقى منهم سوى ايماءات من التعجب و الدهشة ،خاصة أن مسببات مثل هدا النمط من الحرارة لم تشر إليها اي الفحوصات الكاملة التي أجريناها،قام بعض الأطباء بإعطائه علاجاً تجريبياً لأكثر من شهر بافتراض خطأ الفحوصات،لكن الحمى الليلية والهزلان بقيا كما هما. هزلت منى كثيراً هي الأخرى مع بقائها طيلة تلك الشهور ساهرة بجوار  حوض مائه الدي صار سريره الليلي وعدم حصولها  الا على قدر ضئيل جدا من النوم ،وانا لم استطع الانتضام في عملي مع الذهاب شبه اليومي إلى الاطباء،والسهر بجوارهما لعلهما يحتاجان شيئاً.

  مع انتهائنا من زيارة الطبيب التاسع في  خلال ثلاثة اشهر،وهبوطنا من سلالم عيادته ،نطقت منى بما كنت أخشى أن أفكر فيه:

-أعتقد أن الأمر يتعلق بتلك الليلة.

 كنت افهم مقصدها تماماً، لكني ادعيت عدم فهمي، فتساءلت :

-أي ليلةٍ ؟!

قالت بصوت يختنق بالدموع: 

-الليلة التي وقف فيها يامن أمام عظام الذئب اللعينة. 

كنت في داخلي اعرف اننا لو دخلنا في دوامة المتعلقة بمس الجن فلن تنتهي ابداً،فقلت وقلبي لايوافقني:

 -لقد لمست العظام انا الآخر،كان الأولى ان يصيبني المس  لاالفتى ارجوك دعينا نواصل رحلة العلاج دون أن تشتتنا تلك الأفكار أو تقل عزيمتنا

انهارت باكية،وجلست على درجة السلم،وقالت وهي تنظر إلى يامن الدي على كتفي :

-ان حالته تسوء يوماً بعد يوم ،بدأت أشعر انها أيام وافقده.

أمسكت في يديها برفق،وقلت:

-سيزول مرضه قريباً بإذن الله، لقد دلني أحدهم على طبيبٍ ماهر في القاهرة لكنه خارج البلاد الآن ،سنذهب إليه بمجرد عودته  إلى البلاد،غمغمت بكلمات غير مفهومةٍ في يأس،وواصلت نحيبها.

شهر آخر لم يحذث فيه أي جديد،حمى ليلية لاتستجيب إلا للمياه ، تصاحبها بعض التشنجات في بعض الليالي كانت تأتي لثوانٍ وتختفي دون علاج،وخيارات دون جدوى لأطباء جدد،وكلما سألت عن طبيب القاهرة وجدته لم يعد الخارج،ساعدنا أحد أصدقائي في دخوله إلى مستشفى الأطفال الجامعي في مدينة المنصورة  املاً ان يكون المكان الأفضل لعلاج حالته ، ظل الوضع كما هو خلال الخمسة عشر يوماً التي قضيناها هناك،إلى أن كتبت تعهد واخرجته على مسؤوليتي لنتابع حالته في بيتنا بعدما لم أشعر بأي تحسن .


        

          
                

في نهاية الشهر الرابع من المرض قالت منى انها بدأت تلاحظ هديان يامن  في بعض الأوقات اثناء نومه في حوض المياه،مرتعبةً من بدأ تأثير الحرارة على عقله،حينذاك كدت اموت في داخلي، لم أشعر انني عاجز وقليل الحيلة مثل ذلك الوقت، وعندما غادرتني أغلقت باب الغرفة واخدت ابكي بكاءً لم أبكِ مثله في حياتي. 

اشعلنا البخور في غرفة الفتى من جديد،وأحضرنا بعض شيوخ القرية لتلاوة القرآن في غرفته، وفي الأوقات التي لم يأتي بها الشيوخ لم ينقطع هاتف منى بصوت القرآن،ثم اخدت ابحث بقلة حيلة عن روحاني من طاردي الجان مع انهيار جسد ابني يوماً بعد يوم،دلني مديري في العمل على رجل ستيني يقيم في مدينة 《المحلة الكبرى》قالوا انه الافضل في مثل هذه الأمور ،ذهبت إليه في مسقط رأسه،ظننت انني سأجده يرتدي جلباباً وعقوداً من الكهرمان مثلما تعودت على مظهرهم في الافلام السينيمائية، لكنني وجدته رجلاً انيقاً يرتدي قميصاً وبنطالاً ويمسك مسبحةً وحيدة في يده،شرحت له ماحدث فقال إنه سينال عشرة آلاف جنيه قبل أن يتحرك معي،كنت قد اعددت المبلغ مسبقاً إذ عرفت انه يطلب ذلك دائماً من مرتديه، وإصطحبته معي الي قريتنا حيث دلف الى غرفة يامن وسألنا ان يبقى هو بمفرده معه،بعد جدالٍ كبير بينه وبين منى اضطررنا للموافقة في النهاية وانتظرنا في الخارج.

بعد ساعتين ونصف تقريباً كدنا نفقد عقولنا خلالهما انا وزوجتي خرج إلينا ذلك الرجل وقال بنبرة حائرة:

 -إنه ممسوس لاشك 

 دق قلبي سريعاً،فيما قالت له منى:

-فل تخرج ذلك الجن 

زمّ شفتيه وقال:

 -لم أستطع التواصل مع الجن.

ثم صمت لثوان وتابع:

 -لكن من واقع خبرتي اظن انه من جان الحراس.

قلت مستفهماً:

-أي حراس؟

قال:

-نوع قوي من الجن،يوكلون دائماً بحراسة المقابر،مثل حراس المقابر الفرعونية.

 نظرت لي منى وكادت تنطق لولا انها أمسكت بكلماتها،فقلت للرجل:

-أكمل سيدي:

قال:

إن مثل هدا الجان قوي عنيد،يحتاج بعضهم  إلى قرابين ثمينة للغاية تصل لدماء طفل مذبوح احياناً.

-وهزّ رأسه اسفاً ثم قال متراجعاً:

-لكني لست متأكداً في الحقيقة،لم يمكني من التواصل معه.

ثم صمت مرةً أخرى وأردف بعد تفكير. 

-لاأعتقد أنكَ ستحظر إلىّ دماء طفلٍ ذبيح.

قلت على الفور:

-بالطبع

قال:

-هناك حل آخر قد يُجدي،وهو إرجاع الشيئ إلى اصله،لطالما طارد ذلك الجن لصوص المقابر ولم يسلموا منه في حياتهم إلا بإرجاع مسروقاتهم،وإن كنت لاأعرف ماذا نال الطفل منهم.


        

          
                

صرخت فيّ منى حينها:

فلتُعد الذئب إلى القبر حالاً.

قلت لمنى:

-انتظري.

قال الرجل شاكاً في أمري:

-أي ذئب؟

قلت:

لقد أخرجت عظام ذئبٍ قديم من قبرٍ في القرية منذ شهور،قبل مرض الطفل بشهر تقريباً.

 هزّ رأسه وقال:

يبدو أن ذلك الجن عاقبك في إبنك،فلتعد ماأخدته إلى موضعه،ربما يستطيع طفلك النجاة وقتها.

ثم فوجئت به يعطيني النقود التي اخدها مني معللاً ذلك بأنهُ لايأخذ نقوداً مقابل عدم فعل شيئ،وغادرنا وهو يدمدم:

-فلتعد الشيئ إلى أصله.

قالت منى:

-فلتعد الذئب الآن إلى قبر الشيخ موسى.

هززتُ رأسي موافقاً لها في صمت

في تمام العاشرة مساءً ذهبت إلى رقعة الأرض التي ذفنت. فيها الجوال  الذي يحتوي عظام الذئب،واخرجته ثم وضعته دون أن افتحه في حقيبة ظهرٍ كنت قد أخدتها معي ظناً مني أنها تسقلل الريبة التي قد. يسببها الجوال المتسخ ،وإنتظرت هناك حتى الثالثة صباحاً ثم تحركت بالحقيبة إلى مقابر القرية،وهناك لم أهتم على. الإطلاق بإنارة  البيوت من حولها عازماً في داخلي على إعادة تلك العظام اللعينة إلى قبرها حتى لو كلفني ذلك إمساك الأهالي بي،وأخدت أزيل كومة الطين سريعاً،ومن بعدها طوب الباب المرصوص دون مادة لاصقة،ثم أخرجت الجوال من حقيبتي وألقيته إلى داخل القبر دون أن اهبط اليه،ثم رصصت طوب بابه من جديد دون أن اصنع كومةً أخرى من الطين،تركته مغلقاً بطوب فحسب ، وعدت سريعاً إلى المنزل إنتظرنا في حماس وترقب ان يحدث تحسن درامي في حالة يامن المستلقي بعد إعادة الشيئ لأصله  كما قال الروحاني،لكن درجة الحرارة المرتفعة ظلت كما هي،سألتني منى في ريب أن كنت قد أعدت الذئب حقا إلى القبر فأقسمت لها اني فعلت ذلك ،وتستطيع ان تذهب الى القبر بنفسها،لتتأكد صدقي.

أيام أخرى ظل فيها الحال كما هو عليه،لاتحسن في حالة الصبي ،ذهبت إلى طبيب القاهرة الشهير أخيراً بعد عودته من الخارج،فحص كل التحاليل والفحوصات التي لذينا وهز رأسه أسفاً بأنه لن يضيف شيئاً،مؤكداً ان هناك الكثير من الحالات الغريبة التي يقف أمامها الطب عاجزاً، وأعاد لنا قيمة الكشف أسفاً،خرجنا من عيادته المزدحمة في منتصف الليل تقريباً واستقللنا سيارة خاصة عائدين إلى قريتنا التي تقع على مسافة ساعتين تقريباً من القاهرة،كان القمر بذراً ليلتها،علقت به بصري شارداً وداعياً لله ان يتم شفاء إبني الذي كان ينام معدداً على الكنبة الخلفية في السيارة واضعاً رأسه المغطى بقماشة مبللة على فخد امه،فيما كنت اجلس على المقعد الأمامي بجوار السائق،فكرت في الذئب الذي أعدته إلى القبر وأعدت لوم نفسي أنني رجعت ليلتها الى البيت بدلاً من التخلص منه بعيداً،كنت السبب فيما حدث لإبني وأن اصابه مكروه لن أسامح نفسي ابد الذهر، نظرت في مرآة السيارة الداخلية،كانت منى قد إستغرقت في النوم جالسةً هي الآخرى،مسكينة لاأتذكر أنها نامت ساعتين مكتملتين خلال الشهور الأربعة الماضية،ولجت الى هاتفي واخدت اقلب في تطبيق الفايسبوك وفي تطبيق محادثاته شارداً،كان لدي كثيرٌ من رسائل زملائي بالعمل يطمئنون على حالة يامن الصحية،لم أستطع الرد وأخذت أقلب الرسائل تباعاً بمزيد من الشرود ،استوقفني أحد "مروة طارق"، فتحت رسائلنا القديمة التي أرادت فيها مقابلتي،وفكرت في كتابة إعتذار لها واخبارها بأنني أعدت الذئب الى مكانه ان كانت تريد أن تكمل بحثها،غير اني سمعت يامن يهدي أثناء نومه ،كانت كلماته غير مفهومة في البداية ،ثم بدأت تتضح شيئاً فشيئاً لتتسع حدقتا عيني  وانظر إلى الفراغ امامي غير مصدق اذناي عندما سمعته ينطق بوضوح: 

- هونا، اذهبي، هونا، اذهبي. 

التفيت إليه بأنفاس متسارعة، كان لا يزال مغمضاً عينيه وهو يواصل هذيانه بالكلمات نفسها التي أخبرني الحاج رأفت الخولي ان قريبه الشيخ موسى الديب كان يرددها وقتما عاد بذئبه إلى أخته الكبرى فاقداً عقله....يتبع 

*********************************************************

الفصل السادس

مصدوما نطقت إلى منى كي تستيقظ ، فتحت عينيها نصف فتحة ، و سألتني في فزع:  

- ماذا هناك؟! 

قلت مرتعبا: 

- لقد كان الفتى يغمغم بكلمتيّ: حونا، جانا، منذ متى ينطق بهاتين الكلمتين؟! 

نظرت لي في تشتت و كأنها تحاول إستيعاب ما أقوله، و قالت مستفهمة: 

- ماذا تقصد؟ 

قلت مؤكدا: 

- لقد غمغم الفتى بكلمتي حونا جانا بوضوح منذ قليل. 

اعتدلت في جلستها و قالت: 

- لم أسمعه يقولهما من قبل، كانت هلاوس نومه غير مفهومة دائما، لماذا تخشى هاتين الكلمتين تحديدا، ماذا بهما؟ 

تذكرت أنني لم أخبرها عن حديث السيد « رأفت الخولي» بشأنهما، فقلت لها عندما رأيت يامن يفتح عينيه و يحدق إليّ: 

- لا شيء، سأخبرك لاحقا. 

أدركتْ أنني لا أريد التحدث أمام الفتى، فهزت رأسها إيجابا، ثم بدلت القماشة المبتلة على رأسه، و أسندت رأسها إلى مسند الكنبة، و غاصت في نومها من جديد و تبعها يامن، بينما أسندتُ رأسي إلى مسند مقعدي ناظراً إلى البدر في السماء تتساقط دموعي إلى وجنتيّ رغم محاولات تماسكي، و لا يفكر عقلي سوى في تأكيد ارتباط ما يحدث لابني بما حدث للشيخ موسى و ذلك المصير الذي أراه يتحدر نحوه لحظة بعد أخرى دون  استطاعتي ايجاد أي حل. 

وصلنا البيت في تمام الثانية و الربع صباحا، كانت منى و يامن قد استيقظا قبلها بدقائق، ودّعنا السائق ثم دلفنا إلى بيتنا حيث صعد يامن إلى حوض مياه غرفته دون أن ننطق، سألتني منى بمجرد ان فارقنا:

- ماذا حدث في السيارة؟

قلت:

- لقد نطق يامن بكلمتين كان الشيخ موسى يرددهما وقتما عاد بذئبه إلى أهله فاقدا عقله.

احتقن وجهها رعبا، و صرخت:

- قلت لك إن ذلك الذئب هو السبب.

هززت رأسي آسفا و متفقا معها، فتابعت:

- هل هذا يعني أن إبني في طريقه إلى الجنون؟

زممتُ شفتي و لذت بصمتي قبل أن أقول في قلة حيلة:

- سأحضر روحاني المحلة الذي جئنا به من قبل مرة أخرى، لعله يجد هذه المرة طريقة للتواصل مع الجن الذي يمسه.

لاذتْ بصمتها هي الأخرى، ثم فارقتني دون أن تنطق بكلمة.

كانت ليلة من أقسى الليالي التي مرّت علينا منذ مرض ابننا، ظلّ كلانا مستيقظا في صمت طوال الليل بجوار الفتى الراقد مغمضا عينيه في حوض مياهه، انتظرنا أن يتحدث أثناء نومه من جديد لعلّنا نُكذّب ما سمعته، لكنه واصل نومه في هدوء.


                            

          
                

عند الساعة الرابعة و النصف سألتُ منى أن تذهب إلى سريرها في الغرفة الأخرى لتريح جسدها رغم إدراكي أنها لن يغمض لها جفن، بعد جدال كبير وافقت و تركتني بجوار يامن انتظر حلول الصباح بفارغ الصبر كي أهاتف الروحاني و أترجاه ليأتي إلينا في أسرع وقت، ثم أخذ عقلي يضج بقوة مفكرا في كل ما حدث منذ رسالة الباحثة لي، حتى أصاب الألم رأسي، فخرجت إلى الشرفة لأملأ صدري بهواء الفجر لعلّه يخفف ذلك الألم بعض الشيء.

كان البدر ينير الأرجاء، وقفت لدقائق ثم عدت إلى الفتى مرة أخرى، كان لا يزال غارقا في نومه، هممت لأغلق باب الشرفة، فسمعته يغمغم بكلمات غير مفهمومة، تركت الباب و اقتربت منه و جلست بجواره، توقف فجأة عن الغمغمة، مددت يدي لأجس درجة حرارته، فأصابتني لسعة قوية مفاجئة كأن مسا كهربائيا أصابني، و للحظة شعرت أن عيني رأت مشهدا من حلم ما. أبعدت يدي سريعا عن رأس الفتى، و أخدت أنظر إليه في اضطراب و خوف شديدين بينما يعلو صدري و يهبط بأنفاس لاهثة متتابعة.

بعد دقيقة واحدة مددت يدي مرة أخرى في حذر شديد و لامست رأسه، أصابتني الوخزة القوية من جديد، فثبّت يدي على رأسه بإحكام رغم شعور الكهرباء الذي كان يسري بقوة في جسدي، و أغمضت جفوني رغما عني بعدما شعرت ان عينيّ قد تخرجان من محجريهما، لأسمع في أذني فجأة تمتمات شخص يردد آية الكرسي في تلعثم بينما يسير لاهثا في مكان شبه مظلم. حاولت ان أميز صاحب ذلك الصوت، لكني لم أستطع، ثم أدركت أنني أرى بعين ذلك الشخص الذي كان يهرول ممسكا في يده مصدرا خافتا للضوء و يتمتم بأيات لا أحفظها من القرآن الكريم، إلى أن فتحت عينيّ غير مصدق حين وجدت الصوت اللاهث يحدّث نفسه قائلا:

- اهدأ يا موسى، سنلقي نظرة سريعة، و نعود إلى بيتنا

فتحت عينيّ في رعب شديد، كان يامن لا يزال نائما، تلفتُّ حولي في صدمة و ذهول؛ ما الذي يحدث؟! و مكثت أحدق إلى الفتى بأنفاس لاهثة، ثم وجدتُني ألامس رأسه من جديد، و لما شعرت باللسعة القوية ذاتها، مسحت براحة يدي على جبينه، و أغمضت  جفنيّ. رأيت بعيني جنودا سمرا يلبسون ثيابا عسكرية قديمة و يركبون جمالا يتقدمون نحوي بسياطهم الطويلة، بينما يجري من حولي أناس كثيرون بجلابيبهم في حالة من الهرج و المرج و يقول أحدهم لي:

- اركض يا موسى، سيضربون من يلحقون به، اركض يا فتى إن سياطهم مؤلمة للغاية.

- «ماذا تفعل؟».

فجأة ظهر ذلك الصوت الأنثوي و الذي لم يكن غريبا عن أذني قط.

-«ماذا تفعل يا خالد؟» .

ردد الصوت السؤال نفسه بصوت أعلى مشوِّشا على مشهد الجنود الذي أراه،  قبل أن ينقطع تماما، انتبهت حينها إلى منى التي كانت تقعد بجواري متعجبة و تكرر سؤالها في استغراب شديد و هي تحاول نزع يدي عن رأس يامن، كدت أخبرها بما رأيته، لكني أمسكت بكلماتي في اللحظة الأخيرة و قلت:


        

          
                

- لا شيء، كنت أطمئن على حرارته.

قالت:

- كاد رأسه يتحطم في يدك ، إنك مرهق للغاية، فلتنم ساعتين قبل ذهابك إلى عملك، لقد اكتفيتُ من النوم.

حاولت اقناعها بأن تتركني أكمل الجلوس بجوار الفتى لكنها أصرت، ثم وضعت يدها هي على جبهته، ترقبتُ ما إن كانت ستشعر بما شعرت به؛ إلا أنها لم تعلّق بشيء، و نظرتْ إلى باب الشرفة المفتوح، و قالت:

- لقد طلع النهار . سأنقله إلى سريره.

ثم ذهبت إلى الغرفة الأخرى لتحضر منشفة تجفف بها جسده كما تعودت أن تفعل كل صباح

اطمأننتُ إلى مغادرتها الغرفة. فاقتربت سريعا من الفتى و لامست جبهته متفحصا ما إن كان الأمر سيتكرر معي، لكن عبثا لم يحدث، فأبعدت يدي سريعا قبل عودة منى، ثم ساعدتها في نقل يامن إلى سريره، و انتقلت إلى غرفتي يشتعل عقلي بما رأيته؛ أولئك الذين رأيتهم او بمعنى أدق رأيتهم بعينيّ موسى، و الطريق المظلم الذي كان يقطعة بمصباحه، و ما إن كان ذلك الشيخ او جنّه يريدان إبلاغي بأمر ما، هل كان ..

الفتى يحلم و انتقل ذلك الحلم لي بطريقة ما؟! ام انا من كنت احلم؟ و لماذا حدث ذلك الامر في الليلة ذاتها التي نطق فيها يامن بكلمتي الشيخ موسى؟ حاولت تذكر المزيد مما رأيته عند ملامستي جبهة الفتى لعل شيئا فاتني، لكن ظل مشهد الطريق المظلم و الجنود هما السائدين فحسب، فكرت في قريب الشيخ موسى من جديد، وعزمت على الذهاب إليه لمعرفة المزيد عن قريبه لربما أعثر على شيء ما يرشدني وسط الضياع الذي يصيبني و يصيب أسرتي.

في تمام التاسعة صباحا توجهت مباشرة إلى بيت السيد «رأفت الخولي»، ضحك حين رآني، و قال:

- لعلك جئت من جديد كي تسألني عن الشيخ موسى.

قلت:

- نعم سيدي، أريد معرفة كل شيء عنه.

قال بإبتسامة طيبة دون أن يسألني عن سر استفساراتي المتكررة:

- لقد أخبرتك كل شيء سابقا، ماذا تريد أن تعرف أيضا؟

سكتُ، ثم قلت:

- كيف جُنّ الشيخ موسى؟

قال:

- كما أخبرتك، عاد فجأة حاملا ذئبه و فاقدا عقله.

قلت:

- و الكلمتان اللتان كان يرددهما؛ حونا جانا ، ألا تدري حقا ماذا كان يقصد بهما؟

قال:

- و الله يا ولدي لو كنت أعرف لأخبرتك. 

بعدئذ لم أكن اعرف عما أسأل عنه بالضبط، فقلت:

- هل لديك أي شيء من متعلقاته؟

فكر الرجل ثم قال بعد ثوان:

- شهادة وفاته، كانت بين الاوراق التي تركتها أمي.

قلت: 

هل لي أن أراها؟

قال:

- انتظر فحسب.

ثم دلف ببطء إلى إحدى غرف بيته، و غاب فيها لأكثر من عشرين دقيقة، ثم عاد و في يده ورقة قديمة مصفرّة، و قال:

- هذه هي مات سنة 1962 م.

نظرت إلى الشهادة، كان تاريخ الوفاة المدوّن "7 سبتمبر 1962م"، و دوّن تاريخ مولده "9 مارس 1903م"، و سبب الوفاة المدوّن هو هبوط مفاجئ في دورة دمه، تذكرت ما رأيته عند ملامسة جبين يامن، كان الصوت الصادر الذي سمعته يوحي بعقلانية صاحبه و هدوءه، فإن كان ما رأيته قد حدث في الواقع من قبل، فهذا يعني أنني رأيت شيئا شهده الرجل قبل فقدانه عقله، فسألت السيد رأفت:

- في أي عام فقد الشيخ موسى عقله؟

فكر الرجل ثم قال:

- في العام الذي تزوجت فيه خالة أمي، و ولدت فيه أمي أيضا، قالت جدتي انهم لم يفرحوا بتلك الزيجة و لا بولادة أمي بعد ما حدث لشقيقهما الوحيد.

سألته:

- في أي عام تحديدا؟!

قال:1921م. 

همست إلى نفسي: 

- 1921م. 

بعدها لم أجد في بالي أسئلة أخرى، فشكرته كثيرا و اعتذرت له عن ازعاجي له، فلامني على اعتذاري مؤكدا على استقباله لي في أي وقت، ثم غادرت و انا اردد: 

-1921م. 

في المساء كان القمر بدرا أيضا, حاولت اقناع منى عندما صارت الساعة الواحدة صباحا بالنوم في غرفتنا، و تركي مع الفتى في غرفته. دون ان اخبرها عن رغبتي في استبيان ما قد يحدث تلك الليلة أيضا، لكنها رفضت شاكة في أمري، اضطررت في النهاية إلى وضع بعض الاقراص المنوّمة التي أحضرتها من صيدلية القرية و انا عائد من زيارة السيد «رأفت الخولي» في كوب حليبها، و عندما غابت في سباتها حملتها برفق إلى سريرها، و دلفت إلى غرفة الفتى و فتحت باب الشرفة على مصراعيه، ثم حركت حوض المياه بالقرب منه ليكون مواجها للبدر، و مددت يدي و لامست جبين الفتى و انا احدق إلى البدر و أغمضت عينيّ....... يتبع 

*********************************************************

الفصل السابع

كنت أجلس في حديقة القصر الخالية بين وصيفاتي، استمع إلى غناء إحدي الفرق الموسيقية عندما افترّ ثغري عن ابتسامة خفيفة و انا اتذكر يوم ركوبي السفينة الملكية التي تركها تميم راسية على شاطئ بحر مينجا الشمالي لعام و نصف كاملين في انتظاري، بعدما حسم قلبي و عقلي معا بالعودة إلى أماريتا، و الزواج من تميم الذي فعل كل شيء من أجلي، و رغم مرور عشر سنوات تقريبا على تلك الأيام، فإنني مازلت أتذكر كل تفصيلة حدثت فيها، إذ أبحرت بنا السفينة نحو الجنوب، و بمجرد أن عبرت هضاب الريكاتا، اطلق بحّاروها السهام المضيئة نحو السماء، لترافقنا فيما بعد اثنتا عشرة سفينة أخرى ظلّت جميعها تطلق سهامها نحو السماء في تتابع ترحيبا بي، حتى وصلنا إلى شاطئ أماريتا، فوجدته مكتظاً على إمتداده يمينا و يسارا بجنود الجيش الأماريتي المصطفين بدروعهم اللامعة، يتقدمهم كبار القادة و رجال المجلس الاماريتي، و من امامهم تميم الذي ابتسم حين تقدمت نحوه و احتضنته دون قول كلمة واحدة. 

كنت قد سمعت بمصطلح «زفاف اسطوري»، لكنني لم اتخيل يوما ان ينطبق ذلك المصطلح حرفيا على حفل زفافي و احتفالاته التي سبقته بأربعين ليلة كاملة، اذ تفرقت سفن الاسطول الاماريتي على امتداد بحر مينجا مواصلة اطلاق سهامها المضيئة و ألعابها النارية نحو السماء كل ليلة، و زُيّنت البيوت بالرايات الملونة، و فرّشت الطرقات و الازقّة بالورود الطبيعية, و امتلأت  الساحات بموائد الطعام المتخمة بأشهى الولائم التي أعدّها أمهر الطبّاخين في بلادنا، و جاءت الفرق الموسيقية بعازفيها و راقصيها إلى إماريتا من كل جدب و صوب لتتناثر في مدنها، حتى قيل إنه لم يكن هناك موطئ قدم واحد في البلاد لا يُسمع فيه الموسيقى خلال تلك الأيام، و قبل أسبوع كامل من يوم الزفاف مُنح كل العاملين في البلاد عشرين قطعة نحاسية منحة زفاف الملك، و أُعفوا من عملهم سبعة أيام كاملة مدفوعة الأجر . 

 اما القصر الملكي فطليت جدران ساحته الكبرى بماء الذهب، و شيّدت في اوسطه -بجوار تمثال تميم- فوّارة كبرى كان ماؤها يرتفع متراقصا لعشرات الامتار، ثم جاء اليوم الموعود فاجتمعت الحشود بساحة القصر مهلّلين و متراقصين مع موسيقى الفرقة الملكية الموسيقية التي تناثر أفرادها في شرفات القصر و حول الفوّارة، و بين حين و أخر كانت مجانيق الشاطئ تطلق نحو الحاضرين كرات قماشية تفتح في الهواء قبل سقوطها إلى الارض، فتتساقط منها هدايا كثيرة مختلفة من الورد و الاقمشة و القطع النحاسية و الذهبية و الاحجار الكريمة، بينما علّقت في داخل القصر مئات الحبات من البلور المُصاغ في شكل طيور و نجوم، و في وسط قاعته العلوية وضع هيكل عظمي لذئب ضخم في صندوق زجاجي كبير، رُصّعت جمجمته و عظامه جميعها باللؤلؤ، و ثبّت في محجري عينيه حجران من الياقوت الاحمر، عرفتُ فيما بعد انه جاء بين الهدايا قبل أيام من الزفاف . 


                

كنت انتظر في غرفتي عندما كانت الوصيفات يتحدثّن عن المشهد الاسطوري في الساحة و في قاعة القصر السفلية، و تطرّق حديث بعضهن الى امتلاء خذائن القصر بهدايا الضيوف و تراكم الهدايا الزائدة في طرقات القصر حتى اغلقتها من كثرتها، قبل ان يفتحن افواههن انبهارا عندما احضرت«جيلان» وصيفتي المقربة فستان زفافي الفضي المرصّع بثلاث آلاف قطعة من الالماس، و الذي صممه «تيمور الداني» افضل مصممي الثياب في البلاد بعدما اوصاه تميم بصنعه في اليوم الذي عدت فيه الى اماريتا، مثلما أوصى مصمما آخر من اقليم اكتارا بأن يصنع لي تاج زفافي من الذهب الاكتاري الابيض، شعرت بجسدي يرتجف اضطرابا بعض الشيء و انا ارتدي الفستان، لكن اضطرابي بلغ ذروته  حين دلف اليّ تميم بزيّه العسكري، و قبّل رأسي، قبل ان يلبسني التاج بنفسه، و يمسك بيدي و يتجه بي الى شرفة القصر المطلّة على ساحته المكتظة بالحشود لتحيّتهم، فهتفوا باسمه و اسمي بهتافات لا اكذب ان قلت انني شعرت بان الارض ترتجّ أسفل قدمي من قوّتها لأدرك في تلك اللحظات و أنا أنظر إليهم بينما يمسك تميم بيدي في رفق أنني صرت ملكة أماريتا.

مع شروق شمس كل يوم جديد كانت نظرة الحب التي إراها في عينيّ تميم تخبرني أنني لو عشت ألف عام فوق عمري فلن أجد شخصا يحبني مثلما يحبني ذلك الملك العاشق، و رغم أنني كنت أؤمن بأن قلب المرأة لن يحب أبدا رجلين بنفس القدر، و بعد كل ما كان في داخلي تُجاه خالد، صرت الآن أؤمن بكل جوارحي أنني لا أحب و لن أحب شخصا في حياتي بقدر هذا الحب الذي أكنّه لزوجي العزيز. 

كان مكاننا المفضّل في وقت فراغنا بالقصر هي مكتبته الكبرى، ندلف إليها معا كي نناقش كتابا ما، و كعادته كان يحب كثيرا الإستماع إلى وجهة نظري و يناقشني بعقلانية كبرى فيها، ، و إن إقتنع بها ووجد ما يخالفها في كتاب ما، ألقى بذلك الكتاب في نيران المدفئة مثلما كان يفعل حين دلفت إلى القصر للمرة الأولى، و عندما شعر بأنني لا أعرف كثيرا عن تاريخ البلدان، عيّن لي معلمين أحدهما إسمه «جُنيد» من أماريتا، و آخر أكبر سنا من إقليم منبق إسمه «خلدون»، كانت مهمة السيد «جُنيد»الرئيسية هي تدريسي تاريخ أماريتا و البلدان الأخرى جنوب بحر مينجا، فيما اختص السيد «خلدون» بتدريسي تاريخ بلاد شمال مينجا و من بينها زيكولا في تروس أسبوعية. 

خلال الثلاث سنوات الأولى بعد الزواج واصل تميم حملاته الخارجية أين بلدان شمال مينجا للقضاء على ما تبقى من اتفاقيات البشر مقابل الديون. كان يقود بعضها أحيانا، و في أحايين أخرى كان يوكّل قائد جيوشه السيد «جرير» لقيادة تلك الحملات، بينما إهتممت في تلك الأوقات بشؤون القصر الداخلية دون أن أتدخّل من قريب او من بعيد في شؤون الحكم لإقتناعي التام بإنها أمور تحتاج إلى من هو أكثر مني خبرة و تخصّصا، ...لذا في السنوات السبع الأخيرة أعاد تميم جيشه بالكامل إلى البلاد بعدما تأكد من انتهاء العمل بتلك الإتفاقيات، لتمضي حياتنا و حياة شعبنا خلال تلك السنوات في رخاء و ازدهار و حب شعبي لي وصل إلى درجة العشق، حتى جاءت تلك الليلة و ما حدث فيها من أمر غريب، حيث كنت أجلس في قاعة القصر الرئيسية مع بعض السيدات و السادة من الضيوف الرسميين نستمع إلى عزف إحدى الفرق الموسيقية التي حضرت إلينا من بيجانا، و لم يكن تميم معنا في ذلك الحين، إذ كان في طريق عودته من زيارة مناجم الريميوز،و بمجرد أن انتهى الحفل و غادر الضيوف و صعدت السلالم الداخلية للقصر مع وصيفاتي حتى فوجئت بهيكل الذئب العظمي المرصع باللؤلؤ و الموضوع في صندوقه الزجاجي وسط القاعة العلوية منذ يوم زفافي يقفز فجأة من صندوقه محطما زجاجه، و يهاجمني على حين غرة، و كاد يفترسني لولا حارسي الشخصي الذي ضرب جمجمته بسيفه في اللحظة الأخيرة لتسقط متدحرجة بعيدا عن باقي عظامه، تتناثر منها حبات اللؤلؤ متقافزة في أرجاء القاعة لنفاجأ بباقي هيكله العظمي يزحف مقتربا من الجمجمة و يعيدها إلى موضعها في مقدمته، و سرعان ما نفض بقية اللؤلؤ عن عظامه، ثم ركض نحو النافذة المفتوحة على مصراعيها، و قفز منها إلى خارج القصر مخلّفا حبات اللؤلؤ في طريقه. ركضت إلى النافذة وراءه، و نظرت عبرها في ذهول و أنا أبصر ذلك الهيكل العظمي و هو يفر بعيدا بينما يركض الناس أمامه في رعب شديد و صدمة لا تتقبلها عقولهم، لأفاجأ بعدها بخمس هياكل عظمية لذئاب أخرى تظهر في الأفق، و تركض هي الأخرى في نفس الاتجاه الذي فر إليه ذئبنا، تجاه بوابة المدينة الشمالية. 

في رعب شديد وقفت مكاني مجمدة الجسد أحدق نحو الذئاب و هي تواصل ركضها كأنها من لحم و دم. قبل أن أسأل الوصيفات المدهوشات هن الأخريات بجواري ان كان ما أراه حقيقيا أم هلاوس لا يراها غيري، لتجيبني  «جيلان» في صدمة:  

- إنه حقيقي تماما. 

عندما اختفت الذئاب من محيط رؤيتنا ، و عاد الحراس ليؤكدوا خلو القصر من أي هياكل أخرى، و خروج الستة الهياكل من البوابة الشمالية نحو بحر مينجا ليبحروا إلى داخله دون أن يستطيع الحراس الامساك  بها من المفاجأة التي أصابتهم، عدت إلى غرفتي بقلب يدق فزعا و أنفاس تلهث رعبا مما حدث. 

عاد تميم عند منتصف الليل و علم بما جرى، لم يصدق ما سمعه من حراسه لولا انني أكدت له صحة قولهم. حينذاك أمر حراسه سريعا بالإنتشار في المدينة و البحث عن أي هياكل أخرى في البيوت و احراقها من دون الانتظار لمعرفة سر صحوة تلك العظام من الموت و حركتها، و بعد ساعة واحدة اجتمع بمستشاريه من رجال المجلس الاماريتي. دعاني في تلك الليلة لحضور ذلك الاجتماع رغم حالة الاضطراب التي لم تغادرني، كان جميعهم لا يجدون تفسيرا لعودة تلك الهياكل إلى الحياة. ثم أتي بالرجال الذين كانوا يملكون الهياكل الخمسة التي ركضت هي الاخرى، فقال جميعهم الحديث نفسه؛ كانت الذئاب في بيوتهم منذ سنوات طويلة كنوع من التزيين المنزلي، و فجأة دبت فيها الحياة و ركضت خارجا. 

انتهى ذلك الاجتماع دون ان يصل تميم إلى شيء مفهوم او تفسير واضح لما حدث، حتى فوجئنا بإحدى الوصيفات التي كانت تقف بالشرفة جانبا تصرخ فجأة و هي تنظر عبر النافذة، و عندما اقتربت منها انا و تميم توقفنا مكاننا في تعجب و دهشة لم نشعر بهما في حياتنا من قبل، اذ وجدنا بدرا إضافيا في السماء يسطع بشدة على مقربة من القمر الاعتيادي الذي كان بدرا ايضا في تلك الليلة. نظر تميم نحوي بملامح قلق لم أشهدها على وجهه سابقا، أما انا فشعرت بأنني سأسقط إلى الارض من الرعب الذي اجتاحني. 

تساءل تميم الى مستشاريه الذين لم يكونوا قد غادروا بعد ان كان احدهم يعرف شيئا عن ظهرو قمرين في السماء في الآن نفسه، وقفوا جميعا و كأن على رؤوسهم الطير، حينذاك دلف الينا السيد  «خلدون» مهرولا يتساقط منه العرق بغزارة. و انحنى للملك تميم. ادركت في داخلي ان هرولته الينا في ذلك التوقيت ترتبط بظهور ذلك البدر الاضافي، و كنت محقة. حين قال في تلعثم بمجرد وقوفه أمامنا: 

- هل نظرت الى السماء من النافذة سيدي؟ 

قال تميم محاولا اخفاء قلقه: 

- نعم ، بدر اضافي في السماء لا نعرف عنه شيئا. 

قال الرجل في رعب حقيقي : 

إنه شاهد وادي الذئاب ،قد عاد للظهور من جديد.....يتبع. 

*********************************************************

الفصل الثامن

خالد : 
دمية قماشية محشوة بلقطن في صورة ارنب يمسكها مراهق قصير الشعر يرتدي جلباباً فلاحياً مهترئاً ويقول ضاحكاً : 

-أنضر ياموسى,لقد وجدنا هذه في سيارة صديقك . 

أتطلع بعيني إلى السيارة السوداء ذات الحالة الجيدة رغم طرازها القديم ,وأمد رأسي إلى داخل نافذتها لأتفحص مقاعدها الامامية والخلفية قبل أن ارى عبر زجاجها جملا يركض وحيداً ,صار جملين ,ثلاثة ,اربعة والرجال والصبية يلاحقونها محاولين الإمساك بها. 

-ضلام مفاجئ. 

الطريق المظلم مرة أخرى وفي يدي مصباح خافت الإضاءة ,لا ,إنها شعلة صغيرة ,لا,لا,إنها لمبة جاز يهتز لهب فتيلها داخل قمعها الزجاجي بفعل الريح المشتدة.مازلت أتمتم بآية الكرسي وآيات أخرى من القرءان ,إضاءة الطريق تزداد أمامي فجأة ,أنضر إلى السماء ,هناك بدر ساطع ,أتقدم أكثر في طريقي ,عاد الضلام مرة أخرى,تباً لتلك الغيوم التي أخفت البدر ورائها ,دقات قلبي تتسارع مع ضهور بناء مظلم في الأفق ,ليس بيتا بل غرفة لا يزيد عرض جدارها عن خمسة أمتار. 

-إهدأ يا موسى ،سنلقي نضرة واحدة ونعود . 

ترددت تلك الكلمات في أذني. 

تتسارع انفاسي اكثر واشعر بتشنج في ساقي وأنا أُواصل التقدم نحو ذلك البناء ،أهبط على ركبتي َّ لأتفحص شئ ما ،ظلام أكثر . 

-هيا يا موسى ،عد إلى بيتك . 

-لا لا ،إنتضر إن الضلام ينقشع ،عاد البدر لضيائه . 

أنضر أمامي عبر نافذة صغيرة ،هناك آلة قديمة لم يسبق لي رؤيتها ،صوت أنفاس موسى الخائفة تتزايد في أذني ،ويتمتم إلى نفسه مرتعبا : 

-سأعود إلى أهل القرية لأخبرهم عند صلاة الفجر عمَّا يحدث في الطاحونة . 

صدى صوت كلمته يرن في مسامعي ،بقوة الطاحونة ! 

ولا إراديَّا فتحت عيني وأنا أهمس لنفسي : 

-طاحونة ؟! حونا ،نعم هذا ما كان يقصده تمامًا!  

تسارعت أنفاسي وازدردت ريقي ،إضطرابا .وسرت رعشة عضيمة في جسدي ،وأنا أُحدث نفسي : 

-إنه يقودني لشئ ما . 

تلفتُ حولي في تشوش ونضرتُ حائِرا إلى البدر عبر باب الشرفة ،ثم وضعت يدي على رأس يامن لأكمل تلك الرؤى ،إلاَّ أنني وجدت رأس الفتى يغلي من الحمى عما كان فيه على عكس عما عهدناه مذ بدأنا وضعه في حوض المياه،؟ 

أعلم إن كان ما أبصرته من خلاله هو ما تسبب في إرتفاع حرارته إلى ذلك الحد الغير مسبوق ،أم أنها مجرد صدفة ،بحثت عن ميزان الحرارة في أرجاء الغرفة فلم اجده ،فنهضت راكضاً إلى المُجمد الكهربائي في غرفة أخرى وأحضرت أكياسَّا من الثلج كُنَّا نعدها تحسبًا لحدوث مثل هذا الظرف ،وألقيتُ بها في حوض المياه ،وعدت لأتي بأخرى ،وعلى الرغم من ذلك ظلَّت الحرارة مرتفعة ، فكرتُ في إيقاظ منى علَّها  تعرف شئ يفيد ،لكنِّي تراجعت في آخر لحظة خشيت إن إستيقضت وأيقضتْ الفتى ولم يعاودا نومهما حتى وقت بزوغ النهار ورحيل البدر فذلك يعني أنني ربما لن أرى بقية ما حدث لموسى حتى يأتي بدر الشهر القادم ،وفي إرتباك شديد وقفت مكاني لا أعرف ماذا أفعل ،بعد دقائق ركضت إلى غرفة النوم الأخرى ،كانت منى منكبة على وجهها غائبة في سباتها ،بحثت سريعا عن أدوية خفض الحرارة ،وجدت زجاجة شراب شبه ممتلئة ،أخذتها وعدت بها سريعًا إلى غرفة الولد حيث فكرت في فتح فمه وسكب الدواء في حلقه إلا أنني خشيت أن يتسرب الدواء إلى قصبته الهوائية ويختنق ثم فكرت أن أوقضه ليتناوله ثم يكمل نومه ،لكنَّي لم أفعلها أيضاً هي مجازفة إذا إستيقظ ولم يعد لنوم،فتركت زجاجة الدواء جانبا ووضعت يدي على معصمه أتحسس حرارته ،كانت لا تزال مرتفعة للغاية ،ونبضات قلبه تتسارع بقوة ،نظرت إلى البدر من جديد ثم هممت دون تفكير لإغلاق مصراعي باب الشرفة ،وأسندت ضهري إليه مُحكِما إغلاقه وأنا أنضر ليامن . 

                

بعد دقائق إقتربت منه ،كانت درجة الحرارة لا تزال مرتفعة على حالها ،بعد دقائق إضافيه شعرت بأنها بدأت تنخفض بعض الشيء أحضرت مزيدا من أكياس الثلج وسكبتها في المياه وأنتظرت ثم نضرت إلى ساعة يدي كانت الساعة الثانية والنصف صباحًا ،هدأت نفسي قائلا : 

-لا تزال هناك ثلاث ساعات حتى بزوغ الفجر ،سيصبح كل شيء على ما يرام ياخالد ،إهدأ فحسب . 

واصلت الحرارة إنخفاضها تدريجياً ،وفي خلال نصف ساعة تقريبا كانت الحمى قد تلاشت تماما،وعاد جسد يامن إلى حرارته الطبيعية ،حائرا جلست على الأرض  

ألتقط أنفاسي ،ثم أسندت ضهري إلى حوض المياه مواجها لباب الشرفة المُغلق وعقلي يتسائل؛هل أجازف بفتحه من جديد وأواصل تلقي الرؤى مرة أخرى ؟ام ستعاود الحرارة إرتفاعها الغير مسبوق وحينها قد لا يستطيع الفتى النجاة؟هل أكتفي بما رأيته وانتضر حلول بدر الشهر القادم ؟ام أخاطر لعلي أستطيع إنقاذ إبني من غير إنتظار كل هذه المدة ؟!!هل أوقظ منى وأخبرها لعلها تعطيني نصيحة وتتحمل معي مسؤولية ما قد يحدث ؟! 

أما أنها لن تصدق ما سأخبرها به ولن توافق وتضيع ما تبقى من وقت  في جدال لا جدوى منه؟ثم تلفتُّ ونظرت إلى يامن مواصلاً تفكيري إستقر داخلي إلى قراري ،فهمست إليه: 

-من أجلك يافتى . 

ثم نهضت وفتحت مصراعي باب الشرفة مرة أخرى ،ونظرت إلى البدر ،ثم عدت إلى يامن ووضعت راحتي على جبهة رأسه وأغمضت عيني من جديد 

                              *********** 

صوت صرير مزعج للغاية كأن تروس ضخمة صَدِئة تحتك ببعضها بعضًا لتدور لِلمرة الأولى منذ سنوات ،يقاطع ضجيجها صوت دقات قلبي المضطربة بقوة ،لا،إنها دقات قلب موسى ،أنظر بعينيه إلى داخل ذلك البناء ،ذراع الطاحونة الخشبية الطويلة تدور أفقيًا كعقرب ساعة،وأشلاء بشرية تُلفظ تباعا من قادوس الطاحونة لتسقط إلى الأرض بجوارها،الجنود؟!"،أنفاس موسى تكاد تنقطع من سرعتها،وجسده خائر لا يقوى على التحرك من الصدمة .اندفاع الأشلاء من القادوس يتواصل ،والذراع تواصل دورانها وحيوان ما يزحف في أحد أركان البناء،لماذا لا تهرب يا موسى ؟! 

لا يزال ذلك الحيوان يتحرك في خلسة،أهرب ياموسى ،موسى لا يراه ،عيناه ناهلتان تركزان فحسب على أشلاء الجنود ،تحرَّك يارجل !يدور ذلك الحيوان متواريًا في ظل الذراع ،لقد توقف عن حركته فجأة وينظر إليَّ بعينين حادتين ،لا، إنه ينظر إليك يا موسى ،إلتفتْ إليه يارجل !دعك من تلك الأشلاء الان ،هيا تحرر من صدمتك وانظر إلى ذلك الجانب قبل فوات الأوان،أين إختفى؟!  لقد كنت أراه للتو ،صرير باب  

يُفتح لكنِّي لا أعرف مصدره ،تتبعه زمجرة قوية بينما لا ترا عيناي الآن إلا الأشلاء والرؤوس المقطوعة ،صارت زمجرته قريبة للغاية ،ألا تسمع تلك الزمجرة يارجل ؟!،أخيراً انت الان تسمعها ،أهرب إنه بجوارك ،أنياب بارزة ،وفاه مفتوح للآخر يستعد لإفتراسي ،ضربة فأس قوية ،تلاها عواء مكتوم من ذئب. 

        
                         

راقد أرضا تسيل الدماء من رأسه فيما يتعالى صدره ويهبط إلى أن سكن تمامًا ،ومعه صوت الصرير داخل الطاحونة،أنظر بعينه من داخل الفتحة مجدداً ،إنطفأ الضياء في الداخل،ولا شئ يُرى وسط الظلام ،لا طاحونة ولا أشلاء،وخارج غرفة الطاحونة عادت العتمة من جديد ،أنظر إلى السماء بينما تقبض يدي على فراء الذئب الساكن ،غيوم كثيفة لم أرَ مثلها من قبل ،وورائها إختفى البدر تمامًا ومعه النجوم ،ظلام طويل وكأن ستار النهاية قد أُسدل . 

بعدئذٍ فتحت عينيَّ تلقائياً لأوقَظَ  مما أراه،وعاد ذهني مجددًا إلى غرفة يامن في صدمة ،لِأهمس لنفسي لاهثا: 

-كانت تلك هي اللحظات الاخيرة قبل جنون الشيخ موسى ،خرج الذئب من تلك الطاحونة ،وقُتِل عام 1921م. 

                                ********** 

حمداً لله عادت حرارة يامن إلى طبيعتها مع إغلاقي باب الشرفة  وسكبي مزيداً من مكعبات الثلج في حوض مياهه بعدما كانت قد إرتفعت مرة أخرى مع إستكمال تلقي الرؤى عبره،ومع شروق الشمس حملته إلى سرير أمه التي أستيقظت بعد قُرابة ساعتين مندهشة من ذلك النعاس الذي داهمها على غير العادة ،فأخبرتها أني لم أشأ إيقاظها حتى تنال قصدا وافر من الراحة ،فشكرتني كثيرا على ذلك ،حينذاك حدثتها كاذبا بأني سأذهب إلى عملي وخرجت متجها إلى شيخ القرية السيد"عبد العزيز حسن" رجل ستيني لم يكن يعرفني،عرفته بنفسي ،فرحب بي،سألته مباشرة عما إن كانت هناك طاحونة في القرية قبل مائة عام ،ضمّ شفتيه مفكرا ،ثم ردَّ باسما بأنه لم يعاصر شيئاً كهذا من قبل،ولا يتذكر أن أباه حكى له شيئاً عن طاحونة بهذه المواصفات التي ذكرتها له ،سألته عن كبار السن في القرية من الرجال والنساء ،عدَّ لي ستة أسماء لأناس تتجاوز اعمارهم الثمانين عامًا دوّنتها في ورقة معي؛أربعة رجال وسيدتين ،مررت عليهم واحد تلوى الاخر ،كان جميعهم لا يعرف شيئاً عن تلك الطاحونة ،في أمر جعلني أشك فيما رئيت ،وبدأت أفكر في أن عقلي ترك الواقع ليتشبث بخيالات لن تفيد أبني بشيئاً . 

-في بيت السيدة الاخيرة وفي إستعدادي للرحيل ،قالت إبنتها الكبرى ذات الستين عاما عندما وجدتني أسئل في إهتمام بالغ بتلك الطاحونة: 

-لماذا لا تسأل في دار العمودية القديمة ،حيث يعيش عائلة أحفاد عائلة أحفاد الشويّكي الذين توارثوا العمودية في القرية خلال القرون الخمسة الأولى من القرن الماضي ؟ 

لم يأتي ذلك الإقتراح الرائع في بالي قط ،ربما لأن العمودية إنتهت في بلدنا قبل سنوات طويلة بوجود نقطة شرطة يترأسها ضابط شاب ،شكرتها كثيرا على إقتراحها ،ثم توجهت مباشرة إلى بيت يُعرف في قريتنا ببيت العمودية وهو بيت قديم الطراز بُني في أوائل القرن العشرين ،وعاشت فيه عائلة الشويّكي الذين توارثوا العمودية في قريتنا جيلا بعد جيل ،وحاليًا تعيش فيه أسرتين لأخوين من نسل تلك العائلة ،كنت أعرف أحدهما معرفة صطحية ،إسمه(فكري)كان يصغرني بعام أثناء الدراسة استقبلني بترحاب مسبوق بدهشة من زيارتي المفاجئة ،أخبرته صراحة عن حال إبني المرضية منذ شهور ،وعن إحتمالية وجود مس أصابه ،ولم آتي بذكر الشيخ موسى ولا الذئب ،قلت فقط أنني أحضرت روحانياً حيث قال أن جِنْ عاش لسنوات طويلة في طاحونة غلال هنا في القرية قد مسَّه ،نظر لي صامتاً دون أن أعرف أنه صدقني أم ظنَّ فيَّا الجنون ،ثم أخبرني أنه لا يعرف شيئا إلا عن طواحين الغلال الحديثة في القرية قد، ثم هاتف أخاه الاكبر فحضر إلينا ،فحدثه بما أخبرته به ،فصمت مفكراً هو الآخر ،هنالك أضفت شيئاً خطر في بالي: 

  

-قال الروحاني أن ذلك الجن أحضره جنود سُمر أتو إلى القرية قبل مائة عام . 

وقتها قال الاخ الأكبر: 

-الهجَّانة راكبو الجمال ؟! 

لمعت عيني على الفور ،وقلت: 

-نعم،راكبوا الجمال . 

قال في جدية: 

-لقد حدثني جدي من قبل عن شئ يتعلق بذلك. 

أمَّا أن فدوت في رأسي فجأة، كلمة جانا ،نعم إن كانت كلمة حونا تعني طاحونة ،فلن يُقصد بجانا إلا الهجانة، تابع الرجل: 

-إنتضر. 

ثم غادرنا صاعدًا إلى الطابق الأعلى ،وعاد بعد ثلاثين دقيقة تقريباً وفي يده تسعة دفاتر قديمة ذات أغلفة كرتونية سميكة ،وقال وهو يضعها على الطاولة أمامي: 

-إحتفظت عائلتنا بتلك الدفاتر لسنوات طويلة ،إنها دفاتر عشرينيات القرن الماضي بإستثناء دفتر عام 1922م لم أعثر عليه ،ربما سجل فيه أحد جدودي شيئا ما يفيدك . 

نطقت سريعاً: 

-قال الروحاني إن ذلك حدث تحديداً في عام 1921م . 

إندهش الأخوان مما قلته ،وشعرت أنهما شكا قليلا في أمري خاصة الأخ الأكبر ،لكنّه طاوعني وأحضر الدفتر الذي مكتوب عليه بخط يدوي 1921م  

وفتحه وبدأ يقلب في أوراقه ورقة ورقة بينما يدق قلبي بقوة إلى أن توقف الرجل عند صفحة ما،ومظر في عيني بإرتياب أكبر،ونظرت إلى الورقة في ترقب ،فقال: 

-ذُكر هنا بلاغ مسجل من جدي بأن فرقة من الهجانة أتت إلي  

-ذُكر هنا بلاغ مسجل من جدي بأن فرقة من الهجانة أتت إلى القرية ،في تاريخ 20أغسطس 1921م واختفت في اليوم التالي . 

فكرت في الجمال في الجمال التي كانت تركض بلا أصحابها ،والأشلاء التي رئيتها في الطاحونة ،فقلب الرجل ورقة واحدة وقال : 

-هذا بلاغ آخر في اليوم نفسه بلعثور على سيارة الخواجة جرجس،وريث حوض الأراضي الشرقية ،سيارة سوداء اللون أمريكية الصنع ،عُثر عليها خاويةً ولم يُعثرْ على صاحبها . 

احمر وجهي وازدردت ريقي اظطرابا.كان ذلك ما رئيته تماماً الرؤى ، 

حين ذاك قال الأخ الأصغر  : 

-وزعت أراضي ذلك الخواجة مع قانون الإصلاح الزراعي. 

هززت رأسي بإرتباك شديد ،فيما واصل الأخ الأكبر في تصفح باقي الأوراق. 

                             ************ 

لم يُذكر شئ آخر في دفتر ذالك العام عن الجنود او الخواجة أو الطاحونة فستأذنت منهما أن أبحث بنفسي في أوراق الدفاتر الأخرى لعلِّي أعثر على شئ يخص تلك الطاحونة ،وافقا ،فبدأت أقلب أوراق الدفاتر تباعاً ،كانت جميعها بلاغات تخص المزارعين وأراضيهم ومواشيهم فحسب ولم يُذكر شئ واحد عن طاحونة غلال إستوقفتني فقط ورقة في نهاية عام 1928م 

دُوِّن فيها بلاغ عن غرق طفل في الترعة الشرقية بالقرب من بيت (الدسوقية) الذي بني حديثاً قبل عام في حوض الأراضي الشرقية،وعندما أطلت النضر إليه قال (فكري)في غير إكتراث وهو يقرأ السطور بعينه : 

-إنه البيت الذي لا يزال مهجوراً هناك. 

اومأت برأسي إيجاباً وأنا أهمس في داخلي : 

-بيت مدخل السرداب! 

سألت الأخ الأكبر مجدداً عندما إنتهيت من الدفاتر كلها ،إن كان بإمكانه العثور على دفتر عام 1922م ،فأقسم لي أنه لم يجده ،حين ذاك هاتفني الروحاني فتذكرت أنني إتصلت به مراراً وتكراراً صباحاً ولم يجبني، فأجبته راجياً بأن يحضر في أسرع وقت إلى قريتنا ،فأخبرني بأنه سيأتي إلينا في خلال ثلاث ساعات ،فأغلقت الخط ثم شكرت الأخين وعدت سريعاً إلى بيتي .  

وعقلي يفكر في العلاقة الخواجة الذي إختفى في اليوم الذي اختفت فيه فرقة الهجانة، وحوض الأراضي الشرقية،والطاحونة،والبيت الذي يقع أسفله مدخل السرداب . 

الشرقية،والطاحونة،والبيت الذي يقع أسفله مدخل السرداب . 

                          ************* 

عندما جاء الروحاني حدثته عن الرؤى التي رأيتها ،وعن إستخراجي الذئب من قبر الشيخ موسى ،وعن ثبوت حضور الهجانة إلى القرية فعلاً قبل مائة عام ،لكني لا آتِ بذكر بيت السرداب بشئ إستغربت منى التي كانت تستمع إلى حديثي مع الرجل وامتقع وجهها غضبًا مع إعترافي للرجل أمامها أنني وضعت لها منوماً في شرابها كي أكمل تلك الرؤى، لكنّها لم تتحدث مؤجلة كل شئ إلى بعد رحيله ،دلف الرجل إلى غرفة الفتى وحيداً مثل المرة الأولى وخرج ألينا بعد ساعتين قائلاً: 

-مازلت عند قولي إنه مس قوي للغاية،هذا الجن يحتاج إلى إراقة دماء غالية أو إعادة الشئ إلى أصله . 

وقتئذ حدثني عقلي بشئ فطنه لأول مرة لكنِّي ام أنطق بكلمة،ثم تركنا الروحاني وغادر  بعدما نال مقابله المادي هذه المرة ،فجلست منى إلى جانبي كي تفتح النقاش بخصوص ما قلته للرجل ،فقلت لها بعد شرود طويل: 

-ربما أخطأنا في فهم إعادة الشئ إلى أصله عندما أعدنا الذئب إلى قبر الشيخ موسى . 

ثم بدأت أعد على أصابعي وأقول : 

-إذا كان ذلك الذئب قد خرج إلينا من خلال الطاحونة ،وإذا كانت الطاحونة إختفت من عالمنا دون أن يعرف عنها أحداً شيئا ترتبط إرتباطاً وثيقاً بلبدر ،وإذا مان سرداب فوريك يضاء فقط ليلة البدر من غير أن نعرف سبباً لذلك ،وإذا كان البيت المهجور الذي يبدأ في داخله السرداب بُني في أرض الخواجة الذي إختفى يوم إختفاء الهجانة فالمنطق يقول ان هناك إرتباطا وثيقاً بين السرداب والطاحونة ونظرتُ في عينيها وأردفتُ : 

-وإن كانت إعادة الشئ لأصله هي السبيل لتحرير  إبننا من هذه الأزمة فلن يكون ذلك الأصل إلا عالم ما وراء سرداب فوريك لا قبر الشيخ موسى . 

وقبل أن تنطق بكلمة ،قلت لها بنبرة حاسمة . 

-سأعود بعضام الذئب  إلى عالم زيكولا لأعيدها إلى موطنها. 

*********************************************************

الفصل التاسع

بوجه يكسوه القلق سألتني منى: 

-إلى آي مكان ستذهب في عالم زيكولا فهي أرض شاسعة بها مدن كثيرة . 

-تنهدت قائلاً: 

-لا أعلم،سألجأ لأصدقائي القُدامى أو للملك تميم ،لا شك بآنهم سيُساعدونني للوصول إلى وُجهتي المجهولة.

قالت: 

-تتحدث وكأنك ستذهب بدوننا . 

-أومأت برأسي إيجاباً ،وقلت: 

-بتأكيد لن أخاطر وآخذكم معي ،أجهل ما سيقابلنا من مخاطر هناك،ولا أستطيع المجازفة بإبني إن أصابه تدهور مفاجئ في حالته المرضية ،قد لا نستطيع إنقاذه .لهذا بقائك هنا معه أأمن لكِ وله . 

نظرت إليَّ بعينين حائرة  تلمع بلدموع . 

فقلت: 

-لا يوجد حل أخر يا منى،عليَّ المخاطرة من أجل أبني قرة عيني ،فإن أصابه شئ لن أسامح نفسي ،فهو أغلى ما أملك . 

عليَّ إعادة عظام ذلك الذئب المشؤوم ،لعلَّ لعنته تحل على إبننا . 

-بقيت صامتة بعيون تحكي الألم فجلست بجوارها حاضنًا لها،فمسحت عبراتها وقالت : 

متى ستغادر ؟ 

قلت: 

-لا أعلم شيئا عن زيكولا منذ زيارتنا الأخيرة لها، 

لا أعلم إن بقيت المدينة كما هي مُغلقة يفتح بابها مرة واحدة في العام ، 

أم غُيرت القواعد بعد رحيلنا . 

-ونهظت من جلستي 

وقلت :

-نزلت السرداب للمرة الأولى قبل اثني عشرة عاماً في يوم الثالث من ديسمبر،كان ذلك التاريخ يوافق عيد زيكولا السنوي،من حسن الحظ أنَّ توقيت ذلك البلد يُماثل توقيتنا ،وأنَّ إحتفالاتهم الطارئة بأولاد الحكام الذكور لا تغير من المواعيد الثابتة للعيد السنوي .

ونظرت ألى مفكرة التقويم المعلقة على الحائط وتابعت :

يتبقى شهران وأحد عشرة يوما على ذلك التاريخ الذي سيوافق أيظاً اليوم السابع والعشرين من الشهر القمري ،

-ولأن سرداب فوريك لا يُظاء إلا في منتصف الشهر القمري ،سأظطر للمغادرة قبل ذلك اليوم باثنتي عشر يوماً وإلا سيفوتني يوم فتح باب زيكولا .

-ثم أردفت مطمئنا لها :

-سآخذ حاجتي من الطعام المُصبر والسوائل التي تكفيني تلك الأيام ،كما أنَّ التُجار عادة ما يجتمعون أمام باب زيكولا قبلها بأيام ،لن أكون وحيداً هناك .

                

قالت وهي ترتشف دموعها دون النظر الي :

-هذا إن كان توقيتك صحيحاً ،كما قلت ،لا تدري إن ظلّت القواعد هناك خلال السنوات الماضية كما هي أم تغيرت .

وأضافت :

-لكن إن كان توقيتك خاطئاً ...

وسكتت وهي تعض على شفتها السفلى مغمضة عينيها بألم كأنها لا تريد أن تنطقها.

-فقلت :ستكون رحلة بلا عودة.

-ونظرت إلى يامن وقلت  :

-لكن غايتها تستحق المغامرة .

-هزت رأسها نافية وانهمرت عينيا بلدموع :

لا،لا أوافق على ذلك .إنه تهور غير مصوب ،ونحن في أمس الحاجة إليك هنا .

إقتربت منها ونزلت على ركبتي وأمسكت بيدها في  رِقة  ،وقلت مهدئاً لها:

-مازال هناك شهران تقريباًعلى كل حال،ولا ندري ما يخبئه لنا القدر خلالها 

اردت فقط مشاركتك بما يدور في تفكيري الآن فحسب ،كي نتهيأ نفسياً لما هو قادم . 

صمتت لبرهة ثم قالت وهي تمسح عينيها من الدموع : 

-لماذا لا تضع تلك العظام يوم البدر القادم في السرداب دون أن تعبر النقطة التي تنهار فيها فيها جدرانه ،وترى ما إن كانت ستشكل نفسها من جديد في صورة هيكل عظمي أم ،لا فإن فعلتها أتركها هناك وعُد. 

ثم أردفت: 

-إذا كان السرداب جسر بيننا وبين عالم زيكولا فإنَّه بذلك ينتمي إلى العالمين وأعتقد أن وضع ذلك الذئب هناك سيكون بمثابة إعادته إلى حيث ينتمي دون أن تضطر للذهاب إلى زيكولا . 

-نظرت إليها مفكراً و متعجباً في آن واحد ،كانت تلك الفكرة تستحق التجربة ،وشعرت بلغباء بعدم تفكيري بشئ كهذا من قبل ،وقلت متحمساً: 

-فكرة رائعة ،سأفعلها يوم البدر القادم . 

-وأضفتُ بعدما هزت رأسها إيجابًا في شرود وهي تنظر إلى يامن : 

-لكن إن لم تعد العظام ترتيب نفسها ،فلن أتركها هناك ،وسأذهب بها إلى أرض زيكولا يوم بدر الشهر الذي يليه 

                                *****  

بعد أيام من حديثي مع زوجتي منى ذهبت للمرة الثالثة إلى قبر الشيخ موسى ،فجراً كان كما تركته في المرة السابقة مُغلقا فقط بلطوب المرصوص وكان أحداً لم ينتبه إلى عدم وجود كومة من الطين تغطي بابه أزلت الطوب في حذر شديد ،وهبطت بمصباحي إلى ذلك القبر ،وأخذت جوال عظام الذئب المشؤوم ،وأعدت رص الطوب من جديد ،ثم ذهبت متجها بلجوال إلى المكان الذي دفنته فيه سابقًا ،فعلت ذلك كي أبقي عظام الذئب  في حوزتي ،خشية أن يحدث شئ مفاجئ يمنعني من الحصول عليها قبيل نزولي السرداب . 



                                   ***** 

في الأيام التاليه لم يحدث أي جديد ،وحالة يامن كما هي حالة جيدة نهاراً وحمى ليلية تجبره على البقاء في حوض المياه ليلاً ،في تلك الأيام ذهبت أكثر من مرة إلى الأراضي الزراعية القريبة من البيت المهجور المتواجد أسفله مدخل السرداب ،لعلَّي أعثر على أي شئ صدفة ،لكني رجعت في كل مرة خائبًا ،كذلك راقبت السماء في كل ليلة بحثًا عن نجم أسيل لعلَّ إشارة ما تصلني ،لكنه لم يظهر ،وعندما حاولت إستخراج رؤى أخرى من الفتى فشلتُ في ذلك بِعَدم وجود البدر في السماء. 

مرت الأيام والساعات وحلَّ منتصف الشهر القمري وظهر البدر الذي إنتضرته بفارغ الصبر حركت حوض يامن ليواجهه ،كانت منى معي تلك المرة ،إتفقنا على نزع يدي من على جبين يامن إذا حرارته تجاوزت الحد وعلى ثلاث مرات تخللتها فترات الراحة وإغلاق باب الشرفة رأيت نفس الرؤى التي رئيتها في المرة السابقة لم أرقب أي جديد ،

لأفتح عيني قائلا لمنى :

-لو إنتبه موسى لذئب وفرَّ وقتها لما حدث هذا .

قالت وهي تغلق باب الشرفة :

-لو لم تُحظر لنا تلك العظام لما حدث كل هذا .

أومأت برأسي موافقًا ،ثم نهظت من جلستي وقلت :

-سأهبط السرداب غداً ،سأضع عظام الذئب هناك قبيل صورة فوريك المنقوشة على الحائط ،دون عبور ذلك الحد ،وأترقب ما إن كانت عظامه سترتب نفسها كما إتفقنا.

أومأت برأسها إيجابًا في صمت.

                               *****

في الصباح التالي كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة أيقظتني منى قائلا :

-إن الطقس غريب للغاية اليوم،بحيث الغيوم كانت تنتشر بكثافة شديدة مغطية السماء ،ووفقا للأخبار فإن الطقس قد يستمر على حاله ثمانية وأربعين ساعة .

-تحركت مباشرة نحو النافذة وفتحتها ،كانت السماء غائمةُ للغاية وشبه مظلمة كأننا تجاوزنا وقت الغروب ،

ضممت شفتيَّ ،وقلت:

-إن إستمرت الغيوم بتلك الكثافة إلى الليل ربما لن يظهر البدر .

قالت:

-ربما هذه إشارة بأن لا تنزل السرداب الليلة .

أغلقت النافذة قائلاً:

-سأفعل ماكنت انوي بأن أنزل السرداب بعد الواحدة صباحا بعد سكون أهل القرية ،لكن مع تلك الغيوم لا شك بأنه سيهطل المطر بغزارة ويأوي الناس لبيوتهم باكراً ،إذاً سأذهب الى السرداب في وقت باكر من اليل أيظاً ليكون لدي وقت أوفر أنتضر وقت إنقشاع السحب عن البدر .

وأخرجت زفيري متنهداً وقلت :

-تذكرني هذه الغيوم بليلة التي رئيتها في رؤى الشيخ موسى ثم نظرت إلى ساعة يدي وأردفت :

-سأتحرك لإخراج جوال العظام في التاسعة مساءً،ثم أتجه بعدها مباشرة إلى البيت المهجور .

أومأت برأسها صامتة 

                           *********

في تمام الساعة التاسعة مساءً ،خرجت من بيتي حاملا حقيبة سوداء تحوي جاروف معدني وزجاجة ماء صغيرة ومصباح رأسٍ وكمامة كلب بوليسي ،كنت قد إشتريتها كي ألجم بها مقدمة جمجمة الذئب كنوعٍ من الإحتراس (كما تعلمون  أخذ الحيطة واجب)واتجهت نحو رقعة الارض لي دفنت فيها عظام الذئب ،كانت غيوم السماء لا تزال كثيفة تحجب ظوء البدر ،فيما واصلت الأمطار الهطول،ولما إقتربت الى الرقعة التي أقصدها ،دوى صوت الرعد فجأة كفرقعة حادة ،ولمعت السماء بضوء البرق،وحينها أدركت أن وقع أقدامي يماثل في نمطه وقع أقدام الشيخ موسى ،الذي سمعته في رؤى الفتى،فإهتزَ جسدي برعشة قوية كأن الكهرباء سرت في عروقي ،لدرجة فكرت في التراجع والعودة إلى البيت ،لكني تماسكت وواصلت تقدمي،حتى وصلت إلى مقصدي الرقعة التي دفنت فيها جوال عظام الذئب وأخرجته ،ونظرت إلى ساعة يدي كانت تشير إلى التاسعة ونصف ،وقتئذٍ أطلقت السماء رعداً أخر ولمعت ببرق جديد صورت به البيت المهجور أمام عيني من بعيد،فتقدمت نحوه حاملا الجوال ،وعندما إقتربت من سوره ألقيت بلجوال وحقيبتي الى الجهة الأخرى منه ،ثم تسلقته في خفة ربما لم تكن لتتواجد لولا فقداني كثيراً من وزني مع شهور الإرهاق الماضية.

دلفت إلى داخل البيت لم يتغير مطلقاً عن آخر مرة دخلته فيها،ثم هبطت إلى قبوه ،كانت الصخرة الكبرة لا تزال في موضعها،وضعت الجوال جانباً ،وهممت بإزاحة الصخرة بكل قوتي هنالك شعرت أن وزنها تضاعف عن آخر مرة حركتها فيها ،فأسندت ظهري إليها محاولاً بكل طاقتي دفعها ،غير أنها لم تتحرك بوصة واحدة ،حدثت نفسي وأنا أشعر بخوار قواي. 

-لا،لم أكبر إلى هذا الحد . 

قم زفرت بقوة وزعقت من جديد ،وبدأت أدفعها وانا أصرُّ على أسناني حتى تزحزحت مسافة صغيرة،دفقت وأنا أزعق؛ 

-هيااا. 

تزحزحت مسافة أخرى ،فأمسكت بركبتي لاهثاً محاولاً إلتقاط أنفاسي ،ثم جمعت قواي وهممت بلدفع مرة أخرى ،لكنِّي توقفت حينما سمعت صوتاً من خلفي يقول  لي فجأة: 

-هل تحتاج إلى مساعدة أيها الكاذب . 

......يتبع  

ترى من تكلم؟

*********************************************************

الفصل العاشر

أسيل:  
في ثبات تسائل تميم إلى خلدون: 

-ماذا تعني بشاهد وادي الذئاب ؟! 

قال خلدون: 

-سأروي لك سيدي كل شئ أعرفه عن ذلك الوادي وشاهده فأشار له كي يجلس ،فجلس ثم قال: 

-لسنوات ظلّ الناس يعتقدون أن بحر <قُعير>الرملي هو نهاية عالمنا شمالاً ،لكنّ الكثيرين لا يعرفون أن هناك كتاباً عثر عليه قبل عشرين عاماً تحدث عن وجود مملكة تدعى ب(وادي الذئاب) عاشت قروناً طويلة شمال تلك الرمال . 

جال في ذهني في تلك اللحضة ما اعرفه عن بحر (قعير)الرملي الذي يبعد عن شاطئ مينجا الشمال مسافة اربعين يوماً إن ركض حصان بأقصى سرعته دون توقف ،وما سمعته عن استحالة عبور أي كائن حي أي خطوة واحدة في الرمال المتحركة دون أن يغوص إلى باطنها قبل أن أنتبه الى ما يكمله خلدون وهو ينظر بعيداً إلى سطوع البدر في السماء : 

-حتى هذه الليلة كنت اضن ما قرأته في ذلك الكتاب قصة خياليا ألفها صاحبه بحبكة فريدة، لكن ماحدث قبل ساعات من نهوض عظام الذئاب وظهور البدر الثاني في السماء قد ذُكر نصا في تلك القصة كنبوءة لنهاية عالمنا إنتقاماً مما حدث في وادي الذئاب قبل سنوات طويلة . 

-سألته على الفور: 

-اي نبوءة ؟!!وماذا حدث في ذلك الوادي ؟ 

أجابني :

-في ذلك الوادي إستطاع البشر التعايش مع الذئاب في سلم لم يشهده عالم البشر من قبل لدرجة وصلت إلى إستئناسها،مستخدمين قوتها في الزراعة وجر العربات لنقل الركاب والبضائع  ،وفي الحروب كفرقة هجومية رئيسية تنفذ أوامر القادة تنفيذاً مثالياً ،فهناك لا تتعجب إن سرت في أحد الشوارع ورأيت جماعة من الذئاب تتجول حرة بلقرب منك دون أن تتعرض لك بأذى ،بل ستجد أطفالاً يلعبون مع الذئاب وجرائها دون خوف كأنهم يلاعبون قطاً منزلياً ،سترى طفلة تركب صهوة ذئب يتبختر في مشيته بها كي لا يوقعها ،وستبصر ذئاباً تحمي قطعان الأغنام والماشية التي ترعى في المروج هناك ،وتنام بينها ليلاً ،ستجد الجزارين في المدن والقرى يُطعمون الذئاب من ذبحائهم في أطباق خاصة دون إهانة بإلقاء الطعام بعيداً ،وعلى إمتداد أسوار عاصمة الوادي التي تُسمى <براقيا>ستجد تماثيل الذئاب منحوتة من المرمر الأبيض جنباً إلى جنب مع تماثيل ملوك الوادي وقادته .

ثم صمت لحضة وتابع :

-قال مؤلف الكتاب أن لا يعرف تحديدا منذ متى بدأ هذا التعايش  بين البشر و الذئاب ،لكنه أشار إلى وجود نقوش قديمة على حائط صخري شاهق يتوسط براقيا يسمى <حائط الرؤى >تتحدث عن السلام الذين بين البشر و الذئاب قال إن عمر تلك النقوش يتجاوز الألف عام ،وأن <الملديين>قامو بنقشها بأقلامهم الفولاذية.


                            

          
                

-الملديون هم الجنس الثالث الذي عاش في تلك المملكة ،أناس يستطيعون التواصل مع الذئاب ،هيئتهم مثل البشر ،وشعورهم حريرية بنية مائلة إلى الصفرة تشبه فراء الذئب ،وحاستي سمعهم وشمهم قريبتان تماماً من الذئاب ،أنيابهم طويلة بعض الشئ وعيونهم صفراء اللون تلمع في الظلام ،لكنّهم عميان لا يبصرون ،سأخبرك عنهم لا حقاً سيدي باستفاضة خاصة أن اولئك القوم الذين لم يتجاوز عددهم الألفي فرد قبل مائة عام كانت لهم المكانة الكبرى في ذلك الوادي بعدما كانو حلقة الوصل بين البشر و الذئاب وعلى مدى قرون طويلة ،لكن دعني الان اخبرك أن القوة التي أضافتها الذئاب لتلك المملكة إثر ذلك التعايش جعلتها أغنى بلدان شمال بحر <قعير >الرملي وربما العالم بأسره بعدما إنصاعت كل البلدان حولها للشروط التي اعتاد ملوكها فرضها بجني الاموال والجزي مقابل تركهم في سلام ،حتى أن كهوف الجبال في ذلك الوادي كانت بقطع الذهب من شدة إمتلائها به ،وخزائن الطعام والشراب كانت تفسد من فيضها لتمتلئ من جديد بأخرى  في ساعات ،والشوارع كانت تعبّد بلمرمر كل ستة أشهر ،وأعناق الذئاب والخيول كانت تُزين بأطواق من الذهب فيما يزين الرجال والنساء بعقود من الاحجار الكريمة ،وعلى ضفاف بحيرة شاسعة المساحة هناك كانت تسمى بحيرة<جِمارة >شُيدت بيوت العامة بلخشب المرصع بالذهب والفضة ،يفصل كل بيت عن البيت الذي يجاوره مرح فسيح ترعى فيه الاغنام والذئاب على حد سواء ،كل ذلك على مرأى من شاهد الوادي ،ذلك البدر الساطع الذي كان يزين ذلك البلد دونا عن غيره من البلدان الاخرى ،والذي سمي بذلك الإسم لكونه شاهدا على تألف البشر والذئاب ،وعلى مدى الزمان اعتبره اهل ذلك البلد الضمانة الرئيسية لإستمرار خضوع الذئاب لهم معتقدين منذ القدم بوجود تواصل بينه وبين الذئاب ،وأكد إعتقادهم فيما بعد الملديون الذين دونوا على حائط الروئ بعض الروئ الذي رآها الشاهد في أذهان الذئاب. 

واستطاعو رؤيتها هم الآخرون عبر التخاطر الذي يحدث بينهم وبين الذئاب أو بينهم وبين الشاهد مباشرة،لكن ما أعطى ذلك الشاهد نفوذه الحقيقي هو كونه المتحكم في فتح العابرات الست التي توجد في ذلك الوادي . 

-ثم رشف رشفة من كوب الماء المتواجد أمامه ،فسألته:

أيّ عابرات ؟!!

فقال:

-وفق مؤلف ذلك الكتاب توجد في وادي الذئاب ست بوابات تصل عالمنا بأزمنة وعوالم أخرى ،أربعة منها توجد في أنفاق متشعبة بأعماق جبال الغرب هناك ،يتبدل مكانها كل دورة قمريةمثل ممرات هضاب الريكاتا،كانت الذئاب وبعض الملديين فقط من يستطيعون الوصول اليها بواسطة حاسة الشم والسمع القوية،وبوابة توجد في غابة كبرى هناك تسمى( غابة الزافور)وبوابة توجد في اعماق بحيرة <جِمارة>ولم يذكر صاحب الكتاب ما إن كانت هناك بوابات أخرى غير تلك البوابات في عالمنا .

حين ذاك فكرت في سرداب فوريك ،واعتقد أن تميم فكر في الامر نفسه ،لكننا لم نقاطع الرجل الذي تابع :


        

          
                

-كانت بوابة واحدة من تلك البوابات تفتح مرة شهريا حين يلتقي البدران في السماء فقط ،بدر ذلك الوادي او شاهده الساطع على الدوام او بدر قمرنا الاعتيادي الذي يظيء عالمنا بأكمله ،وتغلق بعد ليلتين حين يتناقص بدرنا ويصبح احدب متناقص مكملاً دورة القمر الشهرية ،وفي الشهر الذي يليه تُفتح بوابة أخرى ،وهكذا تفتح بوابات على مدى ستة أشهر متتابعة في دورة لا نهائية .

ثم تنهد وأردف :

-وفي الليتلتين  اللتين  تفتح خلالهما إخدى عابرات الجبال كانت حمياتها من غُزاة الازمنة والعوالم الأخرى موكلة إلى فرقة من الذئاب تسمى <ذئاب العابرات>تظل تعوي طوال الليل في جوف الجبال أمام العابرة مانعة ومهاجمة أي دخيل يأتي عبرها ،أما عابرة الغابة فلم تحتاج إلى حماية ،حيث كانت تؤتي كل ستة أشهر  بالاف من قِطعان الجاموس البري والماعز والأيائل التي تكفي لإطعام ذئاب الوادي حتى موعد فتحها مرة أخرى كركن أساسي في العهد الذي  تم قديماً بين الذئاب والبشر والشاهد من أجل ألا يتعدى أحدهم على الآخر ،أما عابرة البحيرة فاختصت بلحفاظ على منسوب مائها العذب دون نقصان آتية بأجود المياه من العوالم الاخرى ،ليعيش هكذا الوادي في سنوات طويلة من الرخاء والترف والازدهار ،حتى حدثت الكارثة الكبرى قبل ثمانين عاماً من تأليف ذلك الكتاب ،أي قبل مائة عام من اليوم ،عندما فُتِحت إحدى عابرات  الجبال مع إلتقاء البدرين وتسلل عبرها بعض اللصوص من عالم أخر قُبيل زوال الليل ،ثلاثون رجلا تقريبا حاملين معهم أسلحةً غريبة تُطلق دويا شديداً ،كما رآهم بعض الملديين في رؤياهم ،هاجمتهم الذئاب ومزقت أجسامهم عدا لص واحد حاول الفرار والعودة الي حيثما اتى،فلاحقه أحد الذئاب  متجاوزا العابرة إلى نصفها الآخر ومستغرقا وقتا أطول للعودة إلى الوادي ،فأغلقت العابرة مع زوال اليل وهو في داخلها ،لم تكن الحالة الاولى تحدث من هذا النوع

لم تكن الحالة الاولى التي تحدث من هذا النوع 

....فلطالما إعتاد الذئاب مطاردة المتسللين عبر تلك العابرات والبقاء فيها إن اُغلقت متغذية على لحوم طرائدها حت تُفتح البوابة ،فتعود الى الوادي من جديد،لكنَّ ذلك الذئب كان استثنائيا،إذ كان اخر ذئب من نسل (صامون)ذات المكانة الأسمى بين ذئاب ذلك الوادي والتي عدين لها الذئاب ببقائها حية قبل آلاف السنين بعدما قادتها بأمان عبر العابرة لعالمنا مع ندرة الغذاء في موطنها القديم ويُقال إنها من أتمت عهد السلام بين البشر والذئاب أسفل ضياء شاهد الوادي لذلك فتحت العابرة ذاتها مرك اخرى بعد شهر واحد في غير ترتيبها من أجل إعادة ذلك الذئب إلى موطنه ،إلا أنه لم يعد بل حدث أن أطلقت الذئاب عواء جماعياً فجأة إستمر الليل بأكمله تبعها تمرد وهياج شديد منها دون أن يفهم الناس سبباً لذلك ،قبل ان يُفاجئوا بمهاجمة الذئاب لهم حتى قُتل في اليوم الأول أكثر من ثلاثة آلاف رجل وإمرأة وطفل من أهل الوادي ،قبل أن يتخذ الآخرين ملاجئ ويحتموا منها.

وأخرج زفيره متنهداً ثم أردف:

لأيام كثيرة إستمر عواء الذئاب وتهجمها الوحشي على أي شخص عابر أمامها ،حتى أعلن أحد الملديين عن رؤية شهدها إثر تخاطره مع ذئبه ،وقتئذٍ عُرِف أن بدراً في عالم آخر شهد لقتل بشري لذئب (صامون)بوحشية ليراه شاهد الوادي فيما بعد إذ تتخاطر الأقمار في العوالم جميعًا ،وكما روى مؤلف الكتاب بث شاهد الوادي ما حدث في اذهان الذئاب لتراه ،فأعلنت الذئاب تمردها على البشر. 

حاول أهل الوادي تقديم فدية لشاهد عما حدث ،لكن الذئاب لم تقبل بها ،واصرت على الانتقام لسليل عائلتها السامية ،فما كان اولئك القوم إلا العزم على قتل تلك الضواري حماية لأرواحهم ،فإنتضروا يوم فتح عابرة الغابة التي تتدفق عبرها قطعان الفرائس وتجتمع  الذئاب عندها من أجل اصطيادها ،وبينما كانت الذئاب تطارد فرائسها  ،قام جنود ذلك الوادي بإطلاق كرات اللهب نحو الغابة من جميع الإتجاهات لتلتهمها التيران بما فيها من ذئاب وحيوانات برية،لتقوم فيما بعد الحرب الكبرى التي إستمرت في كر وفر لمدة ثلاث سنوات ،والتي قتل فيها اكثر من ستة     الآف جندي  وقتلت الذئاب جميعا التي كان عددها ما يعادل المئتي الف ،وتم شنق الملديون بإعتبارهم من فصيلة الذئاب  . 

مع موت آخر الذئاب الموجودة في الوادي اختفى اختفى الشاهد من السماء ولم يكترثوا لذلك لاعنين السنين التي عاشوها أسفل ضيائه .لكنهم نهضوا ذات صباح ليفاجئو بنبوءة محفورة على حائط الرؤى تقول قد وعد الذئاب بنهوضها من جديد ولو بعد ألف عام إن إستطاع أي بدر رؤية عضمة من عضام ذئب (صامون)المقتول حينها سيعاود الضهور مرة أخرى وسيُنهض من الموت كل ذئب يصله ضياؤه لينتقم إنتقاما. شديدًا من كل بني آدم 

*********************************************************

الفصل الحادي عشر

-قبل واحد وعشرين عاماً: 

 نوح: 

كنت في الرابعة من عمري عندما سمعت صرخات الخالة "المتتابعة"في منتصف الليل لتسود بعدها حالة حالة من الهرج والمرج في بيتنا ،اذ نهضت اني من نومها  وارتدت ثوبها على عجل وهرولت خارجة نحو البيت الذي يجاورنا وهي تقول لأبي؛ 

-يبدو أن ريحانة ستفعلها الليلة . 

ليجيبها في غير إكتراث : 

-أراهنك انه انذار كاذب ككل ليلة. 

حاولت حينها اللحاق بأمي .لكني ابي اوقفني بزعيقه ،ونهرني غاضباً،ماذا ستفعل هناك؟إنه شأن يخص النساء ،عُد إلى فراشك ستعود أمك بعد قليل خاوية الوفاض ككل مرة تخرب فيه تلك المرأة منامنا ، 

عدت منزويا إلى غرفتي وقتها ،وجلست بجسدي الضئيل وراء الباب انتضر امي وانا استمع الى الصرخات التي استمرت الى وقت اطول من اي ليلة مضت ؛حتى سكتت اخيراً،لكن أمي لم تعد الى دارنا بعدها كما اعتادت ان تفعل بعد سكون الصراخ كل ليلة ،حتى ابي بدا وكانه تعجب من تأخرها فسمعت صوت بابه يفتح ،ويخرج متجها الي بيت جيراننا فتسللت ورائه انا الآخر دون أن يراني ودلفت خلفه عبر باب بيت الخالة الذي كان مفتوح على مصراعيه تفوح من داخله رائحة قلق وريبة كانتا تضهران بوضوح على كافة وجوه الحاضرين الذين يبدو وكأنهم لم يلحضو حتى وجودي  

مع ارتباكهم الشديد. 

كان في الردهة اربعة رجال غير ابي ،وامراتان جميعم جيراننا وفي غرفة جانبية كانت امي تقف مشمَّرة اكمامها بحوار سرير لتستلقي عليه الخالة ريحانة التي إنطبع على وجهها شيئا من الحسرة بينما تقف ثلاثة نساء في جانب الغرفة تحملقن في فراش صغير بكل دهشة ،واصلت تسللي حينها ووقفت بجوارهن  

لأجد على ذلك الفراش لفة قماشية تحوي صغيراً لا يضهر منها الي رأسه يموء قلقطة ،بجانبه سراج ناري مددت إصبعي لألامس وجهه وهبطت من جبهته إلى انفه إلى شفتيه مطبقا عليه ماصا له فضحكت فسرخت فيا امي. 

-نوح ،ماذا جاء بك هنا ؟! 

جفل جسدي و ركضت إلى الخارج حيث كانت الهمهمات والمناقشات الحادة لاتزال متواصلة بين الحاضرين ،ربما كانت اكثر وضوحا بنسبة لي هي جملة ابي حين قال : 

-لو علم الجنود بأمر هذه المولودة سيحرقون الضيعة بأكملها . 

ليقول رجل آخر  إسمه السيد (راشد):

-قد نكون مخطئين، لم يرى أحدا منا ملدياً من قبل ،وكل صفاتهم قرأناها في الكتب فحسب.

فنظر له أبي ،وتابع :

                

-ومنذ متى يولد البشر بعيون صفراء؟!إنها ملدية لا محالة ولا بد أنَّ أن بهلول وريحانة يخفيان شيئاً 

كان العم بهلول زوج الخالة ريحانة يقف جانب الردهة يحدق شاردا في السماء عبر الشرفة .قبل أن يقطع أبي شروده زاعقا فيه :

-أهناك تفسير لعينين الفتاة الصفراوين يا بهلول .

ليتلفت وينضر إلى الحاضرين  بأعين زائغة  تلمع دموعه نافياً بهز رأسه . 

لا أعرف ماذا دار من حديث بين الرجال بعدها ،إذ خرجت أمي وجرتني من يدي لتعود بي الى بيتنا ،بينما ظلَّ أبي طوال الليل مع الرجال يتناقشون مع عمي بهلول بخصوص مولودته الجديدة . 

                                   ******* 

هكذا وصلت (ناي)إلى هذه الدنيا في العام الخامس والسبعين بعد جفاف بحيرة (جِمارة)أخبرتني أمي ذات مرة أن الخالة ريحانة سمتها بذلك الاسم لولعها الشديد بلموسيقى ،قبل أن ينهينا أبي عن الحديث عنها محذرًا أمي عن مخاطر ذلك الفعل. 

لم أفهم في طفولتي المبكرة سر عصبية ابي المستمرة مع اي حديث يخص (ناي)إلا بعدما كبرت قليلا وأدركت أن عينين ناي الصفراوين لا تماثلهما عينان في قريتنا ،وإن لم يمثل ذلك أي فارق لي ،حتى عندما حاول ابي مرارً وتكرارًا أن يمنعني من الذهاب مع امي لزيارة خالتي  ريحانة في بيتهاالجديد من أجل اللعب مع الفتاة وإطعام الطيور معها ،لم يفلح في ذلك قط وعندما منع امي من تلك الزيارات كنت أذهب بمفردي بعدما حفظت الطريق إلى هناك عن ضهر قلب مع صغر سني،إذ كنت أحب مرافقة ناي منذ حتى قبل ان تستطيع الركض ،حتى السيد (بهلول)الذي لطالما وبخني على ذهاب الى بيته من اجل ناي رضخ في النهاية مع مثابرتي وتصميمي على مصادقتي طفلته بشرط أن لا نتجاوز سياج بيته الخشبي ،لتمر سنواتنا معاً صديقين لا ثالث لهما ،أو تقول حبيبين لا يستطيع مخلوق تفريقهما:(نوح و ناي). 

سنة بعد أخرى فهمت سر القلق الذي إنتاب جيراننا ليلة ولادة ناي فلكل هنا يعرف ما حدث في وادينا قبل ثمانين عاما من تلك الليلة ،تلك الحروب التي دارت بين جدودنا والذئاب ،والتي على إثرها قتلت كل الذئاب وشنق كل الملديين وحل الجفاف في الوادي ،ليلازمنا الفقر والجوع من وقتها ونرضى بلفتات الذي نحصل عليه من (التيبيانيين)الذين احتلو بلادنا وجعلو منها مقاطعة لبلادهم موفرين لنا حصصا ظئيلة من الحبوب كانت تنقلها إليناجنودهم بعد كل موسم حصاد مقابل أعمال شاقة للغاية تكفل بها رجال وادينا،أغلبها يتعلق ،بتقطيع الصخور والمرمر من الحبال وبتر الاشجار من غابة الزافور ونقل أخشابها إلى (هيتاء)عاصمة بلادهم ،وهذا الشئ قد نتحدث عليه لاحقاً . 

لكني دعني ارجع الان الى ليلة ولادة ناي والتي عرفت بما دار فيها بعد سنوات مرورها عندما تطرقنا انا وابي وامي إلى ناي وقالي أبي: 



-لم أضن ابدا تلك الليلة أن تلك الشيطانة ستصل إلى عامها التاسع 

ولما غضبت بوصفه لها ذلك الوصف ،ربتت أمي على فخذي قائلا لأبي:

-إنها بشرية مثلنا،وكنتم ستقتلونها بسبب غبائكم الحاد.

فقال بغرور:

-مازلت في رأيي ،إنّها ملدية ولو أنكر أبوها ألف عام .

سألت أبي حينها مستنكراً :

-هل كنتم ستقتلون ناي حقاً.

أومأ برأسه إيجاباً ،وقال:

-نعم،فكرنا في ذلك في ليلتها بعدما رأينا عينيها خوفاً من بطش الجنود والناس بنا،لن ينسى هذا البلد ما حدث قبل جفاف البحيرة،ولن يتجاهل شخص واحد نبوءة حائط الرؤى .  

كنت اعرف كل شيء  يقصده ابي مثلي مثل كل الأطفال في عمري وقتها وإن لم اقتنع بكثير من التفاصيل الحكايات التي نشأت على سماعها، فقلت:

- حتى إن كانت حكايات ما قبل الجفاف صحيحة فيبقى الملديون بشر مثلنا ولا أجد مبررا لقتلهم في تلك الحرب.. 

حذرني ابي بسبابته قائلا: 

- الملدي نصف بشر ونصف ذئب.. 

ثم زفر وتابع متذكرا، 

-لولا أننا كنا في حاجة ماسة الى عمل بهلول لما تركنا تلك الطفلة 

دار في بالي عمل العم بهلول وميزته الغريبة التي انقذت ابنته،  إذا كان مزيلا للفضلات، يحمل بعربته الخراء من ابار البيوت الخلفية في قريتنا و القرى المجاورة وينقلها الى وراء جبل يبعد عنا عشرين ميلاً، فيما تقود زوجته الخالة ريحانة عربة اخرى تحمل المياه النقية من جدول صغير يقع داخل غابة الى قريتنا، ربما كان هناك من يعوض عمل خالتي ريحانة، لكن الوصمة التي كان يحملها عمل العم بهلول حملت الصعوبة وعدم وجود بديل له في القرية، وايضا عندما اقسم للرجال انه لايعرف سببا للون عيني طفلته الغريب واصر على حمايتها مهما قررو أن يفعلو، همس احدهم للباقين إنهم ان قامو بإبلاغ الجنود عن الطفلة سيؤدي ذلك الى اعتقال الأسرة بأكملها.

وحينها سيتوجب على احدهم القيام بعمل بهلول المقيت وإلا غرقت القرية في الاوبئة والامراض والرائحة الكريهة مع تراكم فضلاتهم في آيار بيوتهم الخلفية ،وقتها اصرّ أبي على فحص الرجال لجسد  عمي بهلول لرؤية ما إن كانت به أي صفة من صفات الملديين ،وسأل النساء ايضا ان تفعل الامر نفسه مع الخالة ريحانة ،وعندما لم يجدو صفة واحدة في جسديهما زعموا فيما بينهم أن سبب تغاضيهم عن الابلاغ عن الفتاة هو عيش الرجل وزوجته بينهم لأكثر من عشرة أعوام ،دون أن يبدو عليهما شئ مريب ،واستقروا في النهاية على منح الطفلة ستة شهور أخرى للتأكد من الأمر بفحص جسدها من جديد ،متفقين على شيئين :الاول :إخفاء الامر عن باقي سكان القرية وأقسمو على ذلك .

                

ذلك يطمئنهم نوعاً ما وجود بيت العم بهلول على أطراف القرية الغربية من ناحية الغاية مما يقلل كثيرا من ناحية المتجولين هناك،والثاني:قتل الفتاة ان ظهر على جسدها صفة اخرى تأكد انتماءها للملديين او إبلاغ الجنود عنها،حتى وان كلفهم ذلك فقدان مزيل فضلاتهم،الا انهم لم يتجاوزوا الشهر الاول حتى ظهرت البينة العظمى التي أكدت أن ناي بشر مثلنا،  ان الطفلة ترى بعينيها والملديون كانوا عمياناً، وشهر وراء الآخر نبت شعرها الاسود الناعم الذي لم يشبه فراء الذئاب،وقتئذ صرخت امي إلى ابي: 

-اتحتاجون إلى مزيد من الأدلة على كونها بشرية ساء حظها بلون عينيها؟! 

ليلود ابي بصمته في غضب شديد،حتى عندما شكك في كون انياب الفتاة طويلة نوعا ما،اخذته امي من يده،ومرت بيه على بيوت القرية لتريه بعض الرجال والنساء الذين تطول انيابهم قليلا ومن بينهم زوجة اخيه،مؤكدةً له ان الفتاة منا،فبتلع لسانه هو وكل المشككين الآخرين،لكن عمي بهلول اصر على  انتقاله بأسرته إلى بيت خشبي جديد بناه على بعد ثلاثة أميال داخل غابة الزافور،لتكمل ناي حياتها هناك  وان حرمت من عبور سياج ذلك البيت عندما لم يضمن أبوها وشي ضعاف النفوس من اهل القرية الذين استغلوا حاجتهما إلى كتمان سرهما،واعلنوا انهم لن يدفعوا مقابلاً لعملهما بإزالة الفضلات واحضار المياه النقية مادامت ابنتهما على قيد الحياة،ايضا أصرت الخالة ريحانة على تسريحة واحدة لناي تسقط فيها مقدمة شعرها الأسود إلى منتصف وجهها ليخفي عينيها،وكذلك لم تسمح لأي أسرة من أسر القرية بزيارتهم في بيتها الجديد بإستثنائي انا وامي،ربما لأن امي كانت اكثر الداعمات للطفلة،ولا ينسى الناس داعميهم وقت المحن ابداً،انا لم اتوقف عن زيارتهم كل يوم قاطعاً تلك الأميال من أجل مرافقة الطفلة التي كانت بالنسبة لي اجمل ما في الكون،عيناها صفراوان؟وماذا يهم في ذلك. صار الأصفر لوني المفضل،بل صار كل شيئ تحبه في مقدمة الأشياء التي احبها،قالت لي ذات مرة عندما بلغت الثامنة:  

-نوح انك جميل 

وقتها شعرت بقلبي يدق فرحا كأنني امتلكت الكون بأكمله،لااعرف متى يدق العشق قلوب الاطفال،لكنني اقسم أنني عشقت ناي منذ اللحظة الاولى التي رأيتها رضيعة في مهدها،وها انا اعيش حياتي فقط من أجل تلك الجميلة لأخرجها من القمقم الذي وضعها اهلنا فيه دون ذنب منها ،ولأواجه الجميع بأعلى صوت بأنها مثلنا جميعاً لايعيبها شيئ،وأن اعترض شخص واحد فلن اتوانى عن ضرب رأسه بالفأس التي أقطع بها أشجار غابة  الزافور 

في عامي الرابع  عشر عرفت ان ناي تنتمي للملديين  دون أن اخبر احد بعدما لاحظت  انها تحمل صفتين اضافيتين اكتسبتها على ما أعتقد في عامها العاشر؛ الاولى:حاسة شمها القوية للغاية، والتي كانت تمكنها من الانتباه إلى قدوم احد والديها قبل وصوله إلى البيت بمسافة كبيرة ،حيث كانت تستطيع شم رائحة عربة ابيها عند دخولها إلى الغابة،وعربة امها على بعد نصف ميل على الأقل ،وهذا ماساعدنا كثيراً على التجوال بحرية في جوار بيتها داخل الغابة والعودة قبيل رجوع امها وابيها حينما  كنت أفر من العمل واذهب للقائها،والثانية:انها كانت تستطيع سماع الهمسات التي لاأستطيع اذناي  سماعها داخل الغابة رغم قوة سمعي،تلك الميزة ساعدتها كثيراً على التواري بين الغصون او العودة الى البيت ركضاً  وهي تسدل مقدمة شعرها على وجهها مخفية عينيها ان اقترب شخص غريب منا ، بالطبع لم أخبرها ولم اخبر احد عن ملاحظتي هاتين الصفتين من اجل سلامتها وسلامة اسرتها، بل كنت في داخلي اكثر الاشخاص سعادةً بعدما منحتنا هاتين  المزيتان حرية عبور سياج بيتها بإطمئنان في اي وقت لا يوجد فيه ابواها.  

                

في يوم مولدها السادس عشر صفعني العم بهلول بقوة على وجهي عندما اركبتها ورائي صهوة حصاني وانطلقنا  إلى أعماق الغابة بعيداً في خطأ كبير حتى بعدما عاد إلى البيت باكراً دون أن نشعر أننا ابتعدنا اكثر من عشرة أميال عنه ولم تسعفنا حاسة شمها، لاكنها قبلتني على الخد ذاته في يومنا الثاني معتذرةً مما فعله أبوها. 

هو الآخر اعتذر لي بعد يومين  مما بذر منه عندما قابلني أمام بيتنا، لاكنه فاجأني بطلبه مني الابتعاد عن ابنته قبل أن اكون سبباً في موتها، فقلت له حينذاك دون اي تخطيط مسبق مني: 

-اريد الزواج من ناي عندما تبلغ عامها الثامن عشر. 

وقتها نكز حصان عربته، وتركني مغادراً دون أن يقول كلمة واحدة، قلت لأمي ليلتها وهي تعد ليا الطعام: 

-سأتزوج ناي. 

صمتت،ثم قالت دون ان تنظر الي: 

-احبها واحب عائلتها، لكن ذلك قد يجعلك طريداً مثلها طوال العمر، ستلازمكما نظرات الناس  التي تظنها منبوذة حتى وان صرتما عجوزين، وقد يأتي جندي مجنون ويقدمها للسجن في اي لحظة، حتى وان اثبت لهم الف مرة انها بشرية مثلنا 

قلت: 

-سأحميها بكل ما أملك، اعتقد انني خلقت قوياً من أجل حماية تلك الفتاة الضعيفة، سأبني بيتاً آخر في الغابة، وسأكتفي من الدنيا بها. 

 قالت: 

-لن يرضى ابوك بهذا الأمر مطلقاً. 

قلت ساخطاً : 

-أنني أقطع الأشجار واتقاضى اجراً مثلي مثله،ل لاحاجة لي به ولا حاجة له بي، انها حياتي  

جلست امي أمامي ونظرت في عيني وقالت:  

-انها ملدية وان لم تجتمع فيها كل صفاتهم، لقد أخبرتني امها بذلك السر بعد أيام من ولادتها، ان ريحانة من نسل احد الملديين، جد أبوها استطاع الفرار من المذبحة الكبرى رغم كونه اعمى، وتزوج من بشرية رحالة تعاطفت معه ، وانجبا ستة اطفال، لحسن حظهم جاء جميعهم بشراً كاملين،  استطاعوا بعد  بلوغهم التسلل إلى القرى وتزوجوا من بشر هم الآخرين منجبين أطفالاً عاديين، نقلوا إليهم سرهم بأن اصلهم يعود إلى الملديين، ليتوارثوا ذلك السر جيلاً بعد جيل خشية أن يأتي يوم وتنجب إحدى نسائهم ملدياً سيئ الحظ يمزق الجنود او الناس جسده ارباً، لذا ستجد في بيت كل نسل منهم مسحوقاً ابيضا كان جدهم  الأكبر يحمل مثله، سم فتاك يقتل لاعقه في لحظات، سيتناوله من يولد ملديا  خوفاً  من التمثيل بجثته، كانت ريحانة تستعد لتسميم ناي به ان أوشك رجالنا على  قتلها لولا أن الفتاة نجت بقدرتها على الإبصار، ورغم كل السنوات التي مرت فإنني متيقنة ان ناي تحمل ذلك المسحوق لقتل نفسها أن قرر الجنود اعتقالها يوما ما ، لابد أن امها زرعت في ذهنها مازرعه فيها ابواها من قبل.

ثم زفرت واكملت وهي تنهض:

-ان ريحانة وبهلول يعرفان بأنك تحب ابنتهما، لكنهما رغم كل هذا الحب  الذي يظهر في عينيك لها لن يقبلا بزواجك منها، لاهما ولا ناي التي تعرف عاماً بعد عام حقيقة امرها، وتدرك جيدا أن مصيرها في هذا البلد مرهون بوشاية شخص خسيس عنها، ان كانت تحبك فلن تقبل  ان تصير ارمل في اي لحظة. 

قلت: 

-أنني اكثر من يعرف ناي في هذه الدنيا، اكثر من ابويها نفسيهما، واعرف منذ سنوات انها تحمل صفات الملديين، لاكني لاأعبأ بذلك، حديثك بشأن ذلك المسحوق غير صحيح، لن تقتل الفتاة نفسها ابداً، انها تحبني وتثق بي، وتعرف أنني سأدافع عنها حتى آخر نفسٍ لي، ستعيش من اجلي حتى نموت معاً بعد عمر طويل، وقتما يكتفي قلبينا من نبضهما في هذه الحياة. 

وتابعت متحدياً وانا انهض: 

- سأتزوج ناي عندما تبلغ عامها الثامن عشر  سأتزوجها مهما كانت عواقب ذلك الأمر. 

وخرجت غاضباً افكر فيما قالته امي، وألعن في داخلي الناس والذئاب والجنود، ثم وجدت نفسي اكمل مسيرتي إلى داخل الغابة رغم تأخر الوقت واتجه نحو بيت العم بهلول في مرارة لم أشعر بها من قبل، حتى وصلت إلى سياجه الامامي، وعبرته متسللاً، فخرجت لي ناي بسراجها قبل أن اطرق نافذة غرفتها، وقالت ضاحكة انها صارت تعرف رائحتي انا الآخر ، لم استطع الضحك، وسألتها في اقتضاب: 

- هل امي صادقة بشأن ذلك السم الابيض؟ 

صمتت متفاجئة، قبل أن تخرج قلادة عنقها وتقول وهي تشير إلى قنينة صغيرة معلقة  بها وفي داخلها ذلك المسحوق. 

-نعم يانوح، لن أتركهم يفعلون بي مافعلوه في أجدادي. 

*********************************************************

الفصل الثاني عشر

مصدوما وقفت امام ناي احدق الى قنينة السم الابيض المعلقة على صدرها دون أن أنطق بكلمة ،فتابعت باسمة عندما وجدتني في تلك الحالة : 

-لا تقلق يا فتى ،لن أتناوله إلا أن صرت على يقين تام أنه لا مفر من الاعتقال ،وهذا لن يحدث مادمت بجواري ،أليس كذلك ؟ألن تحمني بفأسك مثلما تعدني دوماً ؟ 

-واصلت صمتي ،فضمت شفتيها وصمتت هي الأخرى ،ثم أخرجت زفيرها وقالت بعدما طال صمتنا طويلاً : 

-لقد سمعت أبي يتحدث إلى أمي عن طلبك الزواج مني بعد إتمامي الثامنة عشر ورغم السعادة التي لتي لم أشعر بمثلها قط عند سماعي تلك الكلمات فإنها المرة الاولى التي يتملك فيها الخوف مني إلى ذلك الحد  

وتابعت وهي تنظر في عيني: 

-لقد عشت حياتي كلها اخاف من كل لحضة قادمة كلجرذ الذي يستشعر مرتجفاً اي خطر وشيك فيركض متوارياً في أقرب جحر خشية من الموت سحقًا بلأقدام لطالما فكرت في أن الموت أهون كثيراً من العيش بهذه الطريقة ،لكن بقي شئ واحد جعلني أتمسك بلحياة ،هو وجودك معي ،إنني أحبك يانوح وأحب بقائك معي لكن إلى متى ستتحمل هذا العبئ ،إنك ترى أمي وأبي وما عاشاه من ذل وتعب وإهدار لحقوقهما نظير صمت أهل القرية عن أمري-لكنهما يبقيان أمي وأبي في النهاية أما أنت ماذنبك في إكمال حياتك يتملكك الخوف مثلي ستسأم عاجلاً أم آجلاً ،حتى وإن حاولت إخفاء ذلك الشعور عني بكل طاقتك. 

-تريد أن تتزوجني؟وماذا بعدها؟ننجب أطفالاً قد يحملون صفات مني؟!يعيشون حياتهم مثلي في ذعر ورعب مع كل وقع أقدام تسمعها آذانهم؟!يعيشون في سجن ابدي لن ينتهي أبدا مادام الناس يؤمنون بنبوءة وبإحتمال ضهور الشاهد من جديد؟!لا يا نوح أقسم لك أنني أحبك حبا لا يستطيع احدا بلوغه لكنّي عندما فكرت مليا بطلبك الزواج مني وجدت أنه اكبر ضرر قد اسببه لك ولن أرضى بذلك ابداً مادمت أحبك ،إن قتلي على يد أحدهم يد أحدهم آت آت يا صديقي بعد يوم بعد شهر بعد سنوات ،مصير قادم لا محالة ،فلا داعي إذن لعيشنا أحلاما لن يأتي من ورائها إلا اليأس والحزن . 

-ثم تساقطت  دموعها وهي تقول : 

-إن أقصى شئ كنت أخشاه هي اللحظة التي أطالبك فيها بلإبتعاد عني لا أعرف من سيحميني بعد ذلك لكن بقائك معي سيظل مهددا لحياتك مثلي وأنا لن أقبل بذلك ،لن أكون سبباً  في إيذائك يانوح . 

مددت يدي إليها ومسحت دموعها ،وقلت: 

-سأبقى معكي يا ناي ،سأبقى وسنعيش معا ما تبقى من عمرنا سيأتي يوم وينسى الناس أمر النبوءة سيدركون خطأ معتقداتهم ،وسيدركون أنها أساطير لا أكثر وحين يأتي ذلك اليوم سأبني لنا بيتا في أعناق الغابة لنعيش فيه أنا وأنت وأطفالنا ،إن غابتنا كبيرة للغاية ولن يستطيع أحد الوصول ألينا وأمسكت يدها برفق وقلت : 



-إنني أطلب الزواج منك الآن يا ناي ،لن أنتضر بلوغك الثامنة عشر ،تباً لتلك التقاليد ،اقبلي الزواج مني وسأدلف حالا لأبيك وأوقضه وأخبره بأنني سأبدأ في بناء بيتنا البعيد في الصباح،إن قلبي لم يدق عشقا إلا لك يا ناي ،ومادام يواصل دقه فسأعيش كل لحظة من أجل إبقائك كادت ترد لكننا سمعنا صوت أمها ينادي بإسمها فجأة فتحركنا سريعا نحو فناء البيت الخلفي ثم تكرر نداء أمها ،فهمست لي بأن نغادر ونتقابل في اليوم التالي مع ذهاب أبيها وأمها إلى عملهما كي نكمل حديثنا فأومأت برأسي ايجاباً ثم إقتربت منها موحيا لها بأنني سأقول لها شيئاً فمالت لي بجسدها ففاجئتها وانتزعت قنينة السم من قلادتها وابتعدت صرخت متفاجئة  مما فعلته ،ومعاها نادت أمها بإسمها في خشية أن تكون في خطر  فقلت باسما وانا ابتعدت عن السياج المنخفض: 

-لست في حاجة إلى هذه القنينة سأقابلك غداً ، وفكري في طلبي الزواج منك كي أحضر أمي وآتي إلى أبيك سأنتضر ردك غداً. 

قالت: 

-أرجوك يا نوح اعطني هذه القنينة ،لا أعرف إن كان لدى أمي قنينة اخرى أم لاء . 

قذفتها في الهواء والتقطتها من جديد ، وقلت باسما. 

-ربما أتناوله غدا إن لم تقبلي طلبي  

نادت أمها من جديد ،فأشرت لها كي تجيبها وأن تنسى أمر القنينة ،حاولت الإقتراب مني ،لكني عبرت السياج  إلى جانبه الآخر ،ثم إقترب صوت أمها أكثر ،وظهر صوت ابيها في الأرجاء هو الآخر بإسمها واسم أمها ،فاظطرت العودة إلى  للفناء الأمامي لتجيب ندائهما وهي تنظر إليَّ فغادرت  عائدا في إتجاه القرية ممسكا قنينة السم في يدي ومتمنيا في داخلي ألا تكون لدى أمها قنينة أخرى ، مفكرا في التخلص منها في مكان لا يصل  إليه كائن حي قد يتناولها عن طريق خطأ ،لذا أكملت سيري بعيدا عن قريتي حتى وصلت إلى جرف بحيرة جِمارة الجافة وهنالك جلست . 

كانت أرض البحيرة الصخرية تلمع بشدة أسفل ضوء القمر  الذي كان أحدب في ذلك التوقيت  ،فكرت في هيئة سمائنا قبل أكثر من تسعة عقود وكيف كان بها بدر إضافي ساطع على الدوام يضيء بشدة ليالي وادينا ، حتى أن أسقف الحانات الهرمية وقتها كانت تحمل نوافذ مربعة كبرى يعبرها الضياء فلا تحتاج إلى مشاعل لإنارتها لتنتعش الحياة ليلاً  خلال  تلك الآونة وتدون الكتب  ان أحد أسباب ازدهارنا قديما هو ضوء الشاهد الذي جعل العمل يستمر اليوم بأكمله لانهاراً فقط مثل البلدان الاخرى،ثم جال في بالي ماتعلمته من أصل الملديين وعن النظرية الأكثر انتشاراً عن نشأتهم الاولى في هذه الارض قبل مئات السنين ،والتي تقول انه قبل قرون طويلة كان هناك ملك مغرم بالنساء تزوج اكثر من سبعين امرأة، ثم ضهرت في المدينة فتاة جميلة اسمها 《ملدة》فهام بها عشقاً وأراد أن يتزوجها هي الاخرى، فرفضت فأشعل ذلك غضبه، وأمر جنوده بأن يكبلوها ويأتوا بأحد ذئابه لينكحها امام ضيوفه عقابا لها ، لكن احد لم يتوقع أن تحمل تلك الفتاة بعد ذلك بسبعة اطفال في بطن واحد، ولد منهم اربعة احياء؛طفلان وطفلتان  كانت عيونهم صفراء لاترى وشعورهم  كالفراء، نبذهم الناس لسنوات طويلة فعاشوا في الغابة مع امهم ، حتى اكتشف أحدهم في سن العاشرة قدرته على التخاطر مع أحد الذئاب ومقدرته على الرؤية من خلال عينيه لدرجة انه استطاع عبور غابة الزافور  من شرقها إلى غربها دون تعثر، ومن بعده استطاع إخوته فعل الأمر نفسه، ثم عرف عنهم ذلك الأمر  فكانت طامة كبرى عليهم  وعلى امهم ، اذ احضروا  للملك فوجدها فرصة عظيمة لتقوية حكمه بفهم عقول الذئاب،وكرر أمر اغتصاب الذئب لأمهم《ملدة》فأنجبت ملديين اخرين،ثم حاول فعل الأمر نفسه مع نساء أخريات لكنه لم يفلح ،لتبقى تلك المرأة حبيسة لديه تنجب اطفالاً من الذئاب،حتى ماتت.



تكاثر الملديون فيما بينهم بعد ذلك ولم يتزوجوا من غير جنسهم،وقيل ان الحبلى منهم كان بإستطاعتها إنجاب ستة او سبعة اطفال في الحمل الواحد مثل الذئاب،وبمجرد وصول كل ملدي سن العاشرة كان يستطيع  التخاطر مع ذئب ما يختاره،ويستطيع احياناً رؤية الأشياء من خلاله رؤية مشوشة بللونين الابيض والاسود فقط ،ثم أعلن أحدهم بعد سنوات عن قدرته على استقدال  الرؤى التي بينها الشاهد  الى الذئاب،فسجلت لأول مرة العلاقة الوطيدة بين شاهد السماء والذئاب، لتزداد مكانة الملديين اكثر وأكثر لدى الملوك.

خاصة من استطاع منهم التخاطر مع الذئاب (صامون) القاعدة الحقيقين لبقية الذئاب، لكن في الآن نفسه لم يسمح الحكام بتزايد عددهم خوفا من تمردهم،وبعد بلوغ عددهم اربعة آلاف ملدي آثروا تحديد نسلهم، فسمحو لنسائهم بلإحتفاظ بطفلين فقط من كل مرة حمل، وأمروا الجنود بإقتياد بقية الأطفال الى البحيرة لإغراقهم فيها، حاول الملديون التمرد حين ذاك، لكن اعتقالهم جمعيها واحتجازهم في قفص كبير يتوسط المدينة واشتعال النار من حولهم تمهيدا لإحراقهم جعلهم يتراجعون ويخضعون لأوامر قادة البلاد، ذكرت كتب التاريخ ان الناس تجمعوا حول ذلك القفص في خوف كبير من تمرد الذئاب على إثر العلاقة القوية بينها وبين الملديين، لكن ذلك لم يحدث وانتهى الامر بلإمتثال لأوامر بلإكتفاء بطفلين فقط، وإن تركت تلك الحادثة شرخا عظيما بين الملديين و الذئاب، اما الأمر العجيب الذي دون عنهم ايضا ان اجساد الأنقياء منهم، اي الذين يمتلكون كل صفاتهم، كانت مثل اجسام الذئاب تحتفظ بهيئتها سليمة عشر سنوات بعد الموت، ثم تبدﭢ في التحلل بعد ذلك، لم تضع الكتب القديمة تفسيرا منطقيا لذلك، لكن طبيبا قديما دون في احد كتبه ان انسجة أجسادهم تختلف بعض الشيء عن انسجة اجسادنا نحن البشر، وتحتوي غددا اضافية وإن بدوا امامنا بهيئة تماثلنا، مرجحا خطأ نظرية الأم المغتصبة من ذئب الملك، و مفترضا نظرية أخرى بأن اسلاف الملديين أتوا الى عالمنا بصفاتهم عبر إحدى العابرات وتناسلو فيما بينهم هنا، يدعم فرضية الأساطير التي أكدت مقدرتهم على الوصول الى عابرات أعماق الجبال مثل الذئاب، وإن ظلت النظرية الأولى المتعلقة بالفتاة (مِلدة) هي الأكثر شيوعا في تراثنا القديم.  

أيا كان فقد انتهى عهدهم مع انتهاء عهد الذئاب ومن فر من مذبحتهم الكبرى واستطاع الإندماج مع لبشر لم يبق منه الا  نسل يحمل صفات قليلة لا قيمة لها مثل ناي، بل يحمل عبئا لا ذنب له فيه، فكرت اثناء جلستي تلك ان ناي إن كانت ملدية كاملة قد يحتفظ جسدها بهيئته لعشرة اعوام بعد موتها مثل اسلافها الملديين الأنقياء، لكن مع عينيها التي ترى وشعرها الأسود الناعم البشري كان ذلك الاحتمال ضمينا، ضريت رأسي لأبعد تلك الافكار برمتها عنه، وهمست لنفسي لا لن تموت الفتاة، لن يمسها أحد بسوء. 

مطمئناً وأخرجت قنينة السم من جيبي والقيتها بعيدا بكل طاقتي نحو أرضي البحيرة ونهضت عائدا إلى البيت الأدلف إلى غرفتي وأخلع قميصي لأنام ، لم أستيقظ إلا عندما . تحرك جسدي بقوة على غير عادتها لأفتح عيني مندهشا من قبل أن أقفز من سريري مفزوعا عندما وجدت الدماء تسيل من رأسها إلى أذنيها، وأسألها في قلق - ماذا حدث ؟؟ 



قالت في ارتباك شديد - إنه أبوك، ما إن تحدثت معه بشأن رغبتك في الزواج من ناي حتى استشاط غضبا وخرج يلعنك ويلعنها ويلعن أبويها. قلت في ريب وأنا أفكر في تهور أبي خرج إلى بيت العم بهلول؟! قالت:

لا، قال إنه حذر بهلول أكثر من مرة كي يبعد ابنته عنك، لقد خرج وهو يقسم أنه سيخبر الجنود عن ناي، وحين حاولت إيقافه ضربتي بعصا فأسه على رأسي. لم أشعر بشيء بعد ذلك، ولا أدري المدة التي غبت فيها عن الوعي لم أنتظر أن تكمل أمي حديثها وركضت إلى الخارج عاري الصدر. كانت الشمس تتوسط السماء بينما ينشغل الناس في أعمالهم على جانب الطريق سألت أحد المارة عن أبي فقال إنه رآه فى الصباح يركب حصانه دون أن يلقي التحية على أحد، قلت: - هل ذهب تجاه الغابة؟ 

لا أتذكر

قلت:  

هل رأيت العم بهلول هذا الصباح ؟ 

هز رأسه إيجابا وقال: 

نعم، كان يجوب القرية بعربته منذ قليل، ورأيت ريحانة كذلك. فكرت في أن نأي بمفردها في بيتها، وسألت آخر عن أبي في توتر كبير. قال إنه رأه يقطع الطريق نحو «بليجة، وهي قرية كبيرة تقع على بعد ثلاثة أميال شمال قريتنا، ويوجد فيها معسكر كبير الجنود تتحرك منه كل صباح جماعات منهم إلى أماكن تقطيع وتجفيف الأخشاب ليشرفوا على سير العمل بانتظام، بينما يبقى الجزء الأكبر منهم داخل أسواره استعدادا لأي طارئ. مسست إلى نفسي مرتعبا 

لاء لن تفعلها يا أبي ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أخطف فأسًا من شاب كان يقف على جانب الطريق يتناول طعامه، قبل أن أركض وأمتطي حصانا كان صاحبه يغازل امرأة تمر دون أن ينتبه له وقلت معتذرا وأنا أنكز مؤخرة الحصان بقدمي عذرا سيدي، سأعود في الحال. 

ثم ركضت بالحصان وأنا أصبح فيه بكل طاقتي كي يسرع لينطلق بي 

إلى داخل الغابة.

لم أشعر في حياتي بسرعة مرور الوقت مثلما شعرت في تلك اللحظات. كان الحصان يركض بأقصى سرعته ورغم ذلك كنت أشعر أنه أبطأ حيوان على وجه الأرض، كالمجنون كنت أغمقم إلى نفسي - لماذا يا أبي، ما ذنب الفتاة؟!

وأصرخ إلى السماء بأعلى صوت كي تسمعني نالي اهربي، إن الجنود قادمون تتساقط دموعي وأنا أفكر في كلاب الصيد التي ترافق الجنود وأتخيلها تحاصر ناي من كل جانب لتنهش لحمها دون رحمة، لا تضاهي اي سرعة في بلدنا سرعة تلك الكلاب .

الحصان يواصل ركضه بين الأشجار تتكسر أسفل حوافره القصون الجافة، وأنا أواصل ندائي نالاي، إن الجنود قادمون وأحس إلى نفسي مضطربا: - ستسمعني وستهرب لا يهم إلى أين اهربي فحسب وأصرخ إلى الحصان راجيا أسرع علينا أن نصل إليها قبل الجنود. تردد صوت نباح الكلاب فجأة في الأرجاء، فسرت في جسدي رعشا قوية ومعها توقف الحصان بغتة رافعا قائمتيه الأماميتين، ليسقطني من فوقه إلى الأرض ويركض عائدا تجاه القرية وهو يصهل مرتعباً . 

 نهضت وركضت نحو الاتجاه الذي يأتي منه النباح، والذي كان بعيدا من بيت العم بهلول، أضرب غصون الأشجار المتشابكة أمامي الأزيحها عن طريقي وأواصل صراخي بصوت أعلى: 

بعد في كل مكان. 

نااااي اهربي صوت النباح يتواصل، وسمعت ناي تصرخ تجمد جسدي قبل أن أركض في الاتجاه الآخر الذي أتى منه صراخ ناي 

و 

ناي، إنني قادم اتجاوز الأشجار والحشائش والقصون الأفقية وأسقط وأنهض، فيما تواصل تاي صراحها والكلاب نباحها، حتى افتربت من مصدر تلك الأصوات وظهرت عرية الجنود أمامي بحصانيها. كانت خاوية لا يقف بجوارها احد . 

اقتربت أكثر وأكثر نحو رقعة جرداء لا توجد فيها أشجار ولا غصون، رأيتها تقف في منتصفها يحاصرها سنة جنود يمسك ثلاثة ملهم بكلاب يتبعون تجاهها تنظر نحوهم مرتعبة وهي تتحرك خطوات قليلة عشوائية في كل اتجاه بفستان من الكتان الأبيض ممسكة بجاروف حديدي كبير في يدها. وتواصل صراخها إلى السماء تقدمت بفاسي وصحت إليها لا تخافي يا ناي، إنني هنا.

فصرخت انتبه أحد الجنود إلى فضربته بالفأس ضربة أسقطته ، وهجم كلب علي أسقطته هو الآخر بضربة جعلته يعوي متألماء التف ثلاثة من الجنود حولي فركضت ناي في تلك اللحظة من ثغرة بين البقية نحو أشجار الغابة حاول جندي مهاجمتي. أفلت ذراعي من ضربة سيفه الحاسمة في اللحظة الأخيرة وكنت أضرب رأسه بفأسي لولا أن جنديا آخر غرس سيفه في فخذي اليسرى متألما وسقطت لا أقوى على الاستناد إليها، هنالك هوى جندي آخر بدرعه على مؤخرة رأسي، فسقطت على الأرض تسيل الدماء من رأسي مفرقة وجهي، حاولت النهوض لكن أحدهم داس بقدمه على رأسي بينما ظهر آخران وهما يجران ناي إلى الرقعة مرة أخرى، كانت تنظر إلى باكية وتواصل صراحها، حاولت النهوض مرة أخرى فضغط الجندي بحذائه على صدري بقوة في حين تقدم برمحه جندي آخر بدا من درعه وخوذته أنه قائد تلك المهمة نحو ناي المقيدة من الجنديين، صرخت باكيا: 

أرجوكم إنها بشرية مثلنا، إنه بلاغ كاذب كان القائد يتحرك نحوها بخطوات ثابتة محطما الحصى أسفل حذائه العسكري بينما تنظر الفتاة نحوه ونحو رمحه في رعب شديد وهي تحاول التملص من مكبليها، ثم تحررت من أحدهما فقبض الآخر بذراعه على عنقها مقينا حركتها فواصلت مقاومتها حتى أفلتت ذراعها اليمنى وتحسست بيدها قلادة صدرها باحثة عن شئ ما ،لكنها ما لبثت أن أسقطت يدها بائسةًبكيت بحرقة وأنا أتذكر قنينة السم التي اخذتها منها وصرخت من جديد عندما  وقف قائد الجنود على بعد قدمين في مواجهتها: 

-إنها بشرية مثلنا. 

قبل أن تتحجر الدموع في عيني ويتوقف الزمان بي وتسكن كل الأصوات من حولي عندما رفع رمحه وبضربة واحدة غرسه بقوة في منتصف صدرها لتسقط غارقة في دمائها لا تحرك ساكنًا. ....يتبع 

*********************************************************

الفصل الثالث عشر

كنت لا أزال طريح الأرض مدكوك الرأس والوجه أسفل حذاء الجندي عندما أخذت كلاب الصيد تتسمم جسد ناي الغارق في دمائه قبل أن تطلق نباحًا نصيرا وتبتعد عنها في اتجاه عربة الجنود وكأنه إشعار منها أنها فارقت الحياة، حينذاك تقدم قائد الجنود نحو جثتها، فأغمضت عيني كي لا أرى ما سيفعله بها، لكنه اكتفى بنزع رمحه من صدرها واستدار سريعا ليأمر جنوده بأن ينسحبوا إلى عربتهم، توقعت أن يهوي سيف في تلك اللحظة على عنقي ليفصل رأسي عن جسدي إلا أنهم لسبب لا أعرفه تركوني ومضوا في طريقهم، فزحفت بصعوبة على يدي وركبتي اليمنى نحو ناي، كانت راقدة مغمضة العينين شاحبة كالثلج، احتضنتها وأنا أناجيها أرجوك يا ناي انهضي أرجوك لا تتركيني وحيدا، انهضي وسنغادر هذا البلد بأكمله، أرجوك. قبل أن أصرخ إلى عنان السماء صرخة جعلت طيور الأشجار تحلق من أعشاشها. 

بعدما استعدت بأسي بعض الشيء مزقت بنطالي، ولففت قماشة منه بقوة حول فخذي النازفة، ثم حملت ناي عائدا إلى بيتها، بدا على أبيها وأمها أنهما كانا عائدين لبيتهما منذ قليل وقد بحثا عنها بعضا من الوقت دون أن بعرفا شيئًا عن مطاردة الجنود لها، جريا نحوي في جنون، ولما رأيا وجهها الساكن الشاحب وثوبها الغارق في دمائها توقفا مذهولين وكأن صاعقة 

أصابتهما، قبل أن تصرخ خالتي ريحانة وهي تهز جسدها .  وتنادي باسمها

قلت باكيا: 

- لقد قتلها الجنود، ولم أستطع إنقاذها.  

 هوى العم بهلول إلى الأرض يلطم وجهه فيما واصلت خالتي ريحانة عويلها ونداءها جثة ناي راجية لها بأن تنهض وضعت ناي إلى الأرض برفق وابتعدت خطوات باكيًا، فاحتضناها وهما ينتحبان غير مصدقين ريحات بعد دقائق تحسست خالتي ريحانة صدر ناي أسفل فستانها، ثم مزقت عنق الفستان كاشفة صدرها وكانها تبحث عن شيء ما، فأبعدت عيني قبل أن تغمغم إلى زوجها وهي تنشج:  

- لقد طعنت في قلبها، ماتت ابنتنا بلا رجعة. 

وصرخت وهي تضم ناي إليها بكيت بحرقة أنا الآخر، ثم نهضت هائما متجها إلى حافة البحيرة التي جلست عندها في الليلة السابقة، وعندما وصلت إليها هبطت إلى أرضيتها، كانت القنينة لا تزال هناك سليمة كما ألقيتها التقطتها، وعدت إلى قريتي كان الجميع ينظرون نحوي في تعجب وانا أسير أعرج عاري الصدر ممزق البنطال، تتجلط الدماء على وجهي ورقبتي وظهري، وتتساقط من فخذي المُضمدة قطرات من الدماء، حاول البعض إيقافي لسؤالي عما حدث لم أتوقف سمعت البعض يتهامسون عن خبر مقتل ناي وكأن الجنود نشروه في القرية، فامتلأت عيناي بالدموع وانا أواصل تقدمي، كانت أمي تقف عند باب البيت، وحصان أبي معقولا في وتد على جانبه يأكل التين تقدمت، قالت أمي والدموع في عينيها: 

          

- إنني أسفة يا نوح، إنني آسفة يا بني. لم أجبها، وواصلت تقدمي أنظر إلى أبي الذي كان يجلس في المردمة يحدق إلي دون أن يقول شيئًا، لم أزح عيني عن عينه، فوجدته يحرك يده نحو فأسه التي كانت تقبع بجواره، واصلت اقترابي منه، ثم صرخت فيه:  

 - لماذا؟! 

قال في برود:  

لن يتلوث نسلك بهم . لقد فعلت ما في مصلحتك. 

زعفت فيه:  

. إنك أحقر من رأيت في حياتي.

ثم أمسكت رأسه بقوة حاول أن : يضربني بفأسه، فأمسكت بمعصمه وضربت يده في مسند الأريكة التي كان يجلس عليها، فسقطت الفأس منها 

صرخت أمي : 

إنه أبوك يا نوح 

قلت: 

- لا، إنه قاتل حبيبتي. 

ثم قبضت على فكه السفلي باقصى قوتى لأفتحه، وبإبهام يدي الأخرى ازلت سدادة قنينة السم، وأفرغت ما فيها بالكامل في حلقه، ثم أغلقت فيه من جديد بإحكام، وعندما سقط أمامي ينازع اختناقه محتقن الوجه جاحظ العينين غادرت راكبًا حصانه عائدا إلى الغابة مرة أخرى. 

في فناء بيت العم بهلول كان الجمود لا يزال مسيطرا على كل شيء، جثة ناي في الموضع نفسه الذي تركتها فيه، يجلس بجوارها أبوها وأمها هائمين ساكنين يحدقان نحوها بأعين زائغة ولا يدريان شيئًا من حولهما، نزلت من فوق حصاني وتقدمت إليهما، وحاولت النطق لكني لم أستطع، فجلست بجوارهما صامتا. لم يأتِ أي من أهل القرية لمواساتهما في مصيبتهما، كان جميعهم جبناء خشوا أن يتورطوا في إخفائهم أمر وجود ناي كل تلك السنوات فيعاقبهم الجنود، أنذال، مثلهم مثل أبي يستحقون جرعة كبرى من السم الأبيض. 

عند اقتراب الشمس من المغيب نطقت إلى العم بهلول اخيرا بأصعب شيء قد أقوله: 

أين تريدني أن أحفر قبرا سيدي؟ لم يجبني وظل صامنا غارقا في شروده، لكن خالتي ريحانه قالت وهي ترتشف دموعها: 

نريد برميلا من القار الأسود أولا يا نوح. 

تعجبت من طلبها، وتساءلت: 

- لماذا؟! 

قالت بصوت تخنقه الدموع:  

حتى لا يصلها ضوء الشاهد عندما يظهر في السماء من جديد نريدها أن ترقد في سلام إلى نهاية الزمان. 

أطلقت زفيري في سأم، وهمست إلى نفسي: 

- النبوءة مجددا! 

ثم حدثتها مفكرًا في أن الصدمة أتلفت عقلها: 

. إن الشاهد إن ظهر سينهض الذئاب فحسب، خالتي.  

قالت دون أن تنظر إلي: 


                

والملديون كذلك  

 توقفت عند كلمتها مستغربًا، ورغم أنني كنت أشك فـي سلامة عقلها في  تلك اللحظة فإنني قلت مؤكدًا ومستفهما في الآن نفسه: 

- لم تذكر النبوءة شيئًا عن الملديين الموتى. 

قالت: 

- نعم هذا صحيح. 

قبل أن تتابع: 

لكن ما لا يعرفه الناس أن ما دون على حائط الرؤى هو نصف النبوءة فقط.  

وأكملت . حين نظرت لها متعجبا من نبرتها الواثقة ، لقد كان جدي الأكبر، هو من استطاع تلقي رؤية الشاهد الأخيرة، ودون على حائط الرؤى الجزء المتعلق بالذئاب فحسب، أما الجزء المتعلق بنهوض  الملديين مع الذئاب فاكتفى به لنفسه ولذريته من بعده خوفا  من إحراق الناس لكل من يشكون في كونه ملديا. 

أطلقت إيماءة مستنكرة، وقلت:  

وما الفارق بين الموت حرقا والموت بأي وسيلة أخرى؟!

قالت: 

اعتقد جدي أن الشاهد سيستطيع رؤية ذئب صامون، ويعاود الظهور خلال العشرة أعوام الأولى بعد اختفائه على الأكثر، قبلما تتحلل الأجساد وتصير عظاماً، لكن السنوات مرت تباعا ولم يظهر الشاهد وعندما شعر بقرب انتهاء أجله مرر لنسله من البشر قنائن السم كي يتناوله من يأت ملديا من ذريته ليموت بأعضاء سليمة ينهض بها إن جاء يوم وظهر الشاهد من جديد.  

يبدو أن ناي لم تستطع استخدام قنينتها رغم أنني أفنيت عمري أحدثها كذبا عن تمثيل الجنود بجثتها إن أمسكوا بها، كنت أريدها أن تحتفظ بقلبها سليما لعل الشاهد يظهر قبل تحلل جسدها وتعود للحياة مرة أخرى، أما الآن فإن نهضت مع ذلك القلب الممزق داخل صدرها فلن تكون إلا شبحًا لا دماء فيه، ميتا يتحرك، لذا لا بد وأن نغطي قبرها بطبقة من القار مثل الوادي الأسود، لن يرحمها الناس إن نهضت، سيمزقونها وسيطعمونها للكلاب، حتى وإن لم يفعلوا فلا جدوى من 

عيشها. 

قلت مندهشا مما تقوله: 

- لا أصدق شيئًا من ذلك. 

قالت مصممة:  

- إنها الحقيقة، أليس كذلك يا بهلول؟ كان العم بهلول لا يزال صامتاً محدقا إلى جثة ابنته، لكنه هز راسه إيجابا.  

فكرت فى أن ناي ليست ملدية مكتملة الصفات يحملها صفات بشرية سائدة مثل إبصارها وطبيعة شعرها، لذا احتمالية بقاء جسدها سليما ملا العشرة أعوام التالية كان أمرًا مستبعدا من الأساس، لكن ماذا لو كان ما تحدثت بشأنه خالتي ريحانة حقيقيا؟ ماذا لو وعد الشاهد حقا  بعودة الملديين مع الذئاب؟ ماذا إن عادت ناي للحياة مرة أخرى ؟! بعد عام بعد عامين بعد عشرة ؟! حتى لو بعد أعوام أكثر من ذلك ؟! حينذاك اعدت  سؤالي إليها: 

 هل أنت صادقة بشأن ذلك الجزء من النبوءة يا خالتي أم أن موت ناي أثر على عقلك ؟ 

قالت في هدوء: 

اذهب إلى حائط الرؤى ستجد النبوءة محفورة عليه وبجوارها حروف منقوشة على مسافات، إنها الحروف الأولى من النصف الباقي من النبوءة «سينهض الملديون وستشع عيونهم بالأصفر من جديد ليقودوا الذئاب أخوة متعاهدين ضد البشر»  

س او س ع ب م ج ل ا أم ضا 

ظنُّ الناس أن ذلك نوع من السحر، لكنها رموز وضعها جدي كي يثبت رؤيته فيما بعد. 

قلت وأنا أفكر في أنني لم أر حائط الرؤى من قبل خاصة أنه نقل إلى «تيبيانا» قبل عقود، ويُقال إنه مُلقى هناك في مكان قذر، وقد تهشم جزء كبير منه:  

- أريد دليلا آخر. " 

صرخت في:  

إني أخبرك  بالحقيقة إن كنت تحبها حقا أحضر لها ذلك القار اللعين  

صرخت فيها: 

أريد دليلا آخر على أن ناي قد تنهض إن عاد الشاهد للظهور. نطق العم بهلول للمرة الأولى:  

انظر إلى لون عينيها، لن تجده أصفر مثلما تعودت أن تراه 

 نظرت إليه مستغربًا، كانت عينا ناي مغلقتين منذ اللحظة التي سقطت فيها غارقة في دمائها ولم أحاول فتحهما، ودون أن أقول شيئا تحركت نحوها، وبرفق رفعت جفن عينها وحينها انتفض جسدي إذ وجدتها زرقاء كالسماء الصافية. 

فأردف: 

- ستعود للونها إن نهضت قبل تحللها، لكن بلا قلب سليم ستكون شبحًا مثلما قالت ريحانة، لن تعود ناي التي تعرفها أبدًا.  

واصلت تحديقي في ناي، ومددت يدي وفتحت العين الأخرى كانت زرقاء أيضًا، هنالك أغلقت عينيها في رفق، وقلت لأبويها: 

 - لن أغطيها بالقار مثلما تريدان، ولن أدع جسدها يتحلل، إنني أستطيع الحفاظ على سلامة جسدها حتى يظهر الشاهد من جديد أو أموت، أيهما أولا.......  يتبع 

*********************************************************

الفصل الرابع عشر

مروة طارق  
لم أظن يوما أنني قد أفعل ما فعلته في تلك الليلة، أن أذهب بمفردي إلى مكان قصي مظلم في قرية لم أزرها في حياتي إلا مرتين، وأن أتتبع شخصا كل ما أعرفه عنه هو حسابه الإلكتروني على موقع فيسبوك، وأن أعبرر وراءه سور بيت مهجور في ليلة مطيرة كان طقسها الأغرب على الإطلاق منذ سنوات. 

قبل أيام من تلك الليلة تلقيت اتصالا من ،فاروق، زميل دراستي الذي يعرف أناسا في قرية« البهو فريك» يخبرني فيه عن اكتشاف أحدهم إزالة كومة طين قبر الشيخ موسى وإغلاقه بالطوب المرصوص فحسب، وتأكيد أحد سكان البيوت المحيطة بالمقابر له رؤيته لخالد وهو يغادر المقابر بجوال منبعج قبلها بيومين في وقت متأخر من الليل، ورغم أنني فكرت وأنا أنهي المكالمة أن أنسى أمر ذلك الذئب وأركز على باقي رسالتي العلمية فإن غضبا في داخلي من ذلك المدعو «خالد» جعلني أرغب في العودة إلى تلك القربة مرة أخرى لأعرف سبب إصراره على حرماني من ذلك الاكتشاف، لا سيما أننا صرنا نمتلك شاهدا على فتحه قبر الشيخ موسى، بيد أن الأسباب تجمعت تباعًا لتؤخرني أيامًا عن الذهاب إلى تلك القرية، تارة تصاب أمي بفيروس كورونا، وتحجز في المستشفى، وتارة تضع أختي مولودها الأول، وتارات أخرى تفعلها سيارتي وتتعطل كالعادة، إلى أن جاء  يوم الفرج أخيرا واستطعت توفير يوم  للسفر إلى تلك القرية، ورغم سوء الجو منذ صبيحة ذلك اليوم وتذبذب أداء شبكة الاتصالات الهاتفية وتعطل سيارتي مرتين في الطريق فإنني أصررت على إكمال الطريق إلى هناك، حتى وصلت القرية  قرابة التاسعة مساءً لأجد شوارعها خاوية في ذلك التوقيت وكانها صارت قرية من الموتى مع سوء الطقس. حاولت مهاتفة فاروق أكثر من مرة لكني لم أستطع بسبب تلاشي الإرسال مع اشتداد الهواء كنا قد اتفقنا صباحا في آخر مكالمة هاتفية بينا اننا  سنلتقي في القرية في تمام الخامسة مساءً ومن بعدها ساءت شبكة الاتصالات تماما، أرسلت له رسالة إلكترونية عبر تطبيق واتس أب أخبره  فيها أنني وصلت القرية، لعل بصيصًا من الإرسال يصل الهاتف فيعلم انني أمكث في انتظاره، ثم ركنت سيارتي على جانب طريق قريب من بيت خالد وبقيت في داخلها أنظر إلى هاتفي كل دقيقة آملة أن تُرسل رسالتي، بينما  يواصل المطر هطوله في الخارج. 

فكرت في النزول إلى خالد ومواجهته بمفردي، لكني كنت أعرف انها  ستكون مواجهة بلا قيمة، إذ كان من المفترض أن يأتي فاروق وصديقه  بالشاب الذي رآه يتحرك بجوال من منطقة المقابر كي لا ندع له محلا للإنكار، إلا أن كل شيء صار في مهب الريح مع عدم قدرتي على الوصول إلى فاروق، حتى فوجئت بما لم أتوقعه قط، خالد يخرج من بيته حاملا حقيبة على  ظهره  سوداء، ويتحرك في الشارع أمامي دون أن ينتبه إلى سيارتي، واريت جسدي سريعا خشية أن يلتفت إلى السيارة فجأة، قبل أن أنزل منها واتسلل  من بعيد، كان الأمر برمته غريبا، أن يخرج من بيته في ذلك التوقيت رغم سوء الطقس، ثم يتخذ طريقا يمتد من المنطقة السكنية نحو الأراضي الزراعة وينير مصباح رأسه ليضيء الظلام أمامه كأنه أعد العدة لتلك المسيرة المرية.  
     

 واصلت ملاحقتي له عن بعد رغم تعثري في حفر المياه الضحلة التي سببتها الأمطار وتلطخ بنطالي وحذائي بالطين عن آخرهما، يساعدني في تعقبه نور المصباح الذي يحمله فوق رأسه وبين حين وآخر كنت أنظر الى  شاشة هاتفي لعله التقط إرسالا لكنه لم يحدث. 

لا أنكر الخوف الذي اصابني مع ابتعادي كثيرًا عن المنطقة السكنية  وتكرار البرق والرعد الكثر من مرة، وتفكيري في الرجوع إلى سيارتي وشرار والعودة إلى الإسكندرية، وسحقا للذئب والحفريات جميعها، لكني عدلت عن ذلك التفكير  عندما رأيته يتوقف فجأة في مكان ما ويبدأ حفر الأرض أسفل قدمه بجاروف صغير  ليخرج منها جوالا  كان الأمر في تلك اللحظة غريباً جداً بالنسبة لي. إن كان ذلك جوال الذئب ما الذي يدفعه ليدفنه في الوحل بعيداً،  وما الذي يجبره على استخراجه في تلك الليلة بالذات،  فكرت في الإطباق عليه في تلك  اللحظة، لكني تريثت موقنة أن الوقت سيكشف لي إجابات اسئلتي. 

 تحرك بعد ذلك نحو بيت كان يوجد ايضا في المنطقة الزراعية بعيدا عن بيوت القرية، وكلصٍ محترف القى الجوال والحقيبة نحو الجهة الأخرى في من صور ذلك البيت قبل أن يتسلقه، لم يكن لدي حل سوى أن أفعل مثلما فعل وفي سلوك غريب منى تسلقت السور انا الأخرى إلى جانبه الآخر، كان بيتا  مظلما بدا غير مأهولٍ بالسكان، أنرت مصباح هاتفي وتقدمت إليه وأنا أرتجف من الخوف الذي يعصف بي ثم دلفت عبر بابه، فخشخش عقد الصدف الموصول بحلقات نحاسية الذي كنت أرتديه حول عنقي مع السكون القاتل في الداخل، فحررت مشبكه سريعا وكومته ووضعته في جيب بنطالي، ثم نزلت على أطراف قدمي سُلَّما يؤدي إلى قبو يصدر منه ضجيج وبعض الهمهمات، وهناك وجدته يضع حقيبته وجواله ومصباحه المضاء جانبا، ويقف لاهثاً بجوار صخرة كبرى بدا أنه كان يحاول تحريكها عن موضعها في ذلك الأوان لأقول له: 

- هل تحتاج إلى مساعدة أيها الكاذب؟  

التف إلى مضطربًا، وقال في صدمة كبرى: 

أنت ؟! ماذا جاء بك إلى هنا؟! 

قلت: 

لا بد أن القدر أرسلني لأعرف الجريمة التي تخطط لها.  

ورفعت هاتفي لأعلى وقلت بثقة كاذبة وأنا أعرف أنه لا يحمل إرسالا.  

والآن لنبلغ الشرطة لتحقق في أمر رجل يذهب ليلا إلى بيت مهجور  على أطراف قريته، ويعبر سوره ومعه رفات ذئب قديمة استخديها  دون تصريح من أحد قبور القرية.

  نظر إلى مترقبا، فضغطت رقمًا على شاشة الهاتف موحية له انني اطلب النجدة،  وفي داخلي اخشى ان يهاجمني ويكتشف امر زيف مكالمتي لكنه قال:

- أرجوك، لستُ لصا ولا مجرما، إنني أحاول إنقاذ ابني فحسب. أدركت أن اللعبة خالت عليه، فأطلقت إيماءة ساخرة مما يقوله،  فتابع:   

- لقد أخرجت عظام الذئب من القبر حقا، لكنها أصابت ابني بلعنة جعلته  مريضا طوال الشهور الماضية، وعندما أحضرت روحانيا إليه اكد لي انه  ممسوس بجن ما، وسبيل شفائه من ذلك المس هو إعادة تلك العظام الى موطنها، لقد كنت محقة عندما فكرت في احتمالية مجي الذئب قديما إلى بلدتنا من عالم آخر. 


وصمت ثم أكمل:

نعم هناك عوالم أخرى تعيش أسفل هذه الصخرة، أو بمعنى أدق ما يوجد أسفل هذه الصخرة. ضحكت ساخرة، كنت أظنه محتالا قبل تلك الدقائق، صار محتالا ومنونا  وضغطت رقما آخر، فأردف مضطربًا: 

_ تظنين أنني أكذب، لكنها الحقيقة، إنه سر لا يعرف عنه الكثيرون

وجود تلك العوالم هو ما جعلني أخفي عليك عثوري على عظام الذئب، رغم أنَّني لن أستفيد شيئًا من وراء ذلك، لقد خشيت أن يكتشف أمر البلاد فيضر أهلها. 

مجيء الشرطة واعتقالي لن يفيدك في شيء، أرجوك دعيني ألقي بالعظام إلى السرداب الذي يوجد أسفل هذه الصخرة، ، وأعدك بأن....

وقبل أن يكمل جملته انطفأت شاشة هاتفي وهو يطلق صافرته المشيرة إلى نفاد بطاريته، توقعت أن يهاجمني حينها ويؤذيني، لكنه لم يفعل شيئًا من ذلك، وأكمل حديثه هادثا:

 - وأعدك بأن أترك لك عظام الذئب بعدما يُشفى ابني.

قلت:

- هل لي أن أراها الآن؟

قال: 

لا، لن تمسبها إلا بعدما أتيقن من زوال لعنتها عن ابني، وقتها تستطيعين أن تفعلي بها ما شئت، اتفقنا؟ 

ضممت شفتي مفكرة، ثم أومأت له موافقة، بعدها تساءلت وأنا أنظر إلى الجزء  الظاهر من الباب الحديدي المغلق أسفل الصخرة:

- هل يوجد شيء خطير أسفل هذا الباب؟

قال:

إنها قصة يطول شرحها، ونحن ملزمون بالساعات المتبقية على زوال البدر، لكن على كل حال هناك نفق صغير سأعبره ثم سرداب سأضع فيه العظام وأعود.

قلت

سنعبره، وسنضع، لن تتركني وحدي هذا.

نظر في عينيَّ مفكرًا، ثم هز رأسه إيجابا وقال:

حسنا

ثم تابع بعد برهة: 

- لتساعديني إذن في تحريك هذه الصخرة.  

زحزحنا الصخرة معا لنبعدها تماما عن الباب الحديدي الذي فتحه خالد فأصدر صريرًا صاخبا، بعدئذ وجه ضوء مصباحه إلى داخله فدق قلبي عندما أبصرت سلمًا حديديا يهبط عموديا من ذلك الباب الصغير، فقال: 

 إنه نفق ضيق، الهواء فيه قليل، عليك أن تتبعيني بلا تلكؤ للخروج منه سريعا إلى السرداب، وإلا سيصيبك الاختناق 

ترددت للحظة وأنا أنظر مجددا إلى الأسفل، لكني هززت رأسي في النهاية موافقة، فأعطاني حقيبة ظهره، وقال: 

- دعي هذه معك. 

حملتها على ظهري، فهبط قبلي ماسكا جوال العظام، وهبطت من ورائه كما قال تماما كان حيز النفق ضيقا للغاية تملؤه شباك العناكب، وقبل أن تمر دقيقة واحدة شعرت أن صدري يضيق من قلة الهواء، فكرت في العودة مجددا إلى أعلى، لكنه أمسك بمعصم يدي، وتقدم بي سريعا نحو باب خشبي صغير يقع على جانب النفق ما إن عبرناه حتى ارتوت رئتاي بالهواء، لكنه نطق مستاء وهو يلهث:  


- الغيوم!  

_تساءلت وأنا أنظر إلى الفراغ المظلم أمامنا: 

- ماذا؟ 

قال:  

- إن الغيوم الكثيفة تمنع البدر من إضاءة السرداب، إنها المرة الأولى التي أراه بهذا الظلام. 

ضحكت ساخرة:  

- وكيف سيصل ضوء البدر إلى الأسفل هنا أيها المتحذلق؟ 

قال:  

- لن تصدقي إلا إن رأيت الأمر بنفسك.  

ثم تحرك بي لنهبط على مهل   سلما طويلا كان عدد درجاته وعمقه 

غريبين جداً بالنسبة لي. سألته وانا اهبط بحذر:  

- أهذه مقبرة فرعونية ؟ 

قال:  

لا إنه سرداب فوريك الذي بناه «فوريك»، أثرى المماليك الذين عاشوا في قريتنا قبل قرون. 

ضممت شفتي مستغربة. كان ما يحدث مذهلا بالنسبة لي خاصة عندما وصلنا إلى قاع السلم، فحرك ضوء مصباحه في الظلام أمامنا لأجد ممرا طويلا ترتفع جدراته على الجانبين إلى عشرة أمتار تقريبا، فتابع ونحن نتقدم في الظلام مسترشدين بمصباحه: 

_عند خط معين في هذا العمر سيدفعك السرداب إلى طريق إجباري ينتهي بأرض  أخرى يعيش فيها أناس تختلف عيشتهم عن عيشتنا. 

 قلت مازحة وأنا مذبذبة بين التصديق وعدمه: 

 ربما علينا خوض المغامرة الآن.  

قال: 

لا إن تلك المدينة مغلقة في هذا الوقت من العام، إن دفعنا السرداب إلى هناك سنموت جوعا أمام بوابتها الكبرى التي تفتح مرة واحدة في العام، وتلك المرة ستكون في اليوم الثاني عشر الذي يلي بدر الشهر القادم، هذا إن كانت حساباتي دقيقة ولم تغير قواعدها منذ زيارتي الأخيرة لها. 

ثم بدأ يحرك ضوء مصباحه على الجدران يمينا ويسارا كي يريني النقوش المرسومة عليها، لأفتح فاهي من الانبهار، قبل أن يتحول ذلك الانهار إلى قلق ورعب عندما تعثرت قدمي بشيء مكور أجوف تدحرج على إثر تعثري به. وحين وجه إليه خالد مصباحه وجدناه جمجمة بشرية، فصرخت، فقال في هدوء:  

- لا تخافي، سيقابلنا الكثير منها. فتقدمت وراءه رغم الفزع الذي أصابني كليا، حتى توقف بنا بعد عشرين دقيقة من السير، وقال وهو يهم بالجلوس:  

- أعتقد أننا قطعنا مسافة كافية داخل السرداب أخشى أن ألا تنزاح الغيوم عن البدر فيضيع كل تعب هذه الليلة هباءً وانتظر شهرا آخر حائرا في مرض ابني.  

سألته وأنا أجلس بجواره عما أصاب طفله، فحكى لي ما حدث له منذ الليلة التي اخرج فيها عظام الذئب وما راه من رؤى عبر ملامسة جبينه واختتم حديثه وهو يخرج العظام من الجوال ليضعها بجوارنا:  

إنها محاولة إن لم تنجح سأضطر للذهاب إلى بلاد ما وراء هذا السرداب منتصف الشهر القادم  

ثم وجدته يخرج من حقيبته كمامة كلب جلدية تتصل بحبل طويل ويثبتها بإحكام على مقدمة جمجمة الذئب التي أدركت من رؤيتي الأولى لها أنها لذئب رهيب، ويقول: 

_علينا ان نتوقع اي شيء  

مددت يدي منبهرة كي امسك بالجمجمة، فأزاحها بعيدا عن يدي وقال:   

 كما اتفقنا، بعد شفاء ابني.  

فأومأت برأسي إيجابًا، فأسند رأسه إلى الحائط، وتابع:  

- سنبقى حتى طلوع النهار لعل البدر يظهر في لحظة ما. 

 ثم بدأ يحكي لي ما حدث له في زيارته الأولى والثانية إلى أرض زيكولا وكلما تعجبت من شيء في غير تصديق قال نفس الجملة: عندما ينير البدر السرداب سيبدأ عقلك في تصديق ما أقوله.  

أسرعت تلك القصص من مرور الوقت، حتى أن الساعة وصلت الثالثة صباحًا دون أن نشعر، وقتئذ وضع خالد عظام الذئب الجوال ونهضنا لنتحرك أعمق في السرداب، أمسكت أنا بالمصباح تلك المرة وحركته. 

*********************************************************

الفصل الخامس عشر

نوح  

قلت لأبوي ناي: 

لن أعطيها بالقار مثلما تريدان ولن أدع جسدها يتحلل، إنني أستطيع الحفاظ على جسدها حتى يظهر الشاهد من جديد أو أموت، أيهما أولا. 

قالت خالتي ريحانة:  

حتى وإن استطعت لن يفيد ذلك في شيء يا بني  

قلت مصمما:  

لا أعرف ماذا سيحدث مستقبلا، ولا أعرف متى قد يظهر الشاهد، لكن حتى تأتي تلك اللحظة سأحافظ على جسد ناي من الشمل إن لم تكن قد حطيت بمزية الاحتفاظ به لعشرة أعوام مثل الملديين الأنقياء. وسأعمل على إيجاد طريقة لإصلاح نسيج قلبها قبل نهوضها. 

قال العم بهلول متذمرا:  

لا تعبث معنا يا فتى اتركنا وشأننا 

قلت:  

- إنني لم أحب في حياتي مثلما أحبت ابنتكما، وإن كانت هناك ذرة أمل لعودتها إلى الحياة فلن أتخلى عنها أبدًا، أرجوكما دعا لي هذه الفرصة. 

هزت زوجته رأسها نفيا، وقالت: 

لا يا نوح، لقد قضي الأمر، عد إلى بيتك 

قلت بنبرة أعلى:

لن أبرح هذا المكان إلا ومعي ناي 

صرخ في العم بهلول: 

ارحل من هنا، لقد مانت ناي، وليس لدينا طاقة نضيعها في ترهانك وغمغم باكيا مؤنيا نفسه :

_كان لا بد أن تبتعد أكثر في الغابة . يوم قررنا ترك القرية، وكان علي أن أمنع زياراتك وزيارات أمك إلينا كي نقطع كل صلة بمن يعرفون بأمرها.

لذت  بصمتي لبعض الوقت مفكرًا، ثم قلت متراجعا مع الإصرار الذي وجدته في أعينهما من رفض ما عزمت عليه:

. حسنا، أستطيع مساعدتكما في حفر القبر، لكني لا أستطيع العودة إلى القرية من أجل إحضار القار، لقد قتلت أحد الجنود الذين تسببوا في قتل ناي، وسأعتقل إن عدت إلى هناك. -

حينذاك قالت خالتي ريحانة اذهب يا بهلول وأحضر أنت برميل القار من القرية، أما أنت يا نوح فاحفر قبراً في الفناء الخلفي للبيت واجعله عميقا على قدر المستطاع. هززت رأسي إيجابًا، وأوما زوجها إيجابا كذلك.

كان الليل قد أسدل ظلامه عندما أحضرت جاروفا  وفأسًا ومصباحًا زيتيا وأخذت أحفر الأرض الرطبة على بعد خمسة عشر قدما من باب البيت الخلفي، بينما جهز العم بهلول عربته ذات الحصان، وثبت مصباحًا مُضاء في مقدمتها، وتحرك بها في ناحية القرية واهنا مطأطئ الرأس منتفخ الأجفان من كثرة البكاء، في حين بقيت الخالة ريحانة بجوار جثة ناي في الفناء الأمامي للبيت تنظف جسدها بالماء وتلبسها فستانا سماويا نظيفا، وتصفف 

                

شعرها، وتزينها بخلي ذهبي أظن أنها اشترته قديما عندما باعت بيت القرية  وحفظتها من أجل هذا اليوم، إذ اعتاد قومنا دفن موتاهم مع أثمن ما لديهم.  

 بين حين وآخر كنتُ أتوقف عن الحفر وأتطلع إلى القمر في السماء، أنا الذي لم أتمن يومًا صدق نبوءة حائط الرؤى صرت في لحظة أتمنى ظهور الحال حتى وإن أعاد كل الذئاب القديمة وطاردوا أناس بلدنا،  فكرت في ان بشر هذا الزمان لم يقترفوا جرما بقتل الذئاب، إذ فات على ذلك التاريخ أكثر من تسعة عقود، ولم يعد أحد ممن شاركوا في تلك الحرب على قيد الحياة، كما أن الحكايات القديمة كانت تروي ان اجدادنا لم يفعلوا ذلك إلا دفاعا عن أنفسهم بعد تمرد الذئاب وقتلها الآلاف منهم، ثم فكرتُ في حديث خالتي ريحانة المتعلق بنصف النبوءة غير المعلن وخوفها من نهوض ناي لتصبح جثة متحركة، وسألت نفسي: 

  ماذا إن فعلنا ما أرادته وغطينا القبر بالقار، وجاء يوم وظهر الشاهد ولسبب ما أزيل ذلك القار عن القبر بقصد أو دون قصد، تعرف أن ضوء الشاهد يخترق التربة الطينية والرمال لذا استُخدمت طبقات القار، فماذا لو حدث ذلك الافتراض، أليس أمرا واردا؟ 

بلى،  لا يوجد شيء مؤكد لي هذه الحياة  

أجبت نفسي وأنا أضرب الفأس بقوة وأنحسر على رفض السيد بهلول وزوجته طلبي متذكرا أحد العمال الذين عملوا معي منذ عامين وهو يخبرني أنه كان يعمل غرب الغابة . صناعة الثلج الذي تعتمد عليه حانات القرى هناك، وكيف كانوا يحضرونه كُتلا من قمم جبال الغرب ليخزنوه في هياكل مخروطية حوائطها مصنوعة من الطين والرمال وشعر الماعز بنسب معينة، يسمى الواحد منها «ياخشال»، تستطيع تلك الياخشالات حفظ الثلوج في داخلها لأسابيع حتى في أشد المناطق حرارة، أستطيع فعل الأمر نفسه مع ناي، أستطيع أن أبني ياخشالا يحفظ برودة الهواء من حولها، وأستطيع أن أتي إليها كل يوم بثلج من قمم الجبال لحفظ جسدها إن اقتضى الأمر. وضربت فأسي في التربة أمامي وأنا أحدث نفسي غاضبا: 

إن هذا الطين سيأكل جسدها. 

وضربت مرة أخرى وقلت آسفا:

- إن أباها وأمها يحبانها حقا، لكنهما يقتلانها إلى غير رجعة بوضعها في هذا القبر.

 ثم غرست الجاروف بقوة أكبر، وقلت:

- لو كانت على قيد الحياة وخيرت فيما يصير لها بعد موتها، لاختارت أن أحفظ جسدها حتى يتسنى لنا اللقاء مرة أخرى.

 ثم زفرت بقوة ونظرت إلى الحفرة المستطيلة التي كنت أقف على عمق قدمين في منتصفها، وألقيت الفأس والجاروف جانبا، ثم نظرت إلى حصاني الذي كان يرعى في حشائش الفناء على بعد خطوات مني، وهمست لنفسي:

لن أدعها ترقد في هذا التراب وهناك ذرة أمل بعودتها إلى الحياة من جديد، لن اخذلها مرة اخرى. 



ثم خرجت من القبر المحفور وحملت مصباحي متجها إلى حصاني. وقفزت إلى صهوته ونكزته، ليركض ملتفا حول البيت، كانت خالتي ريحانة جالسة واضعة رأسها بين كفيها بجوار ناي، صحت في حصاني، فالتفتت لي خائفة ومندهشة وأنا أنطلق كالسهم نحوها، وقبل أن تطلق صرختها كنت قد انحنيت بجذعي والتقطت جثة ابنتها من الأرض ووضعتها أمامي، لأهرب بها إلى أعماق الغابة بأقصى سرعة الحصاني.

كانت القرى جنوب غرب الغابة تُعرف بزحامها وتحضرها دونا عن غيرها من القرى، لكني خشيت أن يعثر علي العم بهلول هناك، لذا أثرت المضي قدما نحو الشمال الغربي البعيد، وبعد فترتي استراحة واتخاذ أكثر من طريق مهجور داخل الغابة وضلال طريقي لثلاث مرات وصلت وجهتي أخيرًا مع طلوع النهار، وهناك تحاشيت القرى المطلة على الغابة، واتخذت الطريق الصخري الملتف حولها والمؤدي إلى جبال الغرب وهي أكبر سلسلة جبلية في وادينا، ويُقال إنها تحتوي بين تشعباتها وأنفاقها أربعة من عابرات بلادنا

الست، والتي لم يرها أي من جيلنا، لأواصل تقدمي بالحصان بسرعة .

وأما رجائى فألا تبع ذلك العقد كي  اشتريه منك لاحقا عندنا اجمع ثمنه. 

جاءت  فكرتي بتأخير بناء الباخشال ليومين عندما تذكرت أنني لم أحدد بعد المكان المناسب لبنائه ووجدت حاجتي ليوم آخر غير اليوم الذي كنا فيه في أبحث عن مقصدي، لكني في الآن نفسه فكرت في ناي وتلك الساعات التي تضيع هباء دون وضع جسدها في الثلج، فتابعت إلى صاحب الياخشال عندما أبدى البناء موافقته على كلامي: 

سيدي فأريد شراء منك صندوقا صغيرًا يتسع لذبيحة متوسطة الحجم وما حولها من ثلج،

 وصمت عت للحظة مفكرًا وأكملت:

ولوحان خشبيان يتحملان عبور عربة ممتلئة فوقهما، طول الواحد مهما خمسة عشر قدمًا على الأقل، على أن ينقل تلك الأشياء «همام» إلى قريتي الآن ومعه تسعة ألواح من الثلج. وتسعة أخرى أخذها منه .

غدا، وسأرسل لك معه اليوم قرطا ذهبيًا ثمنه أضعاف ثمن من الأشياء التي طلبتها، مع الرجاء نفسه بأن تحافظ على ذلك القرط حتى استعيده منك.

استغرب طلباتي، فقلت مبررًا:

- هناك صيد أود الحفاظ عليه حتى اكتمال بناء الياخشال

فابتسم وقال:

لك ما طلبت

كان الجو لا يزال باردا داخل الكهف عندما عدت إليه قبيل غروب الشمس لأطمئن على ناي وأخذ قرطها إلى همام الذي أصر على ضمان حقه أولا قبل أن يسمح لي بإكمال الطريق الجبلي بعربته وحدي، ساعدني اللوحان الخشبيان على عبور العربة للأخدود، ورغم التعب الشديد الذي أصابني وأنا أحمل الصندوق إلى الكهف إلا أن ملاءمته لجسد ناي أنساني كل شيء، ثم جال في ذهني وأنا أنظر إليها وهي نائمة كالملاك بين ألواح الثلج بهيئة سليمة لم تصب بأي تغيير أنها تمتلك صفة الاحتفاظ بجسدها كالملايين الأنقياء، لكني واصلت تغطية جسدها بالثلج لتختفي تماما عن بصري وأنا أتمتم لنفسي:


مادمتُ غير متيقن من ذلك الأمر فلا مجال للمجازفة. أعدت العربة لهمام، وعدتُ لأنام في الكهف بجوار صندوقها تلك الليلة، وما إن طلع النهار حتى خرجت لأبحث عن المكان المناسب لبناء الباخشال كان في بالي البحث عن مكان يحمل مواصفات معينة؛ يكون قريبا من الطريق الصاعد إلى قمة الجبل الثلجية، وفي نفس الوقت متواريا عن الأنظار لا يصل إليه أحد بسهولة، ويا حبذا لو لم يكن بعيدًا للغاية عن القرية، فأخذت أبحث بحصاني اليوم بأكمله متنقلا من واد إلى واد، حتى عثرت على مرادي في النهاية سهل رملي ضيق بين تل صغير وجبل شاهق تميل قمته نحو

ذلك التل لتحجب السماء عن الأرض أسفلها، الطريق إليه ملتو لا يمكن لأحد  الوصول اليه بسهولة، وليس بعيدا للغاية ععن الطريق الصاعد  الى القمم الثلجية، أدركت من اللحظة الأولى التي وطأت فيها اقدام حصاني ذلك السهل ، أنه المكان المناسب، حتى عندما أحضرت البناء إليه تعجب من اختياري ذلك المكان وأقسم أنه لن يحمل المؤن إليه ما دامت العربة لن تستطيع بلوغه، أخبرته بأنني سأحمل على صهوة حصاني كل ما يحتاج إليه من عربته الواقفة على جانب الطريق الجبلي إلى أرض السهل: أجولة من شعر الماعز. وزجاجات ممتلئة ببياض البيض، وطمي من مستنقعات الغابة، ورماد ناعم للغاية، وأوان من الماء، حملتها تباعًا إليه بينما كان يحفر أرضية الياخشال الدائرية، أما الرمال فلم يكن أكثر منها في أرجاء السهل. 

استغرق بناء الباخشال أربعة أيام كاملة رغم ارتفاعه الذي لم يتجاوز عشرين قدمًا، وفي صباح اليوم الخامس كان الصندوق الذي ترقد فيه ناي يتمركز في منتصف أرضيته أسفل فتحة قمته التي تظهر عبرها صخور الجبل الذي يغطي السهل، تذكرت وأنا أنظر نحو تلك الفتحة حديث البناء وهو يخبرني عن دورها في إخراج الهواء إلى الأعلى كمدخنة في حين يدخل الهواء البارد إلى الياخشال عبر فتحاته الجانبية السفلية، لتحدث دورة تبريد كاملة تصقلها الجدران العازلة للحرارة التي صنع خلطتها بنسب لا يعرفها الكثيرون.  

للأسف اضطررت إلى مبادلة القرط الآخر بمزيد من ألواح تلج همام بعدمااستغرق البناء أيامًا أكثر مما توقعت، وإن أخبرني في المرة الأخيرة بأنه لن يحضر لي ثلجا مجددا إذ كان ما لديه يكفي بالكاد حانات القرى، كنتُ على كل حال أنوي الاعتماد على ثلج القمم الجبلية في الأيام التالية مع فقداني كل حلي ناي وعدم امتلاكي أي قطعة نقود إضافية. في اليوم السادس عدت مرة أخرى إلى حانة السيدة سارة، قالت باسمة عندما رأتني أدلف إليها: 

مرحبا أيها الصياد، كيف حالك؟ 

 أدركت أنها تبادلت الحديث عني مع همام، فقلت باسما: 

 - إني بخير، هل استطعت إيجاد من يستبدل حضاني بحمار أو بغل  

قالت:  

نعم، منذ يومين وافق رجل على مبادلة حصانك بيغله، وسيعطيك فارق ثلاث عشرة قطعة نحاسية. لقد ضمنت له حصانك على مستوليتي فترك لك كيس النقود هنا، وعقل بغله في إسطبل الحانة الخلفي ابتسمت شاكرًا لها، فأخرجت لي كيس النقود، فسألتها: 

 - كم أدين لك من المال الملابس وطعام اليوم الأول؟ 

قالت باسمة:  

لا شيء كانت هدية لك من حانتنا، لقد عُرف عنا إكرام الضيوف، سأخذ مقابلا في المرات القادمة، إن بغلك في الإسطبل الخلفي، ولا تنس أن تعقل حصانك مكانه، شكرتها كالعادة ثم اتجهت ببغلي إلى الطبيب «رسلان» الذي كان من المفترض أن أزوره قبل ستة أيام، كان الزحام كثيفا هناك أكثر من المرة السابقة، خاصة مع إحضار الأهالي لأربعة شبان تنزف أجسادهم بغزارة إثر عراكهم مع بعض الأشقياء، وأمره بإدخالهم أولا، فانتظرت بين البقية في الخارج أتابع خروج أولئك الشبان مضمدين واحدا وراء الآخر، حتى جاء دوري فدلفت إليه، كرر ما فعله في المرة الماضية بيد أن ألم فخذي كان أخف كثيرا، ثم انتهى من لف ضمادته فأعطيت لمساعده قطعتين نحاسيتين، وهمت بالمغادرة، لكني وقفت قبيل الباب، والتفت إلى الكتب الكثيرة المصفوفة على رفوف مكتبته، ودار في رأسي ما فعله مع الشبان الجرحى، لأستدير إليه وأسأله: 

- هل تستطيع إصلاح قلب إنسان طعن بالرمح سيدي ؟

*********************************************************

الفصل السادس عشر

مروة : 

كان ابصاري مشوشا للغايه عندما عبرت دائره الضوء الى جانبها الاخر استغرق ذلك التشوش اكثر من دقيقتين قبل ما يعود بصري الى طبيعته واجد نفسي في نفق جبلي مظلم،التنفس في صعب للغايه وشديد البروده لدرجه الصقيع في حين اختفى الدائره الضوء تماما وحل موضعها جدار صخري كنت اتحسسه بيدي عندما سمعت صوت خالد ينادي باسمي باحثا عني اجبته بخوف وانا ارتجف من البروده؛اين نحن ساموت من البروده قال: لا اعلم،لكنها ليست البلاد التي زرتها من قبل لم يكن الطقس باردا هكذا. 


انعطف بنا الذئب فجاه الى ممر جانبي فارتطم جسد خالد ببروز صخري كاد يسقطه لولا انني امسكت به ليتمالك نفسه ويكمل الطريق خلف الذئب لا لاعنا له،انعطفنا بعد ذلك في اكثر من ممر،حتى ظهر بصيص من النور اخيرا في الافق امامنا،كان واضحا انه نور البدر،انطلق بنا الذئب نحوه لنخرج من النفق لاهثين مقطوعي الأنفس ،وحينذاك قبض خالد على الحبل بقوه فلم يستطع الذئب التزحزح،نظرت حولي كانت قمم الجبال المغطاه بالثلوج تحيط بنا من كل جانب اسفل ضوء القمر والنجوم،تحسست حبات الثلج اسفل قدمي وهبطت لامسكها وافركها في يدي فذابت وقلت يبدو اننا على ارتفاع عالي جدا عن سطح الارض الا انه لم يجبني فنظرت له كان يحدق نحو السماء مشدوها،فنظرت انا الاخري الى السماء وهنالك انتبهت الى وجود بدر اخر فيها،لم اكن قد انتبهت له فنهضت متسائله في دهشه كبرى وقلبي يدق فزعا بدران في السماء؟!


بينما هبط هيكل الذئب العظمي على قائمتيه الاماميتين مخفضا جمجمه وموجهها نحو احدهما كانه يخضع له،فقال خالد هامسا وهو ينظر اليه اننا في موطن الذئب الاصلي،


عامك 

وكيف سنعود الى موتنا بعد اختفاء دائره الضوء التي عبرناها صمت مفكرا ثم قال علينا ان نعرف اولا اين نحن ومن ثم نبحث عن طريق اخر للعوده الى وطننا. 


ثم جذب حبل كمامه الذئب بقوات اكبر اذا كان واضحا قوه الالتصاق الجمجمه بفقرات  الرقبة حتى انه حس باسنانه وهو يزيد من قوه جاذبه حتى استطاع نزع الجمجمه اخيرا عن باقي الهيكل وجدت باقي الهيكل يتحرك في اتجاه الجمجمه التي نزعها فصرخت اليه كي يحترس ففتح حقيبته السوداء سريعا والقى بالجمجمه في داخلها فانهارت عظام الذئب الى الارض منفصله كبناء شاهق انهار فجاه. بعدئذ التقط تلك العظام ووضعها هي الاخرى في حقيبته بينما كان يوجه عينيه نحو البدر الاكثر سطوعا الذي انحنى له الذئب قبل ان يغلق سحاب حقيبته ويقول: 


مثلما جاء بنا هذا الذئب الى هذه الارض فسيكون هو السبيل ايضا لعودتنا الى ارضنا انه يعرف الطريق اليها منذ 100 عام 


............ 


بقينا في موضعنا حتى طلع النهار بعد اقل من ساعه ومعه انكشفت الرؤيه تماما في الافاق من حولنا تحركت بعيدا عن خالد بعض الشيء واخذت اتفقد جميع الجهات ثم ظهرت الشمس بعيدا خلف سحابه كبيره فوضعتها عن يميني  لاحدد الاتجاهات الاربعه ثم اعدت تفقد الافاق مجددا وقلت لخالد تمتد الجبال في جميع الاتجاهات  عدا الاتجاه الشرقي هناك رقعه شاسعه من الاشجار وكانها غابه كبرى 


نظر الى اتجاه يدي الذي كنت اشير اليه وقال 


اذا هي وجهتنا القادمه ان كان هناك بشر يعيشون في هذه الارض فسيكونون بالقرب من هذه الارض الخصبه ووافقته على ذلك ثم سالته مجددا الا تتذكر مكانا كهذا في اي زياره سابقه لك قال 


مع وجود تلك الغابه وذلك القمر الاضافي في السماء صرت متيقنا اننا لسنا في جوار زيكولا حتى ادعي الله ان نكون محظوظين ونجد اي بشر نعرف منهم اين نحن بعدما هبطنا الجبل الى طريق صخري يمتد متعرجا نحو الشرق وبين حين واخر كنا نلتفت تحسبا لظهور اي خطر مفاجئ لكن شيئا لم يحدث طوال الطريق الذي قاطعناه حتى منتصف النهار انهيت اخر شربه ماء من الزجاجه الصغيره التي كانت لدينا في الحقيبه وتساءلت كي افتح نقاشا مع خالد الذي ظل صامتا اغلب الطريق 


هل طرات خطه ما في بالك؟قال اتاكد اولا هل نحن في عالم زيكولا وامريتا ام لا ان كان الجواب نعم فهناك امل بالعوده الى وطننا وان كان الجواب لا فنحن في ورطه أومات براسي ايجابا ثم اكملت طريقي خلفه يبطئ من حركتي قلبي نطالي الجينز الضيق الذي كنت ارتديه حتى ان خالد ابتعد عني بعشره امتار على الاقل ثم امتلات مسانتي عن اخرها فصحت اليه كي ينتظر وانعرجت في ممر جبلي جانبي باحثه عن مكان متواري اقضي فيه حاجتي ثم انتهيت فانتبهت الى شيء يلمع بين الرمال التقطته فوجدته عملا نحاسيه منقوشه على جانب منها راس ذئب بحثت في الرمال على بعد امتار اخرى كانت هناك عمله اخرى وكان ذلك يعني ان بشرا ما كانوا هناك من قبل تحركت باحثه عن اي عملات اخرى عابره وديان صغيره وممرات متشعبه دون ان ادري حتى توقفت عندما رايت امامي بناء دائريا صينيا مهدما يتوسطه صندوق خشبي قديم اقتربت منه ودرت حوله وانا اتحسس حائطه المشبع بشعر الماشيه ثم عدت راقده الى خالد وقبل ان ينطق متذمرا من تاخري اريته العملات التي عثرت عليها وقلت لقد عثرت على هاتين العملتين وهناك بناء قديم مهدم في الجوار رقد ورائي ناحيه السهل الرملي الواقع بين تل وجبل مائل اليه ثم توقف امام حطام البناء وقال وهو يحقق الى ارضيته الداخليه المنخفضه نسبيا عن خارجه يشبه مخازن الغلال القديمه في الكره وجود مع وجود الصندوق والعملتين يؤكد وجود بشر قريبين انفرجت اساريري ثم بحثنا عن اي شيء في الجوار له صله بالبشر فلم نجد فقمنا الى طريقنا لنواصله نحو الشرق لنقابل العلامه الثالثه الداله على قرب البشر وهي سلالم الاحبال المثبته على جرفي اقدود عميق عبرناه واكملنا الطريق من بعده حتى ظهر في الافق اخيرا مع اقتراب الشمس من غروبها تجمع من بيوت منخفضه ذات اسقف هرميه تتناثر في ارض مستويه تاركه مساحات كبيره بينها وحينها قلت يبدو انها قريه صغيره اظن انه من الافضل ان ننتظر هنا ونراقب من بعيد ظهور سكان تلك البيوت لعلنا نتحاشى خطرا يقبع في انتظارنا .... يتبع

*********************************************************

الفصل السابع عشر

نوح : 


سألت السيد رسلان:  


- هل بإمكانك إصلاح قلب طعن برمح، سيدي؟ 


 أجابني بغير اكتراث وهو يجلس وراء طاولته:  


- دائما ما يصل المطعونون قلوبهم موتى.  


عدت إليه وقلت:  


- لكن هل جربت من قبل إصلاح قلب بشري ممزق؟ 


هز رأسه نافيا وقال: 


لا 


قلت:  


- لقد رأيت حرصك على مداواة الجرحى ولو لم يمتلكوا مالا مثلي، ماذا إن كان هناك شخص مات بطعنة في قلبه، وهناك فرصة لإعادته للحياة يوما ما، بشرط أن يكون قلبه سليما. 


 أطلق مُساعده ضحكة ساخرة، أما السيد رسلان فقال في جدية: 


- علمنا الطب يا بني أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل الشك.  


فكرت قليلا ثم قلت: 


لنفترض سيدي أن هناك شخصا هكذا، هل تستطيع فعلها ؟  


قال:  


- حتى وإن كنت أستطيع، بقاؤه ميتا يعني فشل العملية برمتها، إن التئام الجروح عملية معقدة تحتاج إلى دورة دموية نشطة تهاجر من خلالها عناصر الالتئام إلى مكان الجرح كي يكتمل التئامه قبل ذوبان الخيوط الجراحية، وهذا لا يتوفر في الموتى. 


وابتسم وهو يتابع:


- إن كنا نعرف متى ينهض الموتى الأصلحنا قلوبهم الممزقة قبلها بساعات.


 قلت حينذاك بعين لامعة في حماس: 


- إنني أعرف متى سينهض.


 لكني سرعان ما تابعت مترددا: 


 لا أعرف اليوم تحديدا، لكنه  سينهض يوما ما.  


ثم جال في خاطري شيء لم أفكر فيه قبل تلك اللحظة، فقلت:  


- هل تقبل بي. خادما لديك سيدي ؟ 


 هنالك تحرك المساعد نحوي كي يخرجني متعللا بأنني أضعت على سيده وقت مريض آخر، فقلت وهو يدفعني نحو الباب: 


 - أرجوك سيدي، لا أريد تقاضي أجر، سأخدمك بلا مقابل، أستطيع أن أنظف الأرضية هنا وأحمل المرضى وأمنع شجارهم في الخارج. لكنه لم ينطق بشيء، فخرجت خائب الأمل، وركبت بغلي مطأطئ الرأس  متجها إلى القرية أولا لشراء بعض احتياجاتي، ثم إلى الياخشال لأبيت ليلتي خارجه مدثرا بدثار صوفي قديم كنت قد اشتريته هو ومعطفا ثقيلا وفأسا وبعض الطعام مقابل أربع قطع نحاسية. 


في الصباح التالي كانت رحلتي الأولى نحو قمة الجبل الثلجية. ركبت بغلي شاقا الطريق الصاعد إليها وسط الريح الشديدة الباردة حتى وصلت إلى سفح الجبل المراد بعد منتصف النهار بقليل، وهناك تركت بغلى وبدأت اصعده  بصعوبة متكئا على فاسي، إلا انني  عندما وصلت قرب قمته وجدت ثلجه قد صار هشا، إذ أذابته الشمس الساطعة، وأدركت خطتي حينها بتأخري كل ذلك الوقت من النهار، فإن كنت أريد الثلج صلباً فعلي التحرك ليلا لبلوغ تلك القمة قبل طلوع الشمس، وهذا ما فعلته في اليوم التالي، إذ تحركت مع منتصف الليل مصطحبا مصباحي الزيتي لأصل قمة الجبل قبيل الفجر، وأكسر ثلاثة قطع كبيرة من الثلج والفها جيدا بجلد الماعز الذي كان قد تركه لي همام في آخر مرة، وأحيط بها تباعا إلى بغلي لأحملها على ظهره، وأجره عائدا إلى صندوق ناي مع منتصف النهار. 


حافظت جلود الماعز على وصول الثلج إلى الياخشال في حالة جيدة، أما الياخشال نفسه ففاق توقعاتي إذ أبقى الثلج الذي اشتريته من «همام، آخر مرة صلنا لأكثر من خمسة أيام، لذا تركت الثلوج التي أحضرتها خارج الصندوق وأحضرت غيرها في اليوم التالي، لأصفها مغلفة بجواره، ومع الأسبوع الأول أدركت أن قطعة الثلج التي أحضرها من قمة الجيل تبدأ في ذوبانها بعد ستة أيام كاملة، لذا اتخذت قراري بصعود الجبل ليلتين متتاليتين كل أسبوع أحضر خلالهما الثلج الكافي لغمر جسد ناي. أما بقية الأسبوع فكنت أهبط إلى القرية للبحث عن عمل ولإحضار الخبز بعدما اتفقت مع أحد الخبازين على شراء رغيف خبز يومي لمدة شهر كامل مقابل قطعتين نحاسيتين نالهما مني مقدما،  ليتبقى معي خمس عملات فقط من ثمن الحصان. 


ذهبت بعد أيام من البحث عن عمل دون جدوى إلى الطبيب «رسلان» مرة أخرى، وفي تلك المرة لم أنطق بشيء، فقط انتهى من تضميد جرحي وأعطيت مساعده قطعة نحاسية، وخرجت إلى خانة السيدة سارة، وهناك جلست على إحدى الطاولات أحتسي شرابا ساخنا، جاءت وجلست على مقعد أمامي، وقالت باسمة: 


- هل عاد صديقك للحياة؟ أم لم يعد بعد؟  


تعجبت من معرفتها بالأمر، لكني هززت رأسي نفيا وحسب، فقالت: 


لذلك كنت تبحث عن بائع الثلج، أليس كذلك؟ لست صيادا كما تدعيفكرت فيما قالته، ثم قلت:  


- نعم. 


قالت: 


- أهو غال عندك إلى هذه الدرجة؟ 


أومأت إيجابا، فتابعت: 


- إن الموتى لا ينهضون يا فتى. 


قلت مقتضيا: 


- ستنهض. 


لمعت عيناها وهي تقول باسمة بأسنانها الرائعة: 


- امرأة؟! 


قلت:  


- نعم، حبيبتي 


قالت:  


اممم 


ثم أردفت: 


لقد أخبرني أبي عن طلبك العمل معه. 


نظرت في عينيها، كانت المرة الأولى التي أعرف أنها ابنة الطبيب رسلان، وانتبهت وقتئذ إلى تشابههما الواضح الذي لم ألحظه من قبل، فقلت بشيء من الحزن:  


أردت أن أتعلم منه ومن كتبه لعلّي أستطيع إصلاح قلب حبيبتي يوما ما. 


قالت:  


انه يظن انك مجنون..... يتبع 

*********************************************************

الفصل الثامن عشر

مروة  

هبطنا القرية مع طلوع الشمس حمل خالد حقيبته على ظهره دون أن يلاحظ أي اختلاف في وزنها بينما سرت وراءه أتطلع كل دقيقة إلى تعابير اوجهه وأدعو الله في سري ألا يكتشف أمر هروب الذئب وأن نجد مخرجنا قريبا، قال عندما وصلنا إلى مدخل القرية لا تبتعدي عني كثيرا، لا تعرف ما قد نواجهه. 


اومات برأسي إيجابًا، وتحركنا في الشارع الترابي الرئيسي نحو أقرب البيوت طرق خالد بابه برفق وعندما لم يجب أحد فتحه بدفعة قوية بقدمه. كان البيت خاويًا يغطي الغبار أثاثه، تجولنا بحذر في غرفه الثلاث، كانت إحدى الغرف تحتوي جوالا من الدقيق، قال خالد وهو يمسك حفنة منه في يده 


- لم يهجر هذا البيت منذ وقت طويل. 


خرجنا إلى البيت الذي يليه وجدنا الشيء نفسه، التراب يغطي كل شيء. ولا يوجد بشر في داخله، وعظيمات دجاج مطهي تتناثر في أرضيته، خرجنا إلى البيوت الأخرى كانت جميعها خواء وفي  أحدها عثر خالد على خنجر  مغمد فوضعه أسفل قميصه على جانب خصره دون أن يقول شيئا، ثم تحركنا إلى بناء أوسع كانت الطاولات والمقاعد المغطاة بالأتربة موزعة في داخله. وكؤوس الشراب الزجاجية متراصة في شكل هرمي على طاولة طوبية عالية تقع في الركن المواجه للباب وفي خزانة خشبية خلف تلك الطاولة كانت هناك ثلاث زجاجات فارغة لمع زجاجها مع ضوء النهار المتسلل عبر فتحة  دائرية في السقف عندما فتحنا باب الخزانة أمسك خالد إحداها  من قاعدتها بحرص ورفعها نحو فتحة السقف وأخذ يتفحصها وهو يقول:  


هناك بصمات بشرية على عنقها. ثم وضعها على الطاولة وقال: 


 كان البشر يسكنون هذه القرية حتى وقت قريب.  


وأكمل وهو ينظر إلى الحانة: 


 ووفقا لهذا العدد من الطاولات كان عددهم كبيرا، أين ذهبوا ؟ ولماذا اختفوا؟؟  


لم أكن أملك إجابة، فسكت 


 جلسنا بعد ذلك على مقعدين بجوار أقرب الطاولات الخشبية، ووضع خالد حقيبته على سطحها، خشيت حينذاك أن يفكر في فتحها، فنهضت سريعا أتظاهر بأنني أبحث عن أي آثار للبشر في أرجاء الحانة، وبدأت أزيح المقاعد  عن مواضعها محدثة جلبة شديدة كي أشتت انتباهه عن الحقيبة، بالفعل بدأ ينظر إلى ما أفعله مستغربا، قبل أن يصيح في متذمرا كي أتوقف عما أفعله  لكني تجاهلت طلبه وواصلت إبعاد المقاعد والطاولات عن منتصف الحانة بجدية أكبر دون أي هدف نهض وحمل حقيبته على ظهره من جديد، واقترب مني وأمسك بذراعي، وقال غاضبا:  


ربما تأتي هذه الجلبة بشر نخشاه، هيا علينا أن نغادر هذه الحانة 


لنكمل البحث في باقي القرية. 


هززت رأسي إيجابا وهممنا لنغادر، لكننا توقفنا عندما سمعنا صرير باب يفتح يأتي فجأة من ركن بعيد في الحانة، نظرت في عينيه خائفة فوضع يده على مقبض خنجره بينما أسرعت للاحتماء خلفه، همست إليه متوسلة بأن نواصل طريقنا للخروج، لكنه تقدم بحذر نحو الركن الذي صدر منه هذا الصرير، وقبل أن نصل إلى ذلك الركن فوجئنا بسيدة نحيفة ترتدي فستانا قديما شعرها طويل كثيف وعيناها رماديتان تتحرك نحونا ممسكة فأسا وتصرخ الينا:  


من انتما؟؟  


رفع خالد يديه كي تهدأ. بينما عدت بأقدامي خطوات الى االخلف مقتربة من باب الحانة قالت السيدة من جديد: 


من انتما؟ 


قال خالد نحن تائهان ونبحث عمن يدلنا على طريقنا


نظرت في عينيه بشيء من الارتياب، ثم تفحصت ملابسه وملابسي وتساءلت في تعجب: 


هل أتيتما عبر إحدى العابرات؟ 


 لم أفهم مقصدها بالعابرات واعتقد أن خالد لم يفهم مقصدها هو الآخر لكنه قال:  


لسنا من هذا العالم، لقد جئنا إلى هذه الأرض مرغمين، لقد أتي بنا ذئب إلى هنا 


فتساءلت  في لهفة:  


أي ذئب ؟ 


فقلت في تلعثم:  


ذئب من الذئاب الرهيبة، أتى إلى عالمنا قبل مائة عام. 


فنطقت على الفور:  


ذئب صامون؟!  


قال خالد:  


لا نعرف ماذا تسمونهم هنا، لكنه انتقل إلى أرضنا عبر طاحونة قديمة قبل مائة عام، وظل مدفونا في قبر في قريتي مع قاتله  ، اخرجته فقط قبل ستة شهور..... يتبع 

*********************************************************

الفصل التاسع عشر

نوح 

مع اول ضوء لنهار اليوم التالي كنت اقف امام باب عيادة السيد رسلان استقبلني مساعده غنام بوجه جامد متجهم وادخلني الى غرفه جانبيه واخذ يفحص بدقه يدي وشعري وجلد  نصفي العلوي واسفل ركبتي ثم اعطاني مقصا وامرني بقص اظافري الطويلة وشعري .. وان ابدل ثيابي ببنطال وقميص ابيضين نظيفين كانا في الغرفه ففعلت ما امرني به اعطاني الشعر القصير مظهرا مختلفا وعمرا اصغر عندما نظرت الى صورتي في المرآه قبل ان اخرج الى السيد رسلان الذي حدق الى هيئتي الجديده وهو يقول في هدوء كما اخبرتك ساره سيكون هذا الاسبوع اختبارا لك ان اثبت جدارتك ستستمر معنا وان فشلت فبابنا مفتوح لك كمريض في اي وقت ،غنام هو رئيسك امتثل لاوامره وتعلم منه قدر استطاعتك ..قلت مخفضا رأسي ..نعم سيدي ..في اليوم  الاول اشتمل عملي صباحا على ادخال المرضى وحمل غير القادرين منهم الى غرفه الكشف وتنظيف سرير الفحص بعد كل واحد منهم اما مساء فنظفت الارضيه بالماء والصابون وغسلت الضمادات والملاءات جميعها متحققا من عدم وجود اي بقعه دم على اي منها اما الادوات الجراحيه وقنائن الاعشاب فأمراني غنام الا اقترب منها كونها وظيفته الاولى ثم انتهيت  وبدلت ثيابي وغادرت  ببغلي إلي الياخشال حيث جلست بجوار صندوق ناي وقلت باسما اليوم بدات وظيفتي الجديده يا ناي لم يعلق السيد رسلان على اي فعل قمت به اليوم كان غنام فقط من يرجعني بنظراته وكلماته اللازعه يخشى ان انال مكانته لدى سيده ..في داخلي لكني سافعل ما بوسعي للاستمرار في هذا العمل كي استطيع اصلاح قلبك يوماً ما.. ثم خرجت الى خارج الياخشال وتدثرت بمعطفي ونمت حتى شروق الشمس وعندما استيقظت هبطت مباشره ايه عياده السيد رسلان لاكرر ما فعلته في اليوم السابق وكان اليوم الثالث مثلهما في اليوم الرابع انتهينا في وقت متأخر من الليل فاسرعت بالعوده الى الياخشال كي اخذ فأسي ومصباحي وجلود الماعز لاصعد مباشره الى قمه الجبل الثلجيه كي  اجل إحضار ثلاثه قطع كبيره من الثلج وعندها عدت بها مره اخرى الى الياخشال وبدلت الثلج القديم بالجديد كانت الشمس قد اشرقت فاتجهت مباشره الى عمل دون ان انام لحظه واحده حاولت الا اظهر ارهاق الشديد والا اتثائب امام سيدى بقدر الامكان لكن مع مرور ساعات النهار نفذت طاقتى بعض الشيء وتشوشت رؤيتي فقل جهدي وتثأبت امامه مرتين رغما عني الا انه لم يعلق بشيء حتى انتهى العمل وبدلت ثيابى فعدت الى المنطقه الجبليه لافعل الشيء نفسه الذي فعلته في الامس اذ كان علي احضار كميه اضافيه من الثلج لاذهب الى العمل دون نوم لليله الثانيه على التوالي نظفت الارضيه قبل دخول المرضى واعدت رص الكتب على الرفوف الجانبيه ثم بدانا في ادخال المرضى تباعا كنت في داخلي اعرف ان لدي يومين فقط بالاضافه الى ذلك اليوم حتى يقرر السيد رسلان مصيري لذا كلما سقط جفناي المرهقان رغما عني كنت احدث نفسي بان تتحمل ارهاق تلك الساعات واعدها محفزا بساعات نوم اضافيه حال الانتهاء من العمل مع غروب الشمس ركلاني غنام بقدمه عندما غفوت وانا اقف خلف سيدي وهو يفحص مصابا اخترق قضيب حديدي قدمه قبل ان يقوم بامساك قدم ذاك المصاب بينما كان سيدنا يغسل جرحه النازف .نادى علي سيدى حينها لأحضر قنينة زجاجية بها مطهر أحمر اللون على الطاولة الاخري شعرت وقتها وانا انظر إلى القنائن المتجاورة ان عينى وذهنى مشوشان للغاية وكأنى ثمل صاح في غنام كى اسرع عندما اخذت وقتا طويلا..فألتقطت القنينة الممتلئة وعدت بها لكن قبل أن اناولها لسيدى انزلقت من يدى لتسقط إلي الارض مهشمة يتناثر سائلها مغرقا الأرض من حولها وكذلك ثياب سيدى ,شعرت حينها ان الزمن توقف بي ،كان ذلك الخطأ يعنى تماماً اننى فقدت وظيفتى ،صاح في غنام معنفا لي وترك قدم المصاب وركض محضرا زجاجة اخرى بينما واصل سيدى تضميد قدم المصاب دون أن ينظر إلى حتى هبطت الي الارض كى ألتقط قطع الزجاج ,لكننى زدت الطين بلة عندما أغفلت قطعة كبيرة منه وداسها المصاب بقدمه السليمة وهو يغادر ليصرخ متألما ويضطر سيدى لتضميدها هى الأخرى 🙈 وقفت حينها أمام سيدى المحدق إلي حانيا رأسي ،ابتلع ريقي مرتبكا ولا يجول في بالي اي مبرر أستطيع النطق به ،لا سيما انني لم اكن لابوح بسر الإرهاق الذى ينتابنى كنت اوقن في قرارة نفسي أننى سأعتاد سهر ليلتى إحضار الثلج مع الوقت واننى احتاج فقط مزيد من التعود لذا واصلت وقوفي صامتاً بينما تولى غنام تنظيف الارضيه من السائل وقطع الزجاج التى لم تستطع عينى إلتقاطها.وعلي وجهه ابتسامة لم أرها منذ وطأت قدمى ذلك المكان ..في اليومين المتبقين لم يطلب منى سيدى شيئا يتعلق بالمرضي .فقط اقتصر عملي على تنظيف الارضية وسرير الفحص حتى غنام لم يعلق بنظراته او لسانه على أي شئ افعله بالمدح او الذم وكأنه ادرك ان خطئى بإسقاط القنينة قد حسم الأمر وأن بقائي تلك الساعات لم يكن إلا لإكمال وعد سيدى لابنته بمنحي سبعة أيام للإختبار ..ثم انتهى اليوم السابع .. فأشار لي سيدى بإن اترك ما في يدى لغنام واقترب منه فقال وهو يقدم لي كيساً من النقود ..هذا أجرك في السبعة أيام الماضيه ..سبعة قطع نحاسية ،قلت مضطربا وانا اعرف ان إعطاءه لي ذلك المال يعنى عدم رغبته في استمراري معه .. 


لا اريد هذا المال يا سيدى قال :لا يعمل معي احد دون مقابل.سيكون هذا أجرك  أسبوعيا ..لمعت عيناى فجأة وقلت ..هل تعنى يا سيدى ما فهمته هز رأسه باسما ثم قال : نعم يا نوح ستكمل عملك هنا مع غنام ولا تشغل بالك بتلك القنينة التى اسقطتها "من لا يخطئ لا يتعلم. انحنيت لأقبل قدمه لكنه أبعدها ،فشكرته كثيرا  ..ووعدته بإن أفعل ما بوسعى لأثبت له صواب قراره .. ثم عدت سريعاً الي ناى وفتحت صندوقها وازلت الثلج عن وجهها وقبلت جبينها وقلت فرحا _لقد نجحت في اختبار السيد رسلان،ليس هذا فحسب سيعطينى أجرا كبيرا عن عملى معه سأدخر جميعها كى اعيد لك الحلي .... يتبع 

*********************************************************

الفصل العشرون

*أثار ما نطق به سيدى عن ذلك المصاب فضولي فسألته ..هل كان ذلك المصاب أحد اللصوص الذين هاجمهم ذئب صامون  


فأجابنى نعم .واردف  


الوحيد الذي نجا منهم ،ربما لو ألتقي أحدا غير معلمى لأطااح بعنقه جراء ما حدث للوادى بعد فعلتهم .لكنه عالجه وصارا صديقين ليبقي على قيد الحياة ثلاث سنوات كامله في هذا الوادي قبل ان يموت ويدفن هنا ودون معلمي قصه حياته التي رواها له ومن بينها رحلته عبر العابره ان كتابه في الاسفل ان اردت الاطلاع عليه قلت سافعل بكل تاكيد لكني ما انهضت لاهبط الى القبو حتى وجدنا غنام يدلف الينا لاهثا ويقول ان حريقا هائلا ان دلع في قريه سانجيره وهناك العشرات من المصابين توقعت ان يامرنا سيدي بتجهيز العياده  للمصابين القادمين من تلك القريه الجنوبيه لكنه فاجاني وقال: هيا اعد ادواتنا واعشابنا سنذهب الى هناك! وامر غنام ان يجهز عربته ذات الحصانين فاوما مطيعا لنتحرك خلال دقائق ناحيه الجنوب كان الحريق هائلا ليلتهم نصف بيوت القريه ولولا انحصار الغابه فرسخه كاملا عن اقرب بيوت القريه لحلت في وادينا اكبر كارثه منذ حرب الذئاب 


وصلنا بعربتنا هناك وقت ما كان الرجال والنساء يحاولون السيطره بمياه الابار والرمال على النيران المندلعه في كل جانب كان الدخان كثيفا فقال سيدي لغنام وهو يسعل فلنتحرك بالعربه الى اقرب رقعه يقل فيها الدخان ففعل ما امره به سيده ثم توقفنا خلف بيت يطل على جبال الغرب لم تصله النيران فانزلت انيه العسل والاعشاب والضمادات وفرجت الارض بطبقتين من الملائات البيضاء الكبيره ثم اشعلت المصابيح وعلقتها فوق ثلاثه اعمده حديديه قد غرزتها متفرقه بين الملاءات بينما ركض غنام لابلاغ الناس بوصولنا ليتدفق الينا سيل من المصابين بالحروق اغلبهم من الاطفال فبدانا بتنظيف حروقهم وترطيبها بالاعشاب المهروسه والعسل واعطائهم جرعات من الاعشاب المسكنه. كان المسؤول عن فرز المرضى وهو غنام الحالات الكبرى يوجهها الى السيد رسلان والحالات البسيطه يوجهها الي او يسعفها هو خفت ان تنفذ الاعشاب فيصبح وجودنا بلا قيمه لكني ادركت مع الوقت اننا لسنا الاطباء الوحيدين الذين قدموا الى القريه افجاء اخرون من قرى الجنوب بادواتهم واعشابهم أيضاً مع شروق الشمس كان الانهاك قد اصابني فالتفت الى سيدي في تعب كان منهمكا في تضميد حروق مصاب احرقت النار ساقيه بالكامل دون ان يبدو متعبا فواصلت استقبالي للمرضى وانا انظر بعيدا الى النيران التي بدات في انحسارها عن البيوت والى الاهالي الذين اخذوا يزيلون الانقاض باحثين عن اي ناجين اسفلها قبل ان يحضروا الينا فتاه عشرينيه فاقده ذات وجه سليم تماما حين قصصت ثوبها المحترق بالمقص فوجئت بما لم اره من قبل اصابه بالغه في منتصف صدرها حدثت في الاغلب من سقوط شيئا ثقيل فوق صدرها فهشمته تماما ومع تاكل نسيجها بالنيران صار منتصف صدرها فتحه كبيره تكشف ما اسفلها من رئه وقلب واوعيه دمويه كنت اجلس على ركبتي محدقا الى قلبها الذي كان لا يزال ينبض عندما وقف سيدي ورائي وقال بصوت هادئ لا تفعل شيئا 



دعها ترقد في سلام .. هززت راسي ايجابا وانا اواصل تحديقى الى تجويف صدرها بعد دقائق هدات نبضات القلب رويدا رويدا حتى سكنت تماما وشحبت معه الاجزاء السليمه من جسدها وازرقت شفتاها سالني يا غنام هل ماتت..قلت نعم 


وقال سانادي بعض الشباب كي ينقلو جثتها الى المكان الذي يدفنون فيه جثثهم فكرتوا لي لحظه وانا انظر الى قلبها السليم ثم قلت سأضمد صدرها اولا ثم اناديك 


قال . حسنا  


تحرك منشغلا بشيء آخر. نظرت الى سيدي كان قد انشغل بمصاب اخر نظرت حولي كان الجميع قد انفضوا من اجل البحث عن ناجين اخرين لاجد نفسي ادير ظهري لسيدي واخرج سكينا حادا وبسرعه البرق بدات افصل قلب الفتاه عن الاوعيه الدمويه المتصله به وانزعه واضعه بغشائه سريعا في جرابي القماشي دون ان ينتبه لي احد..لففت صدر الفتاة بضمادة كبيرة وناديت غنام الذى كان ينظر بعيداً نحو البيوت المحترقة.فكفن جسد الفتاة بالملاءة التى كانت أسفلها.تاركا رأسها ظاهرة ثم نادى بعض الشبان كى يساعدوه في نقلها بعيداً..بينما تحركت أنا الي مريض اخر كان حرقه بسيطا نوعاً ما ..  


""""""""******"""""" 


مع غروب الشمس كنا قد انتهينا من فحص و تضميد جميع المصابين الذين قدمو إلينا وخمد الحريق أيضاً فتركنى سيدى وركب مع غنام العربة ليمرا على الأطباء الآخرين من أجل عرض مساعداتهما ان كان أحدهم في حاجه للمساعدة..فأخرجت القلب من جرابي وفحصت ملمسه في سعادة كبري قبل ان ألفه في قماشة نظيفه مبلله واعيده إلي الجراب من جديد .ثم عاد سيدى وغنام ..فهبط غنام من العربه وأخبرني بأن نجمع ادواتنا  وآنيتنا كي نستعد للرحيل ..


                 *****""""""*****


وفي الطريق الى عيادتنا فكرت في اخبار سيدى عن القلب الذى اقتنيته من أجل التعلم عليه بطريقة عملية لكنى تراجعت إذ شعرت أن ذلك قد يغضبه .. فكرت ايضا في استعاره بعد الالات التي تساعدني على تشريحه بعيداً عن العيادة لكني كنت اعرف أن ذلك مستحيل مع غنام الذى لن يسمح بمغادرة آله واحده من العيادة فقررت في داخلي ان أترك القلب في جرابي وأخذه معي حين أغادر الي ياخشال ناى واشرحه في العيادة ليلا أثناء نوم سيدى وغنام وقتما ابقي هناك لمراجعة دروسي الطبية مثلما تعودت في الشهور الماضية.. في الليلتين التاليتين لليله الحريق لم اتمكن من فعل ما فكرت فيه حيث كانت الليلتين المخصصتين لاحضار ثلج ني من فوق قمه الجبل لذا تركت القلب في صندوق ني بين الثلج من اجل الحفاظ على انسجته وفي اليوم الثالث اخفيته في جرابي واخذته معي العياده ولما انتهينا من المرضى وخلد سيدي الى النوم وتبعه غنام بعد الانتهاء من غسيل الالات الطبيه احضرت كتاب الاوعيه الدمويه البشريه الى طاولتي واخرجت القلب من الجراب ويدي ترتعش ثم قربت المصباح مني واخذت اقارن بين الشكل الظاهري للقلب ومثيله المرسوم في الكتاب ثم ازلت الغشاء الخارجي الرقيق بملقاط صغير.. فابتلعت ريقي أضطرابا وانا اتحسس الاوعيه الدمويه التي تلتصق بجداره الخارجي ثم لاحظت ان الجانب الايمن للقلبي يحتل ثلثي الامام تقريبا فقال في خاطري ان اصابه ناي بصورة كبرى ستكون في ذلك الجانب تقريباً. ان لم يخترق الرمح قلبها عن آخره في تلك الليله اكتفيت بمعاينه الشكل الخارجي لغرف القلب الاربعه واوعيتها الدمويه ثم أعدته مجددا الى جرابي وذهبت الى ناي لاحفظه بين الثلج حتى صباح اليوم التالي حيث رجعت الى العياده وكررت ما فعلته الليله السابقه بدراسه جدار الخارجي مره اخرى وان شعرت ان رهبتي قلت بعض الشيء .. في الليله الصابب السابعه من اقتنائي القلب امتلكت الجراه اخيرا لشق جدار بوطينه الايمن بسكين حاد لافتحه امامي كالكتاب المفتوح كانت تفاصيل البطين الداخليه تختلف كثيرا عن رسمه الكتاب خاصه الصمام الثلاثي الذي يقع بينه وبين الاذين الذي يعلوه تحسست بيدي ملمس الجدار الداخلي وخيوطه العضليه وعدت باصبعي الى ذلك الصمام وانا افكر في استحاله اصلاحه إن طالة التمزق بل وصل بي الحال في التفكير الى استحاله اصلاح اي اصابه تتجاوز جدار القلب أمامى لكنى حدثت نفسي بإننى أمتلك وقتا لتعلم كل شئ وواصلت فحصي ومقارنة ما ابصره بتدوينات الكتاب ..ثم قطع ه هدوء الليل فجاه صوت امراه تنادي باسم السيد رسلان وتطرق الباب بقوة خبات القلب سريعا في جرابي واخفيته وراء الطاوله ثم وضعت قماشه فوق الادوات الجراحيه التي كنت استخدمها نهضه غنام ناعسا ليجيب المراه التي لم تتوقف عن النداء وطرق الباب استغرب انني مازلت هناك وقال متذمرا


لماذا لم تجب المراه ما دمت هنا؟! كنت متظاهرا النعاس لقد غلبان النوم ساجيبها في الحال عشان بيده وقال لقد استيقظ سيدي على اي حال.. ثم فتح الباب كانت امراه تحمل طفلا رضيعا بينما يمسك بطرف ثوبها طفلا اخر في السابعة او الثامنة من عمره ..قالت في توسل : ان رضيعي يقئ بلا توقف منذ ساعات هزه غنام راسه ايجابا وادخلها الى العياده كنت استطيع فحص الطفل لكن سيدي قد اتى فوقفت جانبه خائفا ان ينتبه هو او غنام الى الالات الموضوع على الطاوله اسفل القماشه ثم انتهى من فحص الرضيع وامرني باعطائها زجاجه من الاعشاب المهدئه لالتهابات المعده فتحركت لاحضرها ..لكني توقفت مكانى مجمدا عندما وجدت الطفل الاخر يمسك جرابى القماشى ويسأل أمه مستغرباً وهو يخرج القلب منه:ما هذا يا أمى؟!مطأطأ رأسي كنت اقف امام سيدى الذي كان يمسك القلب بيده وبجواره غنام الذى نظف الطاولة والادوات المتسخة ووقف يحدق الي, سألني سيدى بنبرته الهادئة ::من أين حصلت على هذا القلب ؟! أجبته في خزى : أنه قلب للفتاة  التي تهشم صدرها في حريق سنجيرة .. لقد كانت ميته بالفعل هو جبت هذا القلب فرصه لتعلم ما درسته نظرياً في هذا الكتاب وصل سيدي صمته فاردفت مستعطفا... اعلم انني مخطئا باخفائي هذا الامر عنك سيدي لكن اقسم لك انني كنت ساخبرك قريبا ثم سكت بعدما لم اكن املك المزيد من الكلمات فقال سيدى  


-ان للموت حرمة وأنت أنتهكتها ،وبعد أكثر من عامين معي لم تفهم أن أحد اعمدة الطب الرئيسيه هى الامانة ،ولقد خنت الامانه مع اهلي تلك البنت الذين سلموك ابنتهم من اجل مداواتها لا لسرقه احد اعضائها في انانيه مفرطه 


قلت باكياً:لم أكن أقصد كل هذا سيدى قصدت فقط .......قاطعنى في نبرة حادة ..سمعتها منه للمرة الأولى.. 


""لم يعد لك مكاناً هنا .احزم امتعتك وغادر في الحال ......

*********************************************************

الفصل الواحد و العشرون

قلت  

منتحبا ارجوك سيدى كان قصدى التعلم فحسب قال بنبرته الحازمه  


لقد انتهى الأمر  


وتابع وهو يغادر الغرفة  


سيبقى ما فعلته سرا  لن يخرج عنى وعن غنام رأفة بسمعتك هز غنام رأسه مطيعا امر سيده قبل ان يشير لي ان اخرج وهو يقول محذراً.. 


ان اكتشفت لاحقاً فقدان آله واحده من آلالات الجراحيه ..سأبحث عنك في كل مكان وسأتى إليك لأحطم رأسك ..خرجت بائسا تائها تتعلق بتلابيبي كل هموم الدنيا وكان الظلام حالكا فجلست باكياً بجوار بغلي حتى طلع النهار فأمتطيته الي القرية الشماليه واتجهت إلى حانة السيدة سارة حيث انتظرتها حتى تستيقظ قالت عندما التقينا في الظهيرة وحكيت لها ما حدث  


_لن يعدل أبي عن قراره ابدا ،انني أكثر من يعرفه وربما يقاطعنى انا الأخرى لانني من احضرتك اليه  


قلت لن أكن لاتعلم من الكتب فقط .. 


قالت ..كان عليك المحاولة مع قلوب الحيوانات النافقه لم يكن ليلومك احد وقتها..لكن ما حدث قد حدث ماذا تنوى ان تفعل الآن!! 


اجبتها لا اعرف ان رأسي منهك من عدم نومى الليله الماضيه وعلي إحضار الثلج لناي  هذه الليله وغداً  


قالت  .حسنا فلتأخذ قسطا من النوم الآن ..ولنفكر بعدها في خطوتك القادمه يمكنك النوم هنا إن أردت 


قلت لا سأذهب الي الياخشال لأنام بجانبه وسأعود إليك في صباح الغد  


قالت :كما تريد 


اثناء رجوعى من قمة الجبل خطر في بالي أن اعود لعملي القديم  مقطعا لأشجار الغابة لكنى أبعدت الفكرة سريعاً عن رأسي اينعم لم امتلك المدة الكافية لأكون في مهارة السيد رسلان لكنى على الاقل صرت استطيع تشخيص الامراض الشائعه وتضميد الجروح والحروق البسيطة. ..لذا عندما قابلت السيدة ساره في الصباح ..وسألتنى عن خطوتى التالية قلت لها .. إن مرضى القرية هنا يقطعون الطريق الى عيادة السيد رسلان في القرية الجنوبية استطيع ان انشئ عيادة هنا انني امتلك من المهارة ما يؤهلني لمداواة امراضهم البسيطة وما اعجز عنه سأرسله للسيد رسلان ..... ابتسمت وهي تقول 


هذا ما كنت افكر فيه تماما ..


فقلت متحمساً من اتفاقها معي .


_انني ادخر مائتي قطعه نحاسية استطيع ان استأجر بيتا صغيرا وشراء بعض الاوانى الزجاجيه والمعدنية ،وتوصية حداد القرية بأن يصنع لي ادوات بسيطه سهلة التنظيف تساعدني في بداية عملي ..




فقالت :اننى اعرف ايضاالمورد الذى يمد أبي باعشابه الطبية ،قلت في حماس  


السيد نمير اننى اعرفه أيضاً لقد ارسلنى اليه السيد أكثر من مرة يمكننى البدء بكميات قليله من الاعشاب ازيدها فيما بعد مع كثرة المرضي .. قالت حسنا فلتبدأ خطوتك الأولي إذن ومن جانبى فعندما تنتهي من تجهيز العيادة سأعلن في الحانه عن وجود طبيب جديد في قريتنا .وستجد المرضي ينتظرون أمام بابها بأعداد غفيرة في الصباح التالي  استأجرت بيتا صغيراً بالفعل وبعد عشرة أيام كانت العيادة جاهزه لاستقبال المرضى..وفت السيدة ساره بوعدها واعلنت عنى طبيبا جديدا في القرية .. لكن عكس ما توقعنا كان عدد المرضي قليلا للغايه.. بالكاد أتى إلى العيادة ثلاثة مرضي في الشهر الاول .جنيت من وراءهم ثلاث عملات نحاسية ولم يختلف الشهر الثانى عن الاول كثيرا لم يهمنى العائد المادي بقدر ما شغلني المهارات الجراحية التى بدأت أفقدها شيئاً فشيئا مع ندرة المرضى خاصة مع مرور الشهر الثالث دون حضور مريض واحد إلي العيادة فكرت في أن غنام قد وشى بي عند الناس بما فعلته بفتاة الحريق .لكن السيدة سارة اكدت لي اكثر من مرة أنه لا يستطيع مخالفة وعد قطعه أبوها،وانها ستكون اول من يعرف بأي إشاعة.تقال عنى من خلال عملها في الحانة...ثم حل الشهر الرابع فشعرت ان القدر يداعبني إذ حضر الي العيادة ليلا ثلاثة شبان يحملون صديقهم ميتا اثر طعنة في صدره تلقاها قبل  دقائق دار في عقلي وأنا افحص جثته مشهد قتل ناي على أيدى الجنود كاملاً قبل أن اخبرهم أسفا بموته.ارتسمت على وجوههم ملامح رأتها قلقاً أكثر منها حزناً .. وما لبثوا ان خرجوا في صمت دون أن يقولوا كلمة واحده .. ثم سمعت همهماتهم في الخارج فاقتربت من النافذة . فسمعت احدهم يقول للآخرين بنبرة خائفه..ان عرف إخوته أننا قتلناه فلن يتركونا أحياء حتى الصباح .سكت الاخرين وكأنهما اتفقا مع الفاتل في حديثه..قبل ان يقول اخر بعد وقت قصير.لندفنه في الغابة اذن دون أن يدرى أحد..ثم تحركوا بعيداً عن العيادة فوجدت نفسي احمل مصباحى مطفأ ..واخرج ورائهم واتتبع عربتهم من بعيد ..اتجهوا نحو الغابة بالفعل وبعد قرابة فرسخين في داخلها توقفوا وهبطوا من العربة .وبدأ إثنان يحفرو قبرا بينما امسك الثالث  مصباحا منيرا أضاء الأرض من امامهما .بقيت في موضعي ببن الغصون اراقبهم عن بعد حتى انتهوا فوضعوا جثة القتيل في القبر الذي حفروه ثم ردموه وغادروا...فأنرت مصباحي واقتربت من القبر وانا أفكر في ذلك الصدر المطعون وسرعان ما عدت لعيادتى واحضرت فأسا ومنجلا وعدت مرة أخرى الي موضع القبر لأحفره واشق ضلوع تلك الجثة بالمنجل لأفاجأ بأن قلبه سليم .. وأن رئته اليمنى هى ما أصيبت فنزعت القلب السليم دون تفكير ثم ردمت القبر سريعاً وعدت إلي العيادة ..لم اكن أمتلك كتابا عن التشريح في ذلك الوقت لكني بدأت في استرجاع المعلومات في  رأسي وانا اقلب القلب في يدى وانزع غشاءه ،ثم غرزت سكيني بطينه الأيمن وسكبت الماء في الوريد العلوى وضغطته بيدى فأندفع الماء من الشق الذي أحدثته فأحضرت خيطا من الحرير وبدأت اخيط طرفي الشق ثم سكبت الماء مجددا في الوريد فتسرب عبر الشق مرة أخرى فنزعت الخيط وبدأت اخيطه مرة أخرى لكن احدى حافتي الشق لم تتحمل قوة الخيط ومزقت ومعها صار التسرب أمرا لا يعالج ،،احدثت شقا آخر في البطين الأيسر فحدث الأمر نفسه.بعدها واصلت محاولاتى لتفادى تمزق الحواف لكنى لم انجح وتلف القلب تماماً ،فقطعته قطع صغيرة والقيتها لكلب ضال ...بعد أقل من أسبوعين خطر في بالي ان استخدم ابره رفيعه وذات خيط ارفع  قد يكون مجديا مع تمزق الحواف فذهبت في الحال إلي جزار واشتريت منه قلبي خروفين  كان قد ذبحهما ذلك الصباح ،استعملت الإبرة الرفيعه فكانت النتيجة افضل كثيرا من الاخرى السميكه وان بقي هناك تسرب لا يمكن تجاهله دونت ملاحظاتى في دفترى ووضعته جانباً عندما حضرت إلي العيادة سيده فاقدة  للوعي ..قال مرافقوها ان اختها ماتت في الصباح ودفنت في مقابر القرية . وصفت لها اعشابا مهدئه..لكني وجدت ليلا اذهب الى المقابر وكأن شيطانا يقودنى واحفر قبر تلك الميتة ..واعود به إلي عيادتى ...كانت المرة الأولى التي اذهب فيها الي مقابر القريه ولكنها لم تكن الاخيرة . إذ ذهبت إلى هناك بعد أقل من شهر واحد لانزع قلب امرأة عجوز ماتت وحيدة بلا أهل واذهب بعدها بأسابيع قليله لانزل قلب رجل مات بالحمي وبعدها بأسبوع واحد لانزع قلب ..طفلة سقطت من فوق حصان أبيها ..ثم نقلت عيادتى إلي بيت يطل على الطريق المؤدية إلى المقابر وحينها كنت لا افوت جثة طازجه دون أن اخذ قلبها إلي غرفة جانبية في عيادتى من اجل التعود على خياطة جروحه حتى اتقنت تلك الخياطة تماما دون تسرب بعد سبعة شهور نزعت خلالها ستة عشر قلبا لتحين خطوتى التالية ..شق الضلوع بطريقة لا تؤذي الرئة  أو الاوعيه الكبري أسفلها.واغلاقها بإحكام من جديد.هذا الامر الذى رأيته لا يقل أهمية إصلاح تمزق القلب حينذاك ذهبت إلى حداد من قرية أخرى  كنت قد داويته من قبل وانا اعمل عند السيد رسلان.. وطلبت منه ان يصنع منشارا خفيفا وحادا للغايه يستطيع شطر ذبيحة إلي نصفين في ثواني..ووعدته بمكافأة مجزية إن نجح في ذلك  



عندما احضر الحداد لي ذلك المنشار في عيادتى لمعت عيناي ببريقها وانا اتحسس اسنانه الحادة وصلابة فولاذه واعطيته عشر قطع نحاسية .مقابلا له وفي الليلة نفسها ذهبت الي المقابر واخرجت جثة شاب طازجة وشققتها نصفين عند منطقة البطن .ثم فصلت الرأس عن النصف العلوى .ثم وضعته في جوالي وردمت القبر وعدت إلى عيادتى حيث استخدمت سكينى لسلخ الجلد فوق الضلوع اليسرى قبل أن ازيل عضلات الصدر في هدوء واشق الضلوع تباعاً بمنشار صغير كان لدى لأفتح الصدر امامى بالطبع كنت اعرف أنها ليست الطريقة التى أصل بها إلي قلب ناي لكنها الوسيلة المثلي لدراسة جدار الصدر  كي اجد طريقي الأمن الي قلبها.. في خلال اربعة اشهر بعد ذلك اليوم احضرت الي العيادة ثلاثة عش نصفا علويا لجثث طازجه  استطعت من خلال تشريحها تدوين كل تفصيلة عن جدار الصدر الامامى . وإن لم استطع تثبيت الضلوع التى قطعتها بالمنشار في جميع المحاولات التي اجريتها باستخدام ابرى وخيوطى الطبية ..لذا جربت خلال الثلاثة أشهر التالية طريقة شق عظمة منتصف الصدر باستخدام منشارى بعيدا عن الضلوع لاجدها تستهلك وقتا طويلا وتستلزم دقة شديدة إن فقدتها في أي لحظه لن اتفادى اصابة نسيج حيوى وراء تلك العظمه  


بعد قرابة خمسة شهور اخرى من المحاولات وصلت إلى الطريقة المثلي التي لا اصيب بها اي نسيج هام عندما خطر في بالي عملي القديم وانا افصل لحاء الأشجار السميك الملتصق بجذعها  لاكتشف أنني اخطأت  باستخدام المنشار لشق عظمة الصدر وان استخدام السكين من خلال تجويف تلك العظمة العلوى هو الافضل .وبعد أسابيع من استخدام تلك الطريقة وجدت أن إضافة استخدام المطرقة فوق السكين يوفر وقتا وجهدا كبيرين ..ثم رسمت هيكلا لسكين طرف نصله ذات بروزين جانبيين صغيرين بينهما فراغ يناهز سمك عظمة الصدر مما يحكم مسار السكين. اثناء طرقي له بالمطرقة ثم اعطيته للحداد صنعها لي بمهارة فائقة ليصبح شق الصدر مع تلك الطريقة امن وسهلا وموفرا للوقت في الآن نفسه ولم تمر أياما بعدها حتى توصلت إلي طريقة اغلاق تلك العظمة عن طريق اسلاك نحاسية رفيعه تمر بين الضلوع لتحيطها بإحكام لأتنهد وأنا أشعر للمرة الأولى بعد مرور قرابة اربعة سنوات ونصف على موت ناى انني قادر اخيرا على إصلاح قلبها وان ام اتوقف عن اجراء مزيد من التجارب في غرفتي الجانبية التي لا يدخلها احد غيري... 


حتي حدث مالم اتوقعه بعد شهر فقط عندما اخرجت جثة شيخ صبيحة ذلك اليوم.وبعدما عدت بنصفه العلوى إلي العيادة وبدأت اشق صدره سمعت نباح كلب مستمر في الخارج لم اهتم بالامر في البداية فعادة ما تنبح الكلاب الضالة في الليل خاصة في الليالي المظلمة التى يغيب فيها القمر ولكن استمرار النباح حتى الفجر جعلني افتح النافذة متذمرا واقذف هذا الكلب بحجر فركض بعيدا فعدت إلي الداخل لأكمل عملي قبل أن يغلبني النعاس لاستيقظ في الصباح على وقع اقدام حولي وعندما فتحت عيني وجدت سبعة رجال غاضبين يحيطون بفراشي وفي ايديهم سيوف وفؤوس ويمسك أحدهم أيضا بشئ ليس غريبا علي رفعت يدى خائفاً ومتسائلا عما يحدث  قلكمني أحدهم لكمة افقدتنى وعي في الحال .. كان هؤلاء الرجال هم ابناء الشيخ الذى شققت جثته والكلب النابح كلبه الذى لازمه أحد عشر عاماً ..والذى شم رائحة جسده في عيادتى قبل ان يجر بأسنانه أحد أبناء الشيخ الي المقابر .ويحفر بقدمه عاويا ردم القبر في إصرار ليلاحظ حينها ذلك الابن بقعة دم بجوار القبر ،ويحفر القبر من جديد ويكتشف اختفاء نصف جثة أبيه ،بعدما قاده الكلب هو وإخوته إلي عيادتى وقبل أن انهض كانو قد الصندوق الذى أضع فيه نصف أبيهم واربعة قلوب أخرى والقبو الذى دفنت فيه بقايا تسعة وعشرين نصفا بشريا ،لارى وأنا اعلم احدهم وهو يمسك قلبا في يده أن كل شيء قد انتهى..جرونى  مكبلا معصوب العينين بعد ساعات من الضرب المبرح الي سجن القرية فأدركت أننى سأخضع الي قاضي القرية وهو رجل ستينى كانت مهمته الحكم في القضايا الكبرى التي تحدث في قري شمال غرب الغابة  وبعد ثلاثة أيام لم أذق خلالها إلا مزيدا من الضرب ،علي ايدى الجنود اخرجونى الي المحكمة التي أقيمت في ساحة كبري تجاور حانة السيدة ساره كان الناس يحتشدون فيها بأعداد غفيرة عندما صعدت منصة تلك الساحة هدر المحتشدون وصاحوا نحوى بكل انواع السباب وبدءو بإلقاء الحجارة تجاهى لأصرخ متألما تسيل الدماء من كل أجزاء جسدى ثم ساد الصمت المكان عندما صعد إلى المنصة ذلك القاضى وسألنى مباشرة لماذا نبشت قبور موتانا ؟كنت اعرف أننى لا املك مجالا للانكار 


 فقلت


... .. كي اتعلم مداواة مرضاكم وقد تعلمت إصلاح القلوب المطعونه بالفعل ضج الناس من جديد غير راضيين بإجابتي ،نظرت نحوهم في استعطاف خاصة السيدة سارة التى وقفت بينهم تنظر نحوى في خيبة أمل ألقي القاضي خطبة طويلة عن حرمة الموتى وعن الشيطان الذي قادنى لفعل تلك الجرائم لم أكن في كامل تركيزى مع الضعف الذي كنت أشعر به وشرودى في المصير الذي كنت اعلم تماماً أننى على حافته . حتى انتهى فنطق حكماً بإعدامى شنقاً أسفل ضوء البدر متمسكاً بالعادة القديمة التي تميزت بها بلادنا إذ اعتاد القضاة منذ قديم الأزل تحديد وقت شنق المذنبين في الليلة الثانية من التقاء شاهد الوادى مع البدر الاخر ظنا منهم أن الأرواح الاثمة تهاجر عبر العابرات لتغتسل من ذنوبها وبعد اختفاء الشاهد استمرت تلك العادة موجودة دون تغيير .هلل الناس مع حكم القاضي وبعدها انزلنى الجنود كى اركب عربة السجن فأنهال علي بالضرب من استطاع منهم الوصول إلى.لتتحطم ثلاثة من اسنانى الأمامية وعظمة وجهى اليسري وضلع أو أكثر من جانبي الأيمن.واهوى صارخاً من شدة الألم بينما يواصل الجنود جرى بصعوبة إلي العربة.حتى اركبونى فيها وقادوها الي السجن لأقبع هناك حتى حلول منتصف الشهر،غارقا في بحر من المشاعر المتضاربة قضيت الايام المتبقية على موعد اعدامى كان أشدها قسوة هى خيبة الأمل التي شعرت بها بعدما ألقيت بنفسي إلي التهلكة قبل نهوض ناي،فكرت في الثلج الذى لابد وأنه ذاب من حولها ،كنت مع مرور كل تلك السنوات لم تدع لي مجالاً للشك في أنها تملك مزية الاحتفاظ بجسدها لكني دائماً كنت أمتلك وسواسا قويا بأن نسيجها قد يصيبه التعفن إن تغافلت يوما عن ابقاءها في الثلج ،صرخت كالمجنون رغم ألم صدرى 


_ناي ..اخرجونى .. إنها تحتاج إلى الثلج 


ضحك الجنود في الخارج.ولم يعيرونى اهتماما فبكيت ثم صرخت مجدداً.


احضروا لي السيدة سارة , احضروا لي السيد رسلان أريد أن أقبل قدميهما كى يعتنيا بناي واصل الجنود تجاهلي .فطرقت بيدى على باب الزنزانة بقوة حتى ادميتها ثم جلست باكيا اندب حظى وأنا اضرب مؤخرة رأسي في الجدار بغية تحطيمها .. بين هلاوس لا تنقطع ليلا ونهارا وبكاء وصراخ مرت ايامى المتبقية حتى أتت الليلة الثانية من البدر في السماء فأزال الحلاق شعرى الطويل عن آخره ،ثم وضع عصابة سوداء على عينى وعقدها من الخلف ليعزلنى عن العالم حولي بعدها جرنى الجنود الي  العربة .ليتناهى إلي مسامعي صوت قعقعة الرعد الذى بدا هادئاً بعض الشئ قبل أن يشتد فجأة ،ويرافقه صوت سقوط الأمطار بغزارة .قال أحد الجنود الذين يرافقوننى وهو يوقف العربة 


_لابد أن الإعدام سيؤجل الي حين توقف المطر،لم أرها غائمة هكذا منذ سنوات 


هذا ما حدث بالفعل إذ ابقونى فى العربة مدة طويلة جداً استمر خلالها هطول المطر  لدرجة انى ظننت أن اعدامى سيؤجل شهراً مع اقتراب بزوغ الفجر دون جديد بيد أن الطقس تبدل فجأة وتوقف المطر عن هطولة وسرعان ما سمعت المنادى ينادي إلي أهل القرية ان يخرجوا للساحة ليشهدوا إعدام نابش القبور ،حينذاك تقدمت بنا العربة في الوحل قبل أن تتوقف مرة أخرى وينزلنى الجنود ويصعدو بي سلم المنصة الخشبية ويوقفونى بعصابة عينى في جانب منها مدة أخرى من الوقت بعدئذ سمعت صوت قائد الجنود يأمر جنده بجرى إلي المشنقه التى نصبت في منتصف المنصه حينها نزعوا عن عينى العصابة السوداء فوجدت الحشود الهائلة تقف أمامى يحملون مصابيحهم ويحدقون الي بأعين غاضبه ،بحثت بينهم عن السيدة سارة لكني لم ابصرها ،ثم نظرت بعيدا نحو ظلال الجبال السوداء التي ظهرت أسفل ضوء القمر رغم الغيوم الكثيفة ،وصرخت بكل طاقتى 


لااااي 


ضحك الجندى الذى كان يحرس زنزانتى واعتاد سماع ندائى باسمها فواصلت صراخى .. 


_ ناااااي........ ناااااي 


ضحك الحاضرون.وبدءو يصيحون نحوى مستهزءين فواصلت صراخاتى  


ناااااي فأخذ بعضهم يلقي الحجارة وهم يضحكون لكن ضحكاتهم تحولت فجأة إلى ملامح قلق ودهشة وجمود        بعدما انقشعت الغيوم من السماء فجأة وظهر من أسفلها ما ظللت انتظره كل تلك السنوات؛!  


             شاهد الوادى 

*********************************************************

الفصل الثاني و العشرون

ساره 


خلف نافذه حانتي المطله على ساحه الاعدام كنت اجلس على الارض لا اقوى على النهوض لرؤيه مشهد شنق نوح بل اخذت ابكي حزنا عليه فرغم بشاعة ما اقترفه بقى في داخلي جزء يصدق نبل هدفه ويشفق عليه بعدما اضاع حياته وفاء للملدية التي احبها عندما تعالى الضجيج في الخارج عرفت ان قائد الجنود أمر بجره الي المشنقة ثم سمعت صراخه باسم ناي فلم استطع امساك نفسي عن مزيد من البكاء بعدما وصلت صرخاته الى اذني وكانها تقول اعتني بناي من بعدي يا ساره ثم حل السكون مفاجئ فاصابتني الحيره بعد الشيء خاصه انني لم اعتد ذلك السكون عن حاضري الاعدامات قط بالعكس كانت صيحتهم في ذلك الوقت عادة ما تتعالى لاعنة المعدوم و محتفله بعقابه ولما طال ذلك السكون نهضت وفتحت نافذتي في فضول كي اتبين ما حدث فوجدت الجميع جامدين رافعين رؤوسهم نحو السماء محدقين الي الشاهد الذي عاد إليها ومنهم من ينظر الى نوح مرتعبا متخيلا ان صرخاته باسم ناي هي ما أعادت الشاهد الي الظهور حتي أن قائد الجنود اوقف الاعدام في الحال ثم تحول السكون الي حالة من الهرج والمرج عندما فوجئنا بمجموعة صغيرة من هياكل الذئاب العظمية تجري بين المحتشدين وتهاجمهم لادرك ان اجدادنا فوتوا جثث بعض الذئاب لم يدفنوها كلها في الوادي الاسود اثارت تلك الهياكل هلع الجميع فركضوا متفرقين في جميع الاتجاهات محتمين ببيوتهم بينما احاط الجنود بقائدهم وبالقاضي ونسوا امر نوح الذي ظل واقفا وحيدا فوق المنصه ينظر الى ما يحدث في جمود وكانه يظن انها خيالات واوهام يراها وحده فحسب قبل ان يدرك انها حقيقه ويحاول تخليص نفسه من الحبل المقيد لمعصمه حينذاك خرجت سريعا وركبت حصاني ورقدت به نحو المنصه لاصرخ اليه وهو يواصل محاولاته لتحرير قيده هيا لا يوجد لديك وقت قفز الى صهوة الحصان خلفي فرقدت به نحو عيادته بينما بدا الجنود في ملاحقه هياكل الذئاب بعدما حررت معصمه بسكين في عيادته قال في حماس شديد وهو يملم  ادواته الجراحيه سريعا كنت اعرف انه سيظهر يوما ما ساصلح قلبها سيدتي ساصلحه فتساءلت في قلق ماذا ان كانت الفتاه قد نهضت بالفعل قال لا اظن ان الياخشال معزول عن السماء بصخور جبليه مائل فوقه كان المكان مثاليا في تلك النقطه على ان اصلح قلبها اولا ثم اخرجها الى الفضاء المجاور ليصل لها ضوء الشاهد ثم حمل جرابا قماشيا كبيرا وضع في ادواته الجراحيه ومصباحه وبعض الملاءات والضمادات وفستانا نسائيا ابيض اللون وانطلق بحصاني وانا اركب وراءه نحو ياخشال ناي كان النهار قد طلع عندما وصلنا الى هناك فتح الصندوق فوجد الثلج لقد صار ماء باردا حمل ناي منه وانتظرني حتى اغلقت الصندوق واضع عليه ملاءة نظيفه من الملايات التي احضرها معه ثم ارقدها عليها برفق بعدها اشعل مصباحه واعطاه لي لكي امسك به وفرش ملاءة نظيفه اخرى على الارض بجواره ووزع فوقها الاته الجراحيه التي بدا ان جهزها جيدا من اجل تلك اللحظه شق اولا فستان ناي القديم مظهرا نصفها العلوي بالكامل ثم امسك سكينا صغيرا واحدث شق راسيا في منتصف صدرها تماما تسارعت حينها دقات قلبي فرغم انني رايت ابي كثيرا وهو يعالج جروح واصابات بالغه فانني لم احضر معه قط وهو يشق صدر انسان ويهم بفتحه لم يعبأ نوح بانفاسي الثلاهثة وامسك بسكين اخر في بروزين صغيرين جانبين عند طرف نصله وغرزه في تجويف باعلى عظمه منتصف الصدر التي ظهرت امامنا ثم امسك بيده الاخرى مطرقه صغيره وبدا يترك بها على السكين فبدات العظمه تنشق رويدا رويدا في مسار ثابت حتى شقت عن اخرها نظرت له في انبهار وانا افكر في انه لقد اجد تلك الطريقه من خلال تجربته في الجثث التي اخرجها من القبور نجاحا فيما هدف اليه تماما بعدها فتح الصدر امامنا باستخدام مبعدين معدنيين فظهر التجويف الصدري وما به من قلب ورئه واوعيه دمويه امام عيني ابعد الرئه المغطية لجزء من القلب وساني ان اقترب المصباح بعض الشيء واخذ يفحص القلب مليا حتى نظر لي بأسما وهو يقول بارتياح واضح ان الرمح لم يخترق الجدار الخلفي للقلب ان الجدار الامامي فقط هو ما أصيب انني محظوظ للغايه ثم قطع جزءا صغيرا من غشاء القلب وثبته فوق الجرح الظاهر امامنا قبل ان يبدا في طاقيته في هدوء وتركيز شديدين تمنيت لو كان ابي موجود ليرى المهاره التي يخيط بها نوح الجرح حتى انتهى فقال اعتقد ان الدماء ستتدفق الى العروقها مع نهودها لقد اغلقت الجرح مثلما تعودت ان افعل في تجاربي الناجحه قالت باسمة ستصبح بخير هزه راسه ايجابا ثم تاكد من عدم وجود اصابات اخرى في الرئه او الاوعيه الدمويه واغلق القفص الصدري مجددا باستخدام اسلاك نحاسيه رافعه مررها من بين الضلوع بدا يحيد نصف العظمه منتصف الصدر المشقوقه ويلفها باحكام شديد لقد اغلقت تماما ثم خيط الجلد من فوقها وترك ابرته جانبا وقال متنهدا لقد انتصرت اكثر من اربع اعوام ونصف حتى تاتي هذه اللحظه سيتبين النتيجه مع ظهور الشاهد ليلا قالت وانا انظر الى صدر الفتاه اعتقد بعد كل ما حدث سينجح الامر قال اتمنى ذلك ثم سالني ان البسها فستان الذي احضره معه وخرج لينتظرني في القارض ففعلت ما طلبوا مني ثم ناديته فدلف الى الداخل الياخشال مجددا لنجلس بجوار ناي في انتظار حلول الليل لم نتحدث كثيرا خلال ساعات التي مكثناها ننتظر اذا ظل الفتي شاردا طوال الوقت محدقا نحو ناي وكلما هيئ له ان الفتاه تتحرك انتفض من جلسته ليقترب منها وعندما تاكد من سكونها يعود مره اخرى ليجلس بجواري فأقول له باسمة لم ياتي الليل بعد فيهز راسه في توتر ويواصل حملقته فيها عندما حل الليل خرجنا من الياخشال ونظرنا نحو الشاهد نظره طويله شعرت حينها بالاضطراب الذي يغمره كليا قبل ان ينظر الي وكانه يريد مني كلمه تدفعه لفعلها فقلت لقد حانت اللحظه التي انتظرناها لسنوات وكدت تموت من اجلها قال لم اظن انني ساكون مرتبكا الى هذا الحد فقالت مشجعه لقد فعلت ما عليك ان انتظرنا النتائج دائما ما يرافقه قلق انه امر طبيعي هيا لنرى كيف كانت مهاراتك في اصلاح القلب الفتاه ايها الطبيب الماهر فهزا راسه صامتا بوجهه يحتقن من الارتباك ثم دلف الى الداخل الياخشال حامل ناي وخرج بها الى رقعه ارض مكشوفه كنت قد فرشت بها ملاءة نظيفه وضعها عليها لم نكن في حاجه الى ضوء المصباح بعدما كان الضوء الشاهد والقمر الاخر كافيان لاظهار كل شيء ورغم ذلك احضر المصباح الى جانبها ووقف بجوارها ينظر الي فمددت يدي وامسك بيده التي كانت ترتجف قال فجاه وكانه تذكر شيء ستشعر بالالم شديد عندما تنهض قلت باسمة ما اكثرها الاعشاب المسكنه قبل ان اصرخ الي عندما لاحظت بدا زوال شعوبها شيئا فشيء وكان الدماء اندفعت في عروقها كالماء يتدفق الى الانهار الجافه لتعطي جلدها لونا ورديا فاتحا فزاد ارتجاف يده قبل ان ينزل على ركبتيه بجوارها بانفاس كنت اسمعها ويفتح ازرار فستانها باضطراب ويقرب المصباح من صدرها ويمد طرف اصابعه الى الجرح المخيط في منتصف الصدر ويقول غير مصدق هناك قطره من الدماء بين حافتي الجرح كانك خيطت جرحا حديث قال لقد بدات المعجزه في الحضور قال وهو يضع اذونه على صدرها الساكن لم يدق قلبها بعد لكنه ما لبث ان فتح فاهه مذهولا وقال لا هناك دقات ضعيفه نوعا ما لكنها دقات قلبيه ثم رفع راسه عن صدرها وسرق وهناك تنفس ايضا وقال لندعها تنال كفايتها من الضوء الشاهد لدينا الليله باكملها هز راسه موافقني بايماءات مضطربه سريعه وعاد كالطفل ليجلس على بعد خطوتين منها لكنه سرعان ما رجع اليها ووضع اذنه على صدرها وقال ما زالت ضعيفه ضحكت وانا اقول لم تمر دقيقه منذ اخر مره سمعت فيها دقات قلبها فعاد الى ما كانوا وجلس وقتا اطول تلك المرة شيء فشيء صارت حركه صدرها ملحوظه ولما عاد نوح وضع راسه مجددا فصاح في فرحه كبرى صارت دقات القلب اقوى يمكنك ان تضع راسك لتسمعها قلت باسمة وانا استشعر الدفء يديها لا احتاج لسماع قلبها لقد نهضت اميرتك ايها الفتى اعتقد انها نائمه فحسب قال هامسا وكانه لا يريد ازعاجه من نامها ساظل بجوارها حتى تنهض من تلقاء نفسها فضحكت وقالت وانا لن اغادر حتى اشاهد لحظه لقائكم ضحك وربت على يدي شاكرا واكملنا جلوسنا بجوارها حتى طلع النهار ورحل الشاهد عن السماء حينئذ جس نبض شريان رقبتها في ترقب وعندما تاكد انه لا يزال محسوسا كانت استلقى بجوارها ناظرا الى السماء في ارتياح زال عن صدره بعدها بقليل ابصرت اصابع يد الفتاه اليسرى تتحرك فصحت اليه فوثب من رقدته وحملق في يدها التي ارتفعت لتتحسس منتصف صدرها ووجهها الذي بدا يعتصر تالما قبل ان تفتح عينها ببطء لتظهر مقلاتها الصفراوين وتلتفت حولها محدقه الينا وقتها شعرت بتسارع دقات قلبي وهي تتفحص وجهي قبل ان تحرك مسارها الى نوح الذي بدا يبكي وتقول بصوت وهن بعد لحظات من التامل وجهه ماذا حدث يا نور هل نجونا من الجنود واين ابي وامي فاخذ ينشج بقوه اما انا فعدت الى الخلف بضع خطوات وعقلي يفكر اننا وان حققنا معجزه بعوده الفتاه مجددا الى الحياه فاما زنا في حاجه الى معجزه اخرى لكي يتقبلها اهل القريه بعيناها الصفراوين بعد ما راوه ليله امس من هياكل الذئاب الناهضه 

*********************************************************

الفصل الثالث و العشرون

ذاهلة ومصدومة وغير مصدقه كانت ناي تستمع إلى نوح وهو يسرد لها ما حدث منذ طعنت بالرمح في قلبها حتى اللحظة نهضت بها،بينما جلست بجوارهما استمع الي ما يقوله الفتي وأؤمن على كلامه في كل مرة كان يومئ لي لأؤكد حدثا ما ،في داخلي كنت اعذر الفتاة في الاضطراب الذى  تشعر به .فمن ذا الذي يصدق ما حدث ان كان في موضعها ...خاصة مع إخفاء أمها عنها احتمالية نهوضها ان قتلت وظهر الشاهد من جديد انتهى نوح من سرد قصته من غير أن يذكر امر اخراجه الجثث من القبور او الحكم بإعدامه، 


فقالت الفتاة لا اصدق شيئاً من هذا. ولكنى أتعجب من ملامح وجهك كيف كبرت فجأة وكأنك صرت رجلاً راشدا بين يوم وليلة!!  


ابتسم وقال: سيظهر الشاهد مع حلول الليل وعندما تبصريه ستصدقين كل كلمه قلتها .. 


تساءلت : أين أمي وأبي ؟ 


قال ؛لا اعرف عنهما شيئا منذ خطفت جسدك وجئت الي هنا لكنى قد ارجعك إليهما حالا إن احببت .. 


قلت مقاطعة له:لا أظن أن تحركنا في الحال فكرة صائبة ..لابد أن الناس يعيشون الآن رعبا حقيقياً بعد ما حدث في الامس ومع انتشار الشائعات والخرافات بينهم لن تضمن رد فعلهم نحو ناي إن رأوو عينيها  


زم نوح شفتيه وقال: إذن ماذا نفعل ؟! 


فكرت قليلاً ثم قلت:سأذهب اولا إلي الحانة لاحضر ثوباً ذا قلنسوة لها وعصابة قماشيه سنغطى بها عينيها ثم نتجه بها إلي الغابة ليلا عندما يأوى الناس الي بيوتهم  


اومأ برأسه موافقنى ،فنهضت وركبت حصاني لأعود إلي الحانة فوجدت الهرج والمرج لا يزالان يغمران القرية وكثيراً من الجنود قد حضروا إليها من أماكن أخرى واصطفوا في صفوف منتظمه في الشوارع الاساسيه وساحه المحاكمات ،سألت أحد المارة فقال  


إنهم يستعدون للبحث في كل مكان عن اي عظام للذئاب قبل حلول الليل وسمعت أخبارا  عن إجلاء وشيك لأهالي القرية لكنها لا تزال اخبار غير مؤكدة ..شكرته ثم توجهت سريعاً الي الحانة واحضرت من غرفتها الخلفية فستاناً ذا قلنسوة كبيرة يناسب مقاس ناي وقماشه سوداء نظيفة نسيجها رقيق بعض الشئ ،وبعض الطعام ،ومن اسطبلها. حصانا آخر ،ثم توجهت إلى عيادة نوح واحضرت بعض الأعشاب المسكنة التى كنت أعرفها منذ معيشتى مع أبي وعدت مرة أخرى إلي نوح وناي ،لأجده قد حطم الياخشال بفأسه  


فتساءلت مستغربة لماذا فعلت ذلك ،؟!قال باسما :كنت انتظر اليوم الذى احطمه فيه وقد حان . 


رفعت كتفي متعجبة وقلت :لقد أضعت أثرا ربما يحكي عنه مستقبلاً في القصص الرومانسيه  


ضحك ولم تضحك ناي التى كانت لا تزال في حالة الاضطراب التي تنتابها ،فأعطيت لها الفستان الذى احضرته ،ثم لاحظت عدم قدرتها علي رفع يدها من الم صدرها عندما أرادت ارتداؤه فوق ثوبها ،ساعدتها وقلت لنوح وانا انظر إلى الشمس التي كانت في طريقها إلى الغروب.. يبدو أن الفتاة في حاجه الى الراحة لاكثر  من يوم كى تستطيع التنقل .لكن للأسف كان علينا التحرك بها الي الغابة هذه الليله كما قررنا ،قبل وصول الجنود الباحثين عن عظام الذئاب الي هنا 




هز رأسه موافقاً وهو ينظر إلى الفتاة...عندما ظهر الشاهد في السماء نهضت ناي من رقدتها بصعوبة وثبتت عينيها إليه في ذهول وصمت تامين كاد نوح ينطق فقبضت على يده كى يتركها وشأنها في تلك اللحظه،ثم نظرت نحونا وكأنها بدأت تصدق ما قاله نوح فقال ؛لم اكذب عليك في كلمة واحده  


فتحركت إليه ببطئ واحتضنته دون أن تقول شيئا..فقط تساقطت دموعها على وجنتيها قلت حينها  


علينا أن نغادر الآن قبل أن يهاجمنا هيكل ذئب أو ملدى ناهض مثلك ...ومازحتها 


مع كل الاحترام لك طبعاً ، 


ابتسمت وهزت رأسها إيجابا .فركب نوح الحصان وحملتها بمساعدته إلي وراءه ،وركبت آلحصان الاخر لنتحرك هابطين نحو الطريق الملتف حول القرية والذى كان مهجورا تماماً في ذلك التوقيت وعلي الرغم من ذلك حرصنا على إخفاء عيني ناي  بالعصابة القماشية واخفاء رأسها بقلنسوة الفستان الكبيرة حتى وصلنا علي مشارف الغابة وهناك ازلنا عنها القلنسوة وعصابة عينيها.. 


وانطلقنا إلي أعماقها حتى قطعنا مسافه بعيدة عن القرى ،فعزمت أن اتركهما واعود ادراجى  


لكن نوح رفض خوفاً من تعرضي لأي هجوم مفاجئ من الذئاب الناهضة ،فوافقته بعد تفكير واكملت معهما الطريق إلي بيت والداى ناي الذى وصلنا إليه مع طلوع النهار .ووجدناه مهدوما محطم الأبواب والنوافذ والأثاث وشباك العناكب والأتربة تعشش في كل أركانه وفي فناءه الخلفي كانت توجد عربة متهالكة تحمل صهريج ماء  


تغطية التراب قالت ناي في صدمة كبري بعدما تفحصتها ،اين ذهبا؟ولماذا لا اشم رائحتهما في البيت او في عربة أمي ؟! 


تنهد نوح وقال بحزن  


يبدو أنهما هجرا البيت منذ سنوات ،ربما غادرا بحثاً عنك وعني ارتسم الحزن على وجهها فقلت  


لا تقلقي سنبحث عنهما مستقبلا.اما الان فاعتقد أن هذا المنزل مناسباً لأخفاءك هنا حتي تتضح معالم الأيام القادمة ويلتئم جرحك تماماً ..اتفق نوح معى،ولم تعترض الفتاة.فبدأت انا ونوح ننظف البيت وما يصلح من اثاثه ولما انتهينا مع حلول الليل اتخذت ناي غرفتها القديمة غرفة لها .واتخذ نوح غرفة ابيها وأمها لمنامه ،اما أنا فبت ليلتي مع ناي قبل أن اغادرهما إلي قريتى في صباح اليوم التالي على وعد بالعودة إليهما في اقرب وقت ،،،، 


            *************** 


فى خلال الأيام التالية استمرت حالة الهرج والمرج اللمتزجة بالخوف في قرانا وتواصلت حملات الجنود الباحثة عن عظام الذئاب نهاراً،وعرفنا أن الحاكم أعطى أوامر بمضاعفة سمك طبقة القار  المغطية للوادى الاسود واحاطته  بكتائب من الجنود  وكثرت الاقاويل  بين الناس أيضا عن اعتقال كل من يشك في امر حمله لصفات ملدية فاخبرت نوح بذلك في أثناء احدى زياراتى له ولناي في بيتهما في الغابة فأدركت ان الفتي لم يكن ينوى مغادرة الغابة على أي حال وكأنه اكتفي من الدنيا بناى ،، 




في تلك الآونة تعود الجنود على إحراق اي عظام يجدونها نهارا أمام العامة من أجل طمأنتهم ،والقلة القليلة من هياكل الذئاب التى كانت تنهض ليلا وتهبط الي قرانا تم صيدها بواسطة فخاخ نصبت وشباك تقيد حركتها حتى طلوع النهار ،لتتهاوى عظامها منفصلة فتجمعها الجنود ويحرقونها هي الاخرى اما ما اثار الرعب حقا هى الهياكل العظمية الملديين الذين هاجمونا فجأة بإحدى الليالي وهم يحملون سيوفا لا اعلم من اين اتو بها في تلك الليلة قتلوا فقط من قريتنا ثمانين فرداً من بينهم ثلاثين جندياً وغادرو القرية قبل طلوع النهار والغريب أن الجنود لم يعثروا على اي أثر لعظامهم خلال الحملات التي قاموا بها في الانهر التالية بالجبال المجاورة ليهاجمونا بعدها مرة اخرى ويقتلو عددا آخر من الرجال في قريتنا والقرى المجاورة وللاسف كان من بينهم أبي ومساعده غنام حينذاك امر الملك بإخلاء قرانا ونزوحنا جميعاً عنها لتتحرك قوافل السكان نهارا محاطة بالجنود نحو الجانب الآخر من الغابة اما أنا فاتجهت الي ناي ونوح لأعيش معهما على الرغم من شعورى بأن محبتي للفتاة قلت كثيراً بعد ما حدث لابي ،لكنى استمعت إلي جانب ضئيل في داخلي كان يري أنها لا تحمل أي ضغينة نحونا ولا تهتم بما يريده الشاهد ولا هياكله الناهضة ،حزن نوح علي مقتل أبي وواساني كثيرا فشكرته على ذلك وشكرته علي سماحي بالبقاء معهما حتى أستطيع العودة إلى قريتى بعد استقرار الامور ،لتمضي أيامي معهما متشابهة نحضر طعامنا من ثمار الغابة وماءنا من عربة أم ناي من عين كانت تنبع على مقربة منا .ونتسامر مساء في اي شئ حتى يغلبنا النعاس وبين حين وآخر كنت أذهب الي قري شرق الغاية لاستقصاء ما وصلت إليه الامور ،حتي حدث ما لم نتوقعه 


بعد شهرين من نهوض ناي إذ حدثتنا  الفتاه فجاه بانها استقبلت اثناء نومها رؤيه بثها الشاهد قالت انه يؤكد عجز ضوءه عن الوصول الى الذئاب المدفونه ويوصل ماديين بالتوجه في جماعات الى الوادي المغطى بالقار كي يحرروا الذئاب دق قلبي خائفا مما عرفتي بان هناك مئات الالاف من الذئاب مدفونه هناك وانت حققت تلك الرؤيه واستطاعت هياكل الملديين الناهضه وازاله طبقات القار فنحن هالكون لا محاله وان فكر جانب في داخلي  بان بقائهم خامدون نهارا يظل مذريه كبرى تحقق النصر لجيشنا بيد ان ناي استقبلت رؤيه اخرى بعد سته اسابيع تكشف ترتيب الشاهد للاحداث اذ وعد الملديين بعوده ذئب صامون من اجل فتح العابرات التي لا يستطيع فتحها دونه ومن بينها عابره بحيره جماره التي ما ان ينبع مائها مجددا حتى يذهب اليها كل ما هو ناض ويغمر عظامه فيها فيكسى لحما من جديد ليبقى على قيد الحياه ليلا ونهارا قال نوح حينئذاك مرتعبا: 


اذا لو عاد ذلك الذئب الى بلدنا ستكون النهايه. 


قالت: 


نعم ينتظر الشاهد ان يعود ويزار في ام العابرات التي لا اعرف عنها شيئا سوى انها توجد في انفاق عميقه بجبال الغرب. 




فكرت وقتها في الذهاب الى قاده الجنود لاخبارهم بامر تلك الرؤى لكن نوح اوقفني خشيه ان يعلموا بموجود ناي بيننا فانصعت له في النهايه خاصه مع اعلان الحاكم القضاء على جميع الملديين الناهضين واقامه الافراح والاحتفالات بهذا النصر وان امر باستمرار خلو القري الغربيه من ساكنيها لاكذب نفسي بان الامور قد حلت نوعا ما ما دامت  حرقت هياكل الناهضين ولم يعد ذئب صامون الى بلدنا لتمر الايام تباعا دون جديد حتى تلقت ناي رؤيه يبث فيها الشاهد وعدا جديدا باقتراب عوده الذئب الى وادينا لتزداد حيرتي ما بين الحفاظ على ناي والحفاظ على بلدي لكن القدر لم يمهلني وقتا من التفكير بعدما صادف بيتنا احد الجنود المارين في الغابه وراى عينينا التي لم تتخذ حرصها وحينذاك حاول اعتقالها بينما كان نوح يحضر الماء في ذلك التوقيت حاولت منعه من اقتيادها لكنه لك مني واسكتني ارضا قبل ان يصل نوح في اللحظه الاخيره ويضرب راسه مخلصا ناي منه،ثم نزع فاسه الحربيه وكاد يجهز عليه الا انه استطاع الفرار بحصانه الذي كان يرعى على مقربه منا وقتها ادركنا ان بقائنا في ذلك البيت ساره محالا بعد هروب الجندي واحتمال عودته ومعه كتيبه من الجنود لذا غادرنا بعربه السيده ريحانه والحصان الوحيد الذي بقي لدينا الى مكان اخر في الغابه مبتعدين بقدر المستطاع عن بيتنا القديم


ليشيد نوح كوخا اخر وهناك اخبرته بان رحلتي معهما قد انتهت وانني ساعود الى قريتي حتى لو لم يعد السكان اليها وعدت الى حانه المهجوره معي فاس الجندي الحربيه لاعيش بغرفتها الخلفيه السفليه اتغذى على فواكه مجففه كانت مخزنه لدي ولا اتطلع لشيء سوى كذب رؤى ناي وعوده الامور الى طبيعتها لابقى قرابه شهر هناك بمفردي دون ان يمسسني ضرر او الحظ شيئا جديدا قبل ان اسمع ذلك الضجيج المفاجئ في الحانه واخرج الى صالتها واجد الغريبين خالد ومروه يخبراني قصتهما مع ذئب صامون وادرك ان النهايه التي كنا نخشاها صارت على وشك الحدوث 


...................... 


قدت الغريبين الى كوخ نوح وناي،كان خالد يسر على ان عظام الذئب تحولت الى صخور في كل مره كنت احدثه فيها عن استحاله حدوث ذلك الامر اما مروه فظلت صامته تتطلع الى السماء المضاءه بالشاهد الذي سطع نوره اكثر خلال اليومين واخيرين ثم تحول الحديث بيننا الى قصه نوح وناي فسردتها لهما كامله اثناء سيرنا ليمر الوقت سريعا حتى وصلنا الى كوخهما،تعجب نوح من احضار شخصين غريبين فرويت له ولناي قصتهما لم يهتم خالد بالريبه التي بدت على وجه نوح واخذ يسال نا ي عن الرؤى التي تلقتها من قبل فاخبرته الفتاه بكل شيء تلقته في منامها منذ عودتها الى الحياه سالها ان كانت قد تلقت رؤيه جديده خلال الساعات الاخيره فاجابته نافيه فقالت مروه 


اذا لم يصل الذئب الى ام العابرات حتي الآن 


فقال خالد متعجبا من سؤالها 


تعلمين انه استحال الى صخور 


نزلت اليه بوجه احمر من الدماء التي اندلعت اليه وقالت لا انني من وضعت الصخور في حقيبتك لقد فرت العظام مني عندما اخرجتها اثناء نومك كي افحصها 


استشاطت عينا خالد غاضبا وصاح فيها 


لقد اضعت علينا بانانيتك سبيل خروجنا من هذه الارض وضعت اهل هذا البلد امام مصير مجهول لا احد يعرف ماهيته 


صمتت الفتاه وكانها لا تجد كلمات تقولها ثم بدات دموعها تتساقط فقالت ناي وهي تنظر اليها: 


لقد وعد الشاهد بعوده الذئب الى ام العابرات كان امرا مقدرا سيحدث معها او مع غيرها لننتظر ونرى ماذا سيحدث افضل من القاء اللوم على بعضنا بعضا. 


القى خالد بحقيبته بعيدا ثم لاذ بصمته وهو يرمق مروه  بنظراته الغاضبه اما انا فسالت ناي: 


كم من الوقت قد يلزم الذئب للوصول الى هناك؟ 


اجابتني: 


لا اعرف لكنه سيحدث الليله. 


سالتها: 


وكيف سنعرف ان كان الامر قد حدث؟


كتفيها وقالت: لا اعرف ايضا لكننا لم ننتظر طويلا لنعرف اجابه سؤالي اذا سمعنا بعدها بقليل دوبا شديدا في السماء يشبه الرعد تبعه صوت عواء طويل كان يصدر ايضا من السماء دون ان يستطيع احد تحديد الاتجاه الذي يصدر منه قبل ان تهتز الارض من اسفلنا اهتزازا قويا اسقطنا جميعا على الارض واسقط كوخ نوح وناي وكثيرا من الاشجار من حولنا اذا حفنا جميعا اسفل حطام الكوخ كي نحتمي من الاشجار الساقطه بينما وقفت ناهي مكانها مثبته عينيها نحو شاهد السماء دون ان يرمش لها جفن قبل ان تتوقف الارض عن اهتزازها بشكل مفاجئ فنهضنا من رقدتنا لنقترب منها كانت لا تزال واقفه محملقه الى الشاهد وكانها لا تشعر بنا هذا نوح كتفها كي تفيق مما هي فيه استمرت في تحديقها الى الاعلى دون ان تلتفت اليه بعد قليل نظرت الينا وعيناها غارقتان بدموعهما وقالت: 


كان الهواء الطويل هو زئير الذئب داخل ام العابرات لقد فتحت العابرات من جوانبها الاخرى ان الشاهد يستدعي الان غزاه من ازمنه قديمه  عراه الابدان كثيف الشعر واللحي ،اقوياء الجسد يحملون اسلحه في اياديهم ويركبون حيوانات ضخمه ويقود بعضهم ذئابا ونمورا وحيوانات لا اعرفها جحافل عظيمه لم تشهدها اي حرب من قبل ستاتي الى ارضنا عبر عابرات الجبال مع التقاء الشاهد مع بدر الشهر القادم. 


تساءلت مروه زاهله  


البشر الاوائل؟! 


قالت ناي: 


لا اعرف لكنهم اشرار سياكلون الاخضر واليابس حتى يصلوا الى وجهتهم وادي الذئاب المنسيه كي يحرروا كل ما هو مدفون هناك اسفل طبقه القار. 


ونظرت الى نوح وقالت ربما اختفيت خلال السته شهور الماضيه خوفا على حياتي لكن حانه اللحظه لتحذير قومنا ان وقوفهم في وجه الجحافل التي اراني الشاهد صورها لن يكون الا اباده لهم علينا ان نسرع الى شرق الغابه الان ونخبر الساده والجنود والعامه بما هو اتي اليهم مع التقاء البدرين بعد اقل من شهر 

*********************************************************

الفصل الرابع و العشرون

..  خالد  ..  


, ربما لو لم أزر أرض زيكولا من قبل لفكرت أننى عالق في أرض من الخيالات والمجانين والا منطق ،لكني وبعد كل ما رأيته في رحلتى السابقتين صارت جميع الغرائب أمرا متقبلا بالنسبة إلي ،لذا عندما اخبرتنى ناي عن رؤيتها الاخيرة لم أجد أن التوتر والخوف قد يجديا نفعاً . وانما علينا أن نفكر بعقلانية في الخطوة التالية .والتي اتفقت فيها مع ما قالته الفتاة بأن حكام ذلك البلد وقاداته لابد وأن يعرفوا بما هو قادم ليطيح بإناسهم كي يخلوا مزيدا من القري ويعززوا دفاعاتهم إن استطاعوا ،بيد أن نوح أعلنها لنا صريحة بأنه لن يسمح ابدا بذهاب ناي لاخبار اي فرد بالرؤي التي تلقتها مؤكدا انهم لن يصدقوها بل سيعتقلونها من اجل إعدامها امام العامة ،وبعد جدال كبير بيننا جميعا وبينه انتهى الامر بتشدقه بقراره لتقول سارة بالنهاية: حسنا يا نوح فلتحتفظ ناي برؤياها ولكن يجب علينا الاتجاه الى شرق الغابة ،بقائنا هنا لن يحمينا ان اتت تلك الجحافل وعثروا علينا في طريقهم 


بعد تردد طويل منه وحصوله على وعد من ثلاثتنا انا ومروه وساره بعدم افشاء سر ناي مهما حدث وافق على تحركنا في الصباح الى الشرق مع طلوع النهار غطينا عيني بعصابة قماشية خفيفه وبصعوبه استطعنا استخراج فستان قديم من الكوخ المهدوم كانت ناي تحتفظ به من ثياب امها التي عثروا عليها في بيتها القديم وارتدته مروه بدلا من البنطال الجينز والستره الصوفيه التي كانت ترتديهما خرجت ضحكه مني رغما عني بعدما كان الفستان واسعا جدا عليها وممزقا فوق فخذيها،لكنه كان الحل المثالي لتدارك اختلاف ثيابها الواضح عن ثياب نساء هذا البلد اما انا فاعارني نوح معطفا ثقيلا ارتديته فوق قميصي دون ان ابدل بنطالي ثم ركبنا جميعا عربه السيده( ريحانه) بعدما ازلنا صهريج المياه عنها،لينطلق بنا حصانها نحو الجانب الشرقي من الغابة ..عندما وصلنا الى اولى القرى في طريقنا كانت الحياه عاديه تماما،الشوارع مزدحمه بالاهالي ،والاطفال يلعبون، والباعة ينادون على بضائعهم ،قالت ساره في ضيق وهي تنظر اليهم.. 


_لقد صدقوا خطاب الحاكم بانتهاء الخطر ولم يعد احد يشغل باله بشاهد السماء.. نظرت الى نوح الذي كان يقود العربة ويتلفت كثيرا خوفا من انتباهي اي احد الى ناي التي كانت تغطي راسها بقلنسوه فستانها ،وقلت 


_ان مات هؤلاء الناس نتيجه هجوم القادمين من العابرات قد تتحمل ذنبهم 


لم يكترث بما قلته وهز راسه ايجابا في فتور.. 


ثم تقدم بنا في طريق يلتف حول بحيره جماره الجافه التي كانت اكبر كثيرا مما تخيلت عندما سردت لي ساره قصه ذلك الوادي ,والتي قالت حين راتني اندهش من مساحتها الشاسعه: انها تحتل ثلث مساحه شرق الغابة تقريباً. معظم قرى هذا الجانب تطل عليها. ويقال ان مياهها العذبه قديما كانت تكفي بلادنا والبلاد المجاوره .. قلت اعتقد ان عوده مياهها هذه المره سيكون نذير شؤم على كل من يعيش في هذا البلد هزت راسها في قلق ثم اكملنا طريقنا لبضع ساعات اخرى حتى وصلنا الى مدينه  براقيا،" التي كانت تختلف كثيرا عن القرى من حيث أسوارها العالية التي تحيط بها وبيوتها الفخمه وشوارعها الواسعه المعبده وهناك انعطفنا من شارع الى اخر حتى وصلنا الى حي غير مزدحم،قال نوح إننا سنبيت فيه ..لم نكن نملك مالا ،فعرضت ناي قرطيها على نوح كي نستأجر بيتا لشهر على الاقل . وافق الشاب  على مضض بعد الحاح الفتاة وقبل حلول الليل كنا قد استأجرنا بيتا واسعا دون ان ينتبه احد الي ناي ،التى اتخذنا قرارا بإبقاءها في ذلك البيت حتي اشعار آخر.ومع أرهاقى الشديد ذلك النهار غبت في النعاس بمجرد أن وضعت رأسي على الفراش ..ولم انهض إلا صباح اليوم التالي حتى ايقظتنى بأنها لا تجد ناي بأي غرفة بالبيت . قبل ان استفيق تماما كان نوع قد بحث عني في كل أرجاء  البيت ثم خرج  كالمجنون ليبحث عنها في الشوارع والاماكن المجاوره في ذلك الوقت لاحظنا وجود رسوماته رسمت حديثا بالحجر الابيض على  الحوائط الاربعه للغرفة التي باتت فيها ناي ليلتها،فيل ضخم له نابان طويلان يركبه رجل في يده رمح ورسمة تشبة أسدا دون لبدة ،واخرى لحيوان لا أعرفه ضخم وله مخالب طويلة ،واخرى لدب ،واخري لقرد يختلف بعض الشئ عن القرود التي أعرفها ،ووحيد قرن وذئب ،وحيوان يشبة النمر له أنياب علوية طويلة كالخناجر تمتمت مروة وهى أمام الحائط الأول ، 



_ماموث ،اسد الكهوف ! 


ثم انتقلت الى الحائط الثاني وقالت 


حيوان الكسلان العملاق، ودب الكهوف! 


ثم انتقلت الى الحائط الثالث وقالت 


القرد العملاق ،ووحيد القرن المنقرض!!! 


وأمام الحائط الرابع المرسوم عليه ذئب والحيوان الذى يشبه النمر قالت في نبرة خائفة  


الذئب الرهيب!والسيملدون.!! 


ونظرت نحوى وقالت : أنها حيوانات العصر الجليدي ! سألتها سارة فى ترقب وماذا يعنى ذلك ؟! 


اجابتها لابد انها الحيوانات التي سترافق  البشر الاوائل القادمين عبر العابرات اعتقد انني تلقت صورا واضحه لها في رؤيه جديده ورسمتها على هذه الجدران كما رأتها تماما 


واردفت بنبره خوف واضحه... انها وحوش ماضي ارضنا السحيق قاعده نوح في تلك اللحظه من الخارج وقال مضطربا: لم اعثر على ناي في اي مكان؛ 


فقلت وانا انظر الى الرسومات!


لقد استشعرت الفتاه عظم الخطر القادم الى هذه الارض فغادرت بمحض ارادتها لتخبر ساده هذا البلد بما هو على وشك الحدوث غير آبهة بما قد يحدث لها وتركت لك هذه الرسومات كي تعذرها في قرارها،،،


التفت الى الرسومات التي بدا انه لم ينتبه اليها اثناء بحثيه عن ناي في الغرفه بعد استيقاظه وبعد استغراقه وقتا طويلا في تأملها خرج راكضا دون ان يقول شيئا،فحاولت اللحاق به لكنه ركب الحصان الوحيد الذي نملكه بحوزتنا وانطلق مبتعدا.. بعد خمسه ايام كامله عاد نوح اخيرا كان واضحا عليه انه لم ينام ساعه واحده خلال تلك الايام سالته ساره على الفور :


هل وجدتها؟! 


أجابها في اقتضاب 


كما توقعتم ،لقد ذهبت الى قصر الحاكم ،لم استطع معرفة شئ عنها سوي ان احد حراس القصر اخبرنى ان ملدية مبصره قدمت إلي هناك فجرا .. وأصرت على مقابلة الحاكم بنفسه من أجل أمر مهم .... 


وتابع بحزن شديد:قال أيضا انها تقبع في سجن القصر منذ ذلك الحين ،،ولم يخبرني باي معلومه اضافيه،بقيت هناك خمسه ايام محاولا الوصول اليها ومع قلة حيلتي عدت اليكم لكي نفكر معا .. أخشي ان يعدموها يوم  إلتقاء البدرين ،،قلت مواسيا له وانا اربت على كتفه : سنجد حلا يا فتى لطالما عقدت الامور ووجدنا لها مخرجا"' 


تركني وذهب في حزن شديد الى غرفته وسألتني مروة :فيم تفكر ؟ 


قلت :لا أعرف ،، 


لم يعد امامنا سوى الانتظار لنعرف ما سيفعله القدر بنا .. 


قالت سارة :سأذهب إلي القصر واخبرهم بصدق الفتاة سأفعل كل ما بوسعي ليستمعوا اليها . لن أجلس هنا كالحجارة وهناك فتاه بريئه وغيرها الالاف على وشك الموت.. 




قالت مروة اعتقد ان علي الذهاب انا الاخرى ايضا ان كنا سنموت في جميع الأحوال فلن اجلس مكتوفة الايدى هنا علينا ان نجري محاوله لاجبارهم على الانصات الينا قبل فوات الاوان


نظرت نحوهما مفكرا ثم قلت: حسنا لنجري تلك المحاوله حين ذاك خرج نوح من غرفته وقال سأتي معكم أنا ايضا...


قبل ان نتحرك الى قصر الحاكم ارتدت مروه ثيابها التي اتت بها معي من مصر معتقده ان شعور الساده بغرابه ثيابها ولهجتها قد يفتح في عقولهم  بابا للتفكر والنقاش فاقتنعت بحجتها وخلعت معطفى الذي استعرته من نوح انا ايضا 


ثم انطلقنا الى هناك تقودنا ساره التي عرفت نفسها الى احد جنود الحراسه الواقفين امام بوابه القصر ،نظر الجندي مستغربا نحو مروه ونحوي قبل ان يغيب لدقائق ويعود ليقودنا الي ممر داخل القصر الضخم المحاط بحديقه واسعه من اشجار الفاكهه والورود 


قالت ساره ونحن نتقدم من ورائها  


_لا اعرف هيئه الحاكم انها المره الأولى التي أراه فيها .. وقال نوح الأمر نفسه . لكن انا لم ناخذ وقتا طويلا لنكتشف اننا متجهين نحو احد قاده الجيش وليس الحاكم نفسه،قال القائد الشاب الذي دلفنا اليه 


أخبرني الجندى أنكم جئتم من أجل أمر عاجل يخص شاهد السماء والملدية السجينة  


قالت سارة ...نعم سيدى  


بدات تقص عليه قصه ناي ونوح مستشهده بالندبة التي تشق منتصف صدر الفتاه كيف نهضت بعد سكون قلبها اكثر من اربع سنوات ونصف ثم بدات تروي قصتي أنا ومروة فاستاذنت منها ان احكي ذلك الشق فبدات اروي قصتي منذ اخراجي عظام الذئب الى اللحظه التي وصلت فيها الى ذلك البلد سرداب فوريك ،وعن الرؤيه التي رأتها ناي يوم سمع العواء في السماء واهتزت الارض بقوة ،ظل يستمع الينا دون ان يعقب بالكلمه ولوهله استشعرنا انه يصدق حديثنا .. حتى انتهينا فتركنا وغادر لاكثر منه ساعتين كنا نعرف انه خلالهما يناقش امرنا وامر رؤى ناي مع حاكم البلاد قبل أن يعود ومن دون أي مقدمات فوجئنا بالجنود يقتدوننا بغلظه خارج تلك القاعه ويهبطون بنا الى ممرات سلفيه متشعبه شبه مظلمه حتى انتهى بنا الحال الى سجن القصر السفلي .. 


انا ونوح في زنزانه وساره ومروه في زنزانه 


 سمعنا صوت إغلاق بابها على بعد أمتار منا .. دون ان نعرف ما ان كانت تلك الزنزانه التي فيها ناي ام لا ،،قال نوح في يأس بعدما اغلق باب زنزانتنا.. انتهى الامر لا يريدون ان تنتشر رؤى ناي بين الناس ويشيع الخوف والفزع بينهم ،ولا يستطيعون السيطرة عليهم ان ذلك الحاكم ومعاونيه ليسوا من هذا البلد ،،ما ان يشعر بالخطر سيغادر سيغادرون البلاد في الحال... ليتركوا اهلها يواجهون مصائرهم بانفسهم.. قلت اظن اننا فعلنا ما هو صائبا في حدود امكاناتنا .. كان لابد ان ناتي الى هنا ونخبرهم بحقيقه ما نعرفه،من يدري لعل احد أولئك  القاده يفكر ويتخذ قرارا يحمي به الكثيرين ...  




قال بنبرة اليأس نفسها 


_اخبرتكم انه لا جدوى من ذلك .،،سنبقى في هذا السجن حتى تتحلل جثثنا،،كان علينا ان نبقى في الغابه افقدتموني حبيبتي فحسب صحت فيه :::


             _ لست الوحيد الذي فقد حبيبا ،كلنا أحباء لا نعرف عنهم شيئاً انت فقط تنظر للأمور من منظور ضيق للغاية ..


لاذ بصمته قبل ان يغمغم 


_لم نأخذ من الغرباء إلا كل أذى ،قديما اللصوص السمر الذين قدموا عبر الغابرة وقتلو الذئب ،وانتما الآن بعد أن فقدتما الذئب ..سكت أنا الآخر لكني عدت بعد دقائق وسألته مستغرباً وأنا اتذكر مشهد الهجلنة الذي رأيته في الرؤية التى أبصرتها وانا أمس رأس ابني يامن أثناء مرضه ، وافكر أيضا أن سارة أن اللصوص لم يتمكنوا من الوصول إلي بلادهم مع مطاردة ذئب( صامون) وباقي ذئاب العابرات لهم ..


_كيف عرفت أن اللصوص كانوا سمر البشرة ؟!قال بغير اكتراث 


لقد اخبرني السيد رسلان والد السيدة ساره ذات مرة عن احد اللصوص الذين استطاعوا النجاه حينها ،وعالجه معلم سيدى ودون قصته الكاملة في كتاب ،كنت على وشك قرأته لولا ان طردنى سيدي من عيادته قبل ان اشرع في ذلك حينذاك تسارعت دقات قلبي وسألته :


              _اين ذاك الكتاب ؟!!


قال : أنه في عيادة سيدى ،هناك في إحدى قرى الغرب.كتاب يحمل عنوان" قصة المصاب الأسمر " فكرت في أن ذلك الكتاب قد يكون أمل رجوعى الي قريتى إن استطعت النجاه بعد تلك الحرب الوشيكة ثم وجدت نفسي اضحك عندما تذكرت الكتاب الذى ظللت أبحث عنه في أرض زيكولا فاقداً كل وحدات ذكائي ،وكأن التاريخ يعيد نفسه.سألني نوح  عما يضحكنى ! 


قلت : لا شئ


سالته إن كان يعرف اي معلومات أخرى عن الكتاب فأجاب :كل ما اعرفه انه يقبع وهناك بين كتب سيدى في المكتبة السفلية..لابد وأنه غارق بين الاتربة الآن ،


اومأت برأسي ايجابا ثم ساد صمت طويل بيننا 


                 ************


مرت الساعات والأيام تباعاً دون أن يحدث أي جديد ،فقط يفتح باب الزنزانة بين حين وأخر كى يلقي لنا جندى الحراسة قطعتين من الخبز..ويغلقه مجدداً،ومع مرور الايام وشيوع الظلام ليلا ونهارا في الزنزانه بسبب انغلاق جدرانها من كل جانب فقدنا الإحساس بالوقت ولم نعد نعرف كم مر من الأيام...ليتسرب الي الإحساس بأن نوح كان محقاً عندما قال اننا سنبقي هناك الي ان تتحلل جثثنا ..


حاول نوح اكثر من مرة مناداة السيدة سارة التى ظننا أنها محبوسة هي ومروة في زنزانة قريبة منا .لكن إجابتها  لم تصلنا قط.تعرفت علي الفتى أكثر في تلك الايام بعدما أباح لي بما فعل من أجل ناي اينعم شعرت بالتقزز من حديثه عن نبش القبور وشق صدور الموتى ،لكني احترمت فيه ولاءه لحبيبته ووفاءه بوعده إليها ذلك الوعد الذي كان من شأنه أن يغير موازين حرب كبري لو نحى القادة غرورهم واستمعوا  الي ناي او إلينا ،حدثته أنا أيضاً عن رحلاتي الي زيكولا وعن سرداب فوريك ،ظل مستغرباً وجود عابرات بين العوالم غير العابرات الست فاتفقت معه ان السرداب ربما يكون عابرة إضافية لا يعرف عنها أحد ولا يتحكم في اغلاقه الشاهد ،او يتصل بالعابرات بطريقة ما لا نعرفها ،لكنه يبقي أمرا حقيقياً لولاه لما كنت سجيناً معه في زنزانة واحده..حكيت له ايضا عن مني ويامن تمني لولدى الشفاء وحدثني عن أمه التي يفتقدها ،وعن أبيه الفظ الذى قتله بعد وشايته عن ناي ،،لأدرك يوماً بعد يوم كم التضحيات التي قام بها الفتي من أجل حبيبته ،ويقودنا الحديث الي الملك تميم الذى حرك جيش بلاده من أجل إنقاذ الطبيبة اسيل ،،شعرت بغيرته وكأنه تصور أنه اكثر من ضحي كى ينقذ حبيبته فضحكت وقلت  


كل يضحى على قدر إمكاناته  


لتمر الأيام تباعاً ونحن نروى في يأس القصص ذاتها كل يوم تقريبا ..ويزداد يقيننا كل يوم أن الهلاك  قادم لا محالة. ليس هلاكنا فحسب بل هلاك البشر جميعهم في هذا البلد ،،حتى حدث مالم نتوقعه بعدما فتح باب الزنزانة للمرة الثانية خلال وقت قصير ونفاجأ بجندى يأمرنا بأن ننهض ونرافقه ،ويقتادنا عبر السلالم والممرات العلوية الي قاعة كبري كانت تحتشد بكثير من القادة الواقفين بدروعهم في إطار بيضاوى على الجانبين بينما يقف في نهاية القاعة قائدان ،احدهما يناهز الستين من عمره وينظر إلينا والاخر يعطينا ظهره ،شعرت بإن الذى ينظر إلينا هو حاكم هذا البلد ،ودق قلبي تفاؤلا بأنه اراد ان يسمعنا أخيرا ،قبل أن يلتفت الينا الاخر ،لأتوقف مجمدا مكاني حين قال باسما : 


_عودا حميدا إلي عالمنا أيها الغريب  


همست وأنا غير مصدق وانا احدق الي ملامحه التي لم تتبدل كثيراً عن اخر مرة رأيته فيها : 


_ الملك تميم

*********************************************************

الفصل الخامس و العشرون

خالد 


تقدم نحوي ومد يده قائلا: 


      _يبدو ان القدر اراد لقاءنا مره اخرى يا صديقي.... 


مددت يدي والذهول لا يزال على وجهي ظننت انني في عالم اخر غير عالم زيكولا واماريتا بعدما لم أجد أحداً يعرف عنهما شيئا،قال باسما  


... إنها قصة طويلة ..سنرويها لاحقاً لكن علينا التركيز الآن على ما هو أهم..ونظر إلى حاكم وادى الذئاب بجواره وقال  


لم اخطئ في توقعي سيدى حين سألتك رؤية الشخص الذي يزعم قدومه من عالم آخر...انه صديقي خالد حسنى وهو صادق في كل كلمه قالها عن نفسه..واسألت ان يتمتع ببعض الصلاحيات هنا،ثم نظر إلي وقال :لم يعد إلا ثلاثة أيام على التقاء البدرين ..هيا يا صديقى علينا ان نتحدث عن كل شئ تعرفه...كان نوح يقف ذاهلا يحدق الى الملك تميم بينما ينظر الينا بقيه القاده فقلت للملك تميم : هناك ثلاثه نساء اخريات ما زلن في السجن نحن في حاجه اليهن نظر الى الحاكم دون ان يقول شيئا فاوما الحاكم براسي ثم اشار الى احد الجنود فغادرنا الحارس وعاد بهن بعد دقائق الى قاعه كنا دخلنا فيها انا ونوح والملك تميم وقائد جيوشه الامير جرير وحاكم وادي الذئاب والقائد الذي قابلناه في اول مره دلفنا فيها الى القصر حيث جلسنا الى طاوله بيضاويه كبيره تغطي سطحها خريطة مجسمه لتضاريس وادى الذئاب من شرقة إلي غربه ،قالت مروه مذهوله وهي تدخل الى القاعه وتراني اجلس انا ونوح حول الطاوله بدون أغلال . 


ماذا حدث ؟!هل صدقوا حديثنا؟! اشرت اليها لتجلس على احد المقاعد دون ان افسر لها شيئا،بينما دلفت ساره في صمت فقط نظرت الى الملك تميم والحاكم في ترقب وتعجب وهي تتخذ مقعدها وبعد دقائق اتى احد الجنود بناي فنهض نوح واحتضنها فطمنت وانها بخير ثم جلس فقال الملك تميم: لمن لا يعرفني منكم انني الملك تميم حاكم أماريتا.. نظرت اليه مروه بحدقتين متسعتين فاغره فاها بينما كان يتابع... لقد وصلت على راس جيش مجهز تعداده أربعمائة الف جندي لحمايه هذه الارض من الشر القادم والان اريد سماع كل شيء تعرفونه دون اغفال اي تفصيله قد تظنون انها غير مهمه..... 


فبدانا بسرد كل شيء باسهاب كبير،انا وقصتي مع قبر الشيخ موسى وذئبه، وما حدث لابني يامن ،وتحدث نوح عن الجزء المخفي من النبوءه وما حدث قبيله لحظه تنفيذ اعدامه وتحدثت ناي عن كل شيء رايته في رؤياها منذ عودتها للحياه وبعد قرابه ست ساعات من سرد القصص جميعها تخيلت ان نقاشا ما سيدور بيننا عن كيفيه صد الغزو القادم لكني فوجئت بطلب الملك تميم مغادرتنا جميعا القاعه بعد انتهاء قصصنا بينما أبقي الحاكم والقائدين متعلالا أننا نحتاج الى الراحه بعد الايام الصعبه التى قضيناها في السجن وبالفعل قودنا حراس القصر الى غرف كبرى  مجهزه بافخم الاثاث والفراش وموائد للطعام في مبنى كبير ملحق بالقصر فبقيت في غرفتي وعقلي منشغلا بتساؤلات كثيره منها ،كيف لا يعرف احد من هذا البلد عن زيكولا واماريتا ؟! وان كانت ذلك البلاد بعيده عن تلك الوادي فكيف وصل الملك تميم الى هنا؟! وكيف استطاع اقناع حاكم الوادى بادخال جيشه الي البلاد دون مقاومه.؟! وماذا ينوي فعله امام مئات الالاف من الوحوش القادمه وفق رؤي ناي.. وذلك التساؤل الذي كنت اعرف انه ليس في محله لكنه اشتعل في ذهني ايضا ... أين اسيل؟! لذا لم استطع النوم وحاولت الخروج للقاء نوح او مروه او ساره لكني وجدت باب الغرفه المغلقه من الخارج ،،فمكثت انتظر على حافه سريري في غضب شديد بعد شعوري انني حبيس في تلك الغرفه قبل ان يترك الباب بعد ثلاث او اربع ساعات.. ويدلف احد الحراس لاخباري بان الملك تميم في انتظاري بحديقه القصر....       


كان يقف محدقا بشاهد السماء عندما قدمت اليه وقلت بنيرة غاضبه .. هل اخرجتنا من سجن المظلم لتحبسنا في سجن اكثر فخامه نظرا نحوي وكانه لم يفهم مقصدي فتابعت تلك الغرفة التى حبستنا فيها تلك الساعات.. 


ابتسم وقال ...اردت الا يزعجكم أحد فحسب  


ربما أساء الحراس فهمى .. بالطبع لك ولاصدقائك حريه المغادره في اي وقت لكني احب طريقه تفكيرك واظن انني ساكون بحاجه اليك .. زال غضبي سريعا بعد سماع كلمات اطرائه.. ثم سالت عندما بدانا التمشيه بممرات الحديقه ،، 


كيف لا يعرف الناس هنا عن زيكولا واماريتا.؟!  


أجابني 


ان هذه البلاد معزوله عن الجنوب ببحر من الرمال المتحركة جعلهم يظنون أنه لا توجد بلاد جنوبه وجعلنا نظن ان لا توجد بلاد شماله ،حتي ظهر الشاهد في السماء قبل قرابه سبعه اشهر ونهضت بعد هياكل الذئاب في بلدنا .. وحدثنا احد المعلمين عن قصةهذا الوادي التي ذكرت في كتاب الفه احد المهاجرين منه الذي تتبع طريقا سريا بين الرمال المتحركه. اظهره الشاهد وقت حرب الذئاب كي تفر الذئاب والملديين منه ليصل الى جنوب بحر الرمال حيث دون كتابه في البدايه عندما عرفت بقصه الوادي وقصه الشاهد ونهوض الذئاب قررت ادخاله جيش الى اسوار أماريتا والاستعداد للدفاع من الداخل ان اتانا ذلك الغزو .. لكن سرعان ما فكرته في مصير الناس هنا.. وكيف سيواجهون الامر ان صدقت النبوءة ونهضه كل ذئاب الوادي الاسود كما ذكر الكتاب ففارقني النوم تفكيرا في ذلك القوم ،،وغمرني شعور كبير بالذنب اثر قراري بالتخلي عنهم،،ولم يسترح بالي حتى ارسلت افضل مقتفي الطرق على اسرع الجياد كي يخبروني ان كان ذلك الطريق قد ظهر  مجدداً وسط بحر الرمال مع عودة الشاهد إلي السماء ام كان شيئا من خيال مؤلف الكتاب...وبالفعل عادت غربانهم بعد خمسين يوما لرسائل تخبرنى بعثورهم على طريق متعرج ضيق بين الرمال المتحركة ..بالكاد يسير به ثلاثة جياد متجاورة استطاعوا تجاوزه إلي وادى الذئاب الذى يعيش فيه عدد عظيم من الأهالي ،فلم يأخذ الأمر منى سوي ساعة نقاش بيني وبين الملكة أسيل ،،كى اقرر المجئ بجيشي الي ذلك البلد من أجل حماية اهلها من ذلك الشر القادم .. احمر وجهى حينما ذكر اسم أسيل ونعتها بالملكة لكنى تداركت اضطرابي سريعاً وقلت : مبارك لكما الزواج 


لقد مر تسع سنوات على زواجنا وان لم نحظ بولى العهد بعد وتابع باسما ...


_تعرفها جيدا لم تكن لتعارض قرارا قد ينقذ الافا من الناس.لذا جهزت جيشي بأكمله في أيام ،والمجانق الضخمة.التى ادركنا انها لن تستطيع عبور ممرنا المنتظر فككناها كى 


نعيد تجميعها هنا ثم عبرنا بحر منجا بسفننا


إلي الشمال ،ومنه الي هنا عبر ممر بحر الرمال الذي اظهره الشاهد بوضوح ليلا ..ثم نظر إلى تمثال حاكم وادى الذئاب الذى يتوسط الحديقة وقال :كان ذلك الرجل ذكياً عندما أرسلت إليه رسولاً أخبره من خلاله سبب قدومى بجيشى واعطيه كلمة شرف بأنني لست غازيا ..فأدرك بأنه بعدد قواته لن يستطيع ايقافى ،واعتقد أيضاً بأنه على الرغم من إعلانه انقضاء خطر الذئاب والملديين الناهضين كان يعلم في داخله ان الأمر لم ينته بعد ،وان هناك شيئا غامضا سيحدث خاصة مع اخباره بما رأته ناي .....فآثر استقبالى وعندما التقينا اكدت له هدفي من المجئ بجيشي كل هذه المسافة واننى صديق لا عدو .. فأخبرني عن غريب زعم قدومه إلى بلاده عبر سرداب فتوقعت أنه انت ،وانت تعلم البقية هذا ملخص سريع لما حدث في الشهور الماضية..هززت رأسي معجبا بمروءته وتساءلت  

                


هل الملكة اسيل بخير ؟


قال:نعم ،،ان الشعب يحبها الي درجة العشق وانا كذلك 


ربما تقابلها إن نجونا مما هو قادم 


ابتسمت وقلت ::ننجو اولا وحسب ...


ثم سألته :الم تندم على قدومك هنا بجيشك بعد ما سمعته من ناي ..


هز رأسه نافيا وقال : لقد تأكدت من رؤي ناي ان عودة تلك الذئاب للحياة لن يكون هدفه الانتقام من بشر هذا الوادى فحسب بل بشر كل البلدان المجاورة وبلدان جنوب بحر الرمال المتحركة واي بلدان في هذا العالم لا نعرفها ،انها حرب مصيرية كنا سنقودها لا محالة .. سواء هنا أو عند اسوارنا 


واردف خلال السنوات الماضية خضت حروبا كثيرة دفاعاً عن حقوق البشر وحمايتهم من اتفاقيات ظالمة،الان سنخوض حرباً من أجل البقاء فإما أن ننتصر وننقذ انفسنا أو نموت 


وتابع 


لقد منحنى الحاكم هنا السلطة لقيادة البلاد عسكرياً منذ وصولى 


_سنخلي القري المحيطة بالبحيرة من سكانها ليأتوا لهذه المدينة حيث سنحصن بواباتها بالمتاريس وسندعم سورها الغربي بثلاث فرق من امهر الرماة ،كما سنعزز الدفاعات في الطرق المؤدية إلى الوادي الأسود الذي سيكون الوجهة الغزاة الاولى باكثر من مائتي ألف مقاتل ،اما مجانق كرات اللهب فيتوزع بجنودها ،على إمتداد الجانب الشرقي للغابة ،وايضا تمركزت بعض الفرق على مقربة من محيط بحيرة جمارة ،،،وها نحن ننتظر ما ستخبرنا به رسائل طلائعنا بالغرب مع التقاء البدرين بعد أقل من ثلاثة أيام 


قلت باسما  ظننت انك ابعدتنى عن لقاءك مع قاداتك لتبقي أمر دفاعاتك سرا 


قال وهو يضع ذراعه على كتفى،كنا قد وصلنا الى بوابة المبنى الذى توجد به غرفتى : تعلم انني اثق بك يا خالد 


وتابع 


سنلتقي مرة أخرى في صباح الغد ،خذ قسطا جيداً من الراحه ستكون بجوارى في مقدمة  الصفوف في المعركة المنتظرة ....


هززت رأسي إيجاباً وقلت 


إنني جاهز من هذه اللحظة سيدى ..


ودعنى باسما ،فدلفت عبر بوابة المبنى الخلفي متجهاً إلي غرفتي ،حيث جلست افكر في كل كلمة قالها ،ثم اغمضت عينى في خليط من المشاعر المتضاربة كان القلق الغالب عليها ،،قبل أن افتحها فجأة بعد دقائق قليله ،واخرج مهرولا من الغرفة ،واتجه الي القصر الملكي عبر البوابة الخلفية سائلا الحراس لكى يقودونى الي الملك تميم الذى اندهش من طلبي مقابلته بعد دقائق من فراقنا ،فقلت له دون مقدمات عندما دخلت إلي جناحه الملكى:هناك كتاب حدثنى عنه نوح يوجد في عياده طبيب بإحدى قرى الغرب يتحدث عن قصة احد اللصوص القدامي الذين أتوا من بلدى وهاجمهم ذئب صامون لتندلع شرارة حرب الذئاب .... ربما يساعدنا هذا الكتاب بشيء لن نخسر شيئا ان اطلعنا عليه،ابتسم وقال كما اخبرتك احب طريقه تفكيرك ان اردت الذهاب الى هناك الليله فسارسل معك فرقه من الفرسان لحمايتك ..


قلت سريعاً.....نعم الذهاب لاحضاره ،وسأخذ معي نوح او السيدة سارة كي يدلانى على عيادة ذلك الطبيب.. قال حسنا ستكون فرقه الفرسان جاهزه في غضون دقائق


قلت متحمساً: 


                 وأنا ومن سيرافقنى كذلك،،،


عند منتصف الليل انطلاق انطلقنا بجيادنا الى براقيا  نحو الغرب،انا ونوح وسته ممكن رساله الحمايه الشخصيه للملك تميم ,,,, كانت الطريقه المؤديه للغابه مزدحمه في ذلك التوقيت،حيث بدا الجنود باخلاء القري وتوجيه سكانها الى داخل اسوار برقيا 


"فقلل ذلك من سرعتنا بعد الشيء ثم وصلنا الى الغابه فقادنا نوح عبر طريق يعرفه بسرعه كانت الاقصى لجيادنا ،حتى بلغنا القريه المقصوده بعد شروق الشمس بساعتين تقريبا وهناك دلف نوح الى داخل العياده ودلفت من بعده انا وفارسان بينما ظل البقية في الخارج كي يؤمنوا محيط العيادة... كانت الاتربه الكثيفه تغطي كل شيء في الداخل السرير الطبي والطاولات والاواني والالات الجراحيه والكتب المتراصه على رفوف جانبيه،ترك نوح كل ذلك ومضى الى سلم داخلي  نزل ونحن من وراءه الى قبو شبه مظلم،جعلني اشعل مصباحا زيتيا كان معي.. وعندما وصلنا الى قاع السلم قال الفتى .. اخبار عن السيد رسلان منذ ثلاث سنوات ان الكتاب يوجد في مكتبه القبو هنا اتمنى ان يكون في موضعي 


فهمست في داخلي سنجدوه ان شاء الله... 


لنتقدم بعدها لاجد جدرانه الاربعه محاطه بكامل مساحتها بمكتبه عظيمة  .... تحمل مئات الكتب على رفوفها تنهد نوح وقال منبهرا::: بقيت هنا اكثر من عامين ولم اقرا الا عددا قليلا للغاية منها


قلت باسما :لقد اضعت على نفسك فرصة عظيمة للمعرفة ،هيا لنبحث عن كتابنا ولا نضيع أي فرصة اخرى،،


قال :حسنا،كما حدثتك سابقا عنوان الكتاب" قصة المصاب الأسمر "


حذفت رأسي ايجابا فاشعل مصباحا كان موضوعا على طويله صغيره بمنتصف القبو وحمله الى رفوف احد الجدران وبدا البحث فتقدمت نحو رفوف الجدار المقابل وبدات البحث أنا أيضاً... فيما وقف الفارسان بالخارج من أجل تأمين باب القبو ،،، 


كانت اغلب اغلفه الكتب ذات اللون الاسود ومع كتابه أغلب العناوين بلون احمر قاتم وبخط يدوي رديء استمر البحث وقتا طويلا اطول كثيرا مما تخيلت 


حتى صاح نوح في النهاية وهو يمسك كتابا في يده .... لقد عثرت عليه  


التقطته منه على الفور كتب على غلافه بالفعل "قصة المصاب الأسمر"... وعندما فتحت صفحاته وقلبتها سريعاً ونوح يقرب المصباح منها لمحت كلمة" مصر"في احدى الصفحات وكلمة" البهو فريك" في صفحه آخرى  


فقلت له فرحا أنه مقصدنا تماما هيا بنا لنعد في أسرع وقت إلى حيثما جئنا 


             ★*****★*****★ 

*********************************************************

الفصل السادس و العشرون

وصلنا الى القصر الملكي بعد حلول الليل بقليل وهناك تركني نوح باحثا عن ناي اما انا فاكملت الطريق الى جناح الملك تميم فاخبرني احد الحراس هناك بانه خرج ليتفقد الاستعدادات العسكريه القريبه من الوادي الاسود منذ الصباح ولم يعد بعد فاتجهت الى غرفتي لكي اتصفح الكتب حتى يعود كما اخبرني نوح كان مؤلفه طبيبا عاش فتره الحرب الذهاب اسمه بركات الصافي كتب في مقدمته انه التقى اسماعيل قبل شهر كامل من التمرد الذئاب حيث عالج وريدا نازفا في رقبته وصارا صديقين بعدها ثم اخذ يسرد قصته اسمه اسماعيل الفضيل جندي من اصول سودانيه انضم لفيلق الهجانه المصريه التي ارسلت الى الحرب العظمى حيث تعرف على قائده الضابط المصري مصطفى حلمي الذي ضمه الى فصيلته هو ومائتي جندي اخرين تبقى منهم على قيد الحياه 29 فقط عادوا الى مصر بعد عام من انتهاء الحرب وحينها ترك اسماعيل الخدمه العسكريه وعاد الى مدينته وادي حلفا بشمال السودان قبل ان يستدعيه الضابط المصري مره اخرى هو وزملائه بصوره غير رسميه بعد اقل من عامين من اجل مهمه زعم فيها انها ستحقق لهم ثراء فاحشا يعوضهم عن سنوات الفقر التي عاشوها واخذ يشرح لهم عن بوابه زمنيه توجد في صوره طاحونه قديمه بقريه مصريه اسمها البهو فريك حدثه عنها الخواجه من اصول بلجيكيه عرف من اجداده سر تلك البوابه التي توجد في ارضه والتي تقود عبرها الى ارض اخرى ساريه تفيض كهوف جبالها ذهب لا حصر له واخرج لهم كتابا كتبه جد الخواجه بخط يده على رحله قام بها قديما عبر تلك الطاحونه في احدي الليالي البدر الا ان بها عائقين رئيسين لمن اراد عبورها الاول هو الذئاب التي تحميها والتي استطاع الافلات منها بمعجزه فلم يكترثوا لذلك الامر مع مهاراتهم الفائقه في استخدام البنادق والاخر هو العوده الى مصر مره اخرى عبر البوابه نفسها دون التجديد بين العوالم والازمنه والتي لم تكن بتلك السهوله التي يتخيلونها اذ اخبرهم الخواجه عندما انضم الى اجتماعهم بشيء مهم اكتشفه جد صدفة ودونه في كتابه فانتبهت الى تلك الجزئيه حيث كتب على لسان اسماعيل اخبرنا الخواجه فايز بناء على ما دونه كدو ان العابرات في تلك الارض تستطيع توجيه عابرها الى التاريخ والبلد اللذين يقصدهما اذا امتلك شيئا طبيعيا استخرج من ارض ذلك البلد وصنع حيث تعيده العابرة الى التاريخ الذي اكتملت في الدائره ذلك الشيء أعدت قراءه تلك الفقره مره اخرى بعدما شعرت انني لم افهمها جيدا وعندما لم افهمها ايضا طويت طرف الصفحه وتجاوزتها لكي اعود اليها مجددا فيما بعد حتى استطعت فهمها بعدما اوضح ان الخواجه اخبرهم عن نيته صنع خاتم لكل واحد منهم من الذهب الفرعوني المسروق من المقبره المصريه والذي استخرج قديما من المنجم المصري واخبرهم ان صياغته كخاتم يكمل دائره الطاقه التي تمررها العابره من خلاله ليعود بهم الزمن الى وقت صناعه تلك الخواتم تماما وترك لهم خيار تحديد قرارهم مع وعده بحصه لكل فرد منهم ثلاثين رطلا مين الذهب اعدت قراءه الفقره مره اخرى وشعرت انني فهمت بعض الشيء الجزئيه الخاصه بالشيء الاصلي المصنوع في اطار دائري وطويت طرف تلك الصفحه ايضا ثم اكملت قراءه المكتوب على لسان الجندي عندما وقفنا جميعا اعطانا القائد ثيابا عسكريا جديده وسياطا وبنادق وجمالا واخبرنا ان الخواجه سيوزع علينا قبيل دخولنا الى الطاحونه الخواتم التي ستصنع قبل ذهابنا الى القريه بليله واحده لكي نرجع الى عالمنا في اليوم ذاته عندما ننتهي من مهمتنا ونجتاز العابرة المزعومه واخبرنا ايضا عن خطه وضعها الخواجه لكي يحدث حاله من الهرج والمرج في القريه تبرر قدومنا اليها واخذ يتحدث عن حريق كبير سيندلع في الاراضي الزراعيه هناك وعلى اسره ستشتعل اشتباكات في القريه لندخلها بالفعل على جمالنا 



 في تاريخ 20 من اغسطس عام 1921 وفي الليله نفسها قدنا الخواجه فايز الى الطاحونه المهجوره بارضه بعد خواء الشوارع القريه من اهلها ليلا واعطانا الخواتم الذهبيه عند بابها لننزل تباعا عبر قادوس الطاحونه الضخم الى ظلام لم اتخيله ويفقد الوقت هويته لتمضي دقائق كالساعات والساعات كالايام ووست حاله الاضطراب والخوف والتشتت التي عشناها في ذلك الظلام فوجدنا بذئاب تهاجمنا من كل جانب دون ان نستطيع تمييزها او اصابتها ببارود البنادق فقط كنا نسمع عواءها وزمجرتها وصرخات بعضنا البعض وحشرجة المحتضرين منا ركضت تائها متخبطا لا اعرف لي وجهه قبل ان يضربني مخالب مفاجئه في عنقي اسقطتني ارضا لدقائق او ساعات لا اعرف لا ادرك انها النهايه لكني وبعد فتره من السقوط استفقت ووصلت زحفي الى حيث لا ادري مدعيا السكون والموت بين الحين والاخر الى ان قرات بمعجزه الى النور قبل طلوع النهار بدقائق 


 ووصلت طريقي ضائعا عبر تشعبات جبليه ضاغطا عنقي النازل بسترتي حتى فقدت الوعي وعندما نهضت وجدتني في عياده طبيب بركات الذي عرفته فيما بعد انه اصلح تهتك وريد رقبتي الايسرى جل في بالي وانا اعيد قراءه تلك الفقره من البدايه ما رايته في روايه يامن وهمست في نفسي سبب الخواجه حريق القريه لكي يبرر وصول الهجانه المزيفين اليها تحدث الكتاب فيما بعد عن فتره التي قضاها اسماعيل مقتبئا مع سيد بركات الصافي من الذئاب التي هاجمت البشر وقتها قبل ان ينزحا الى اقصى الشرق وتتضائل فرصه الجندي في العوده عبر العابره مره اخرى لسببين الاول ان اثنان الذين كانوا يمتلكان خريطه الطريق الى العابره هم الخواجه فايز والضابط المصري وللذان ماتا قبل الخروج منها والثاني هو عدم مقدره اي شخص على الاقتراب من الجبال الغرب في تلك الفتره من الحرب وان ظل اسماعيل املا في الوصول الى العابره والرجوع الى تاريخ صنع خاتمه يوما ما بالرغم من مرور اكثر من عامين على وجوده في الوادي اكملت بعد ذلك قراءه باقيه الصفحات التي احتوت سردا طويلا عن ذكرياته في مدينته بالسودان ومقارنتها بحياته الجديده حتى انتهى الفصل الاخير بالحديث عن انتحاره بعد اصابته بالاكتئاب يوم اختفاء الشاهد من السماء واغلاقه العابرات ليدفنه الطبيب مع اغراضه في قبر ذي جدران من المرمر الابيض في احد الوديان الرمليه القريبه منه قبل ان يصير ذلك الوادي فيما بعد الوادي الاسود نفسه. 


 وكانه مثلما كان احد اسباب إشعال الحرب الكبري انتهي به المصير مدفونا بين عظام الذئاب والملديين اسفل طبقه القار التي وضعت كنهاية م"كده لتلك الحرب 


.. عندما انتهي الكاتب عدت إلي الصفحتين اللتين طويت طرفيهما وأعدت قرأة الفقره الخاصه بطريقة توجيه العابره إلي بلد وزمن معين عن طريق الخواتم التي صنعها الخواجه للهجانه من ذهب مصري اصيل كي تمر من خلاله طاقة العابرة لتكمل دوره كامله تعيدهم الي يوم صنعها. وفكرت في انني لا امتك خاتما وكذلك. مروه. التي لا أتذكر انها تمتلك حليآ في يديها هي أيضا حتي وان كنا نمتلك فلم يعد ذلك الامر يشكل شئ مهما خاصة اننا لا نعرف طريق العابرات وإن عرفناه فلن نستطيع ألاقتراب منها في ظل القادم منها. 


 كما اننا إن أنتصرنا في الحرب فقد نستطيع العوده الي بلدنا عبر سرداب فوريك من خلال الذهاب إلي زيكولا مع الملك تميم والعوده عبر مدخل السرداب الغربي الذي اتخذته مرتين  في السابق ولوهله شعرت أن الكتاب لم يصف أي إفاده سوي اكتمال بعض الاجزاء الناقصه من قصة طاحونة قريتنا القديمة..  فوضعته جانبآ وانتظرت حتي عاد الملك تميم وارسل إلي كي أذهب للقائه فتوجهت ألي جناحه حيث وجدت ناي ونوح ومروه وساره في انتظاري برفقته..   


             ******* 


قالت ناي أن الصور في رؤياها صارت أوضح كثيراً وأن أصوات زمجرة الوحوش المتداخله التي تنتظر فتح العابرات تضج في رأسها كأنها تقف علي بعدخطوات منها، وظهر جليآ علي نبرتها في تلك المرة أن إيمانها بانتصار البشر في تلك الحرب صار امر مشكوكا فيه، وعلي الرغم من الثبات الذي حاول الملك، تميم إظهاره فإنني شعرت بالقلق في صوته عندما سألها،. 


، ـ هل ظهر لديك من اي عابرة قد يأتون اولا،  


،. لتجيبه.  


إن العابرات جميعها تتصل ببعضها بعضا. ستأتي الجحافل عبر عابرات جبال الغرب بصورة رئيسيه، لكنها قد تاتي أيضا عبر عابرة الغابه، وربما عابرة البحيره، وإن كنت أظن أن البحيره ستكتفي بخروج مياهها كي تكون جاهزه حينما تأتي إليها الهياكل العظميه كي تغوص فيها فتكتسي لحما.  


. فقال،  


ـ ان فرقة كبري من قواتنا تحيط بالبحيرة  من جميع الجوانب علي كل حال، وستكون جاهزة للأشتباك إن خرجت منها أي وحوش،،  


ثم سألني عن الكتاب الذي أحضرته، فوضعته أمامه وبدأت أحكي له وللباقين ما قرأته به، حتي انهيت حديثي قائلا..،،  


ـ 


تمنيت لو كان ذا فائدة  


هز رأسه أسفا، وصمت الباقون وبعدها امر بنصرافنا.  


. في اليوم التالي تجولت صباحا بحصاني بين خيام أهالي القري الذين نزحو إلي وسط المدينه قبل أن اتحرك مع الملك تميم، لتفقد القوات المتمركزه حو البحيره الجافه والمجانق الموزعهة بانتظام علي جانب الغابه الشرقي قبل ان


 ننطلق إلي الوادي. الاسود في اقصي الشرق لنصل هناك قبل غروب الشمس واره للمره الاولي، جبلا صخريان بينهما واد، مغطي بالقار الأسود بالكامل هو وسفحا الجبلين علي جانبيه. عندما صعدت بالحصان إلي أعلي أحد الجبلين ونظرت إلي الوادي من أعلي ادركت عظم مساحته مع طوله الذي يتجاوز ستة اميال. وعرضه الذي لا يقل عن ثلاثة اميال، وفكرت في ان تلك المساحه لو احتوت باكملها علي ذئاب متراصه في باطنها فلن تكون هناك فرصه لنجات اي بشري في العالم ان نهضت تلك الذئاب..  


. عدت بعد ذلك ألي القصر فوجدت درع جسد كامل من صفائح الفولاذ موضوعا في غرفتي وبجواره خوذه فولاذيه ذات غطاء وجه متحرك لا يظهر إلا العينين، وسيف طويل امسكته ولوحت به في الهواء متحمسآ بعدما كان ذلك إعلانا واضحا لوفاء الملك، تميم. بوعده لي بوجودي بجواره في الصفوف الاولي ثم، أويت إلي فراشي محاولا نيل قسط من النوم إلا ان تلك كان صعب المنال بعدما بلغ الضجيج الصاخب في ذهني ذروته مع بقاء أقل من عشرين ساعه علي معركتنا الحاسمه... يتبع 

*********************************************************

الفصل السابع و العشرون

"نوح" 


كانت صفوف الفرسان والجنود قد انتظمت في خمسة عشر  فرقة كبرى بالمساحه الشاسعه بين المجانق والغابة عندما تقدمت انا وخالد وناي على جيادنا نحو الفرقه الثامنه التي يقودها الملك تميم بامر منه بينما جلست ساره في خيمه من الخيام الملكيه التي نصبت في المؤخره على مقربه من "براقيا" وكان الليل على وشك الحلول فمكثنا ننظر جميعاً في السماء واشجار الغابه في توجس وصمت لا يقطعه الا صياح الفرسان الذين كانوا يركضون بجيادهم امام الصفوف جيئه وذهابا كي يحمسوا جنودهم المترقبين..... 


ثم حل الليل وظهر البدران في السماء ،فزاد الترقب والقلق على وجوه الجميع،خاصه بعدما لم يحدث اي جديد خلال اول ساعتين تقريبا،وتأكيد الرسائل التي تحملها الغربان من طلائع غرب الغابة عدم وجود أي تغيير في الأمور هناك ..حتي صدر فجأة من السماء العواء الطويل نفسه الذي سمعناه يوم وصول الذئب الى ام العابرات فارتعب الجياد  فزعا ،ومنها ما رفعن قوائمها الاماميه فاسقطت فرسانها من فوق صهوتها قبل ان تهتز الارض بشده من اسفلنا ويتحول ذلك العواء الى صوت قعقعة تشبه الرعد ،فاختل توازن المزيد من الفرسان وسقطوا عن خيولهم التي ما لبثت ان فرت راكضه في خوف شديد لتسود حاله كبرى من الاضطراب لم تهدا الا بعد دقائق عندما سكنت الارض من اسفلنا مره اخرى وانقطع مع  سكونها ضجيج السماء.. حينها التفتت الي ناي كانت تغمض عينيها في تركيز شديد قبل ان تفتحهما و تقول وهي تحدق الى الغابه لقد فتحت العابرات انني اسمع اصوات وحوشها بوضوح شديد سرعان ما اكد كلامها ذلك الفارس الذي اتى الى الملك تميم برساله وصلته عبر غراب تؤكد نبوع مياه بحيرة جماره بالقرب من طرفها الشرقي .. فصاح الملك تميم في مساعديه بأن يعيدوا تنظيم الصفوف سريعا ،فانطلق الفرسان براياتهم كل نحو فرقه من الفرق المجاورة تنفيذاً لاوامره ،،سألنى خالد حينها ان كنت أعرف عابرة الغابة ،فأجبته .. 


لا احد يعرف مكانها لقد دون هذا في كتب التراث ان مكانها كان يتبدل كل ستة أشهر ،وكان يحرم على الناس الدخول الى الغابه في ليلتي فتح العابرة .. 


قال ذلك في قلق واضح. هكذا لن نستطيع معرفه الوقت التي قد تستغرقه الوحوش الاتيه عبرها لتصل إلينا ،على عكس وحوش الغرب التي نعرف انها ستحتاج الى نصف يوم على اقل تقدير لتعبر الغابه اذا بلغت سرعتها سرعه الجياد القصوى.. 


فاتفقت معه في ذلك... 


بعد قرابة ساعتين أخريين من الترقب وصل إلى الملك تميم رسالة جديدة من طلائع الغرب تبدل معها وجهه بوضوح وهو يقرأها ،قبل أن يخرج زفيره ،ويقول لمساعده السيد "جرير" بنبرة قلقه


                


_جهز المجانق في الحال ..


ساله خالد بنبره القلق ذاتها..


                  _ماذا هناك؟


قال : ذكرت الرساله بدء خروج الحيوانات الضاريه من الجبال الى الغابه بأعدادا رهيبه ويوصي قائد الطلائع باحراق الغابة فى الحال ان أردنا النجاة.... 


_فسأله مرة اخري! 


وما مصيره هو وجنوده هناك؟! 


فأجابه .... 


            ....  هناك خطة وضعناها قبل رحيلهم الي هناك ..سيحاولون الاحتماء في منطقة جبلية لا تخرج منها تلك الوحوش ...  


وتابع وهو ينظر إلى الغابة ثم إلي الشاهد... 


_سننتظر دخول اكبر عدد من تلك الضوارى إلي الغابة ،ثم تبدأ المجانق في إطلاق كرات لهبها الضخمة لتحرقها بالكامل .. 


فقلت حينذاك : لكن ذلك الانتظار قد يسمح للوحوش التي تخرج من عابرة الغابة بالوصول إلينا.. قال دون ان يتطبع وجهه باي تعبير تلك سنتعامل معها بسيوفنا . 


فجأه نطقت ناى دون ان تنظر الي أحد منا وبصوت أجش غريب .كأن  شخص آخر يتحدث من خلالها.. 


لن تغلق البوابات هذه المره مع حلول النهار او زوال البدر الاخر،لقد فتحت بلا رجعه سيستمر تدفق المنقذين الى هذه الارض من جميع الازمنه حتى يحرروا اخوتهم في الوادي الاسود 


ابتلعت ريقي رعبا وانا افكر ان الشاهد قد استخدم ناي لإيصال رسالته إلينا , ،صحت فيها كي تستفيق ولكنها واصلت تحديقها الى الأمام ..... 


دون ان تنتبه لي فاقتربت منها وامسكت بذراعها وهززتها كي تستفيق، بينما نظر الملك تميم إليها واجما ،وكأنه أيقن بقلة حيلته وعدم جدوى خطه احراق الغابه ان استمر تدفق تلك الوحوش بلا نهاية ،حتى وإن نجح في إحراق الآلاف منها ....


عندما استفاقت ناي تلفتت حولها مستغربه من غيابها المؤقت عن الوعي،وتساءلت عما حدث خلال الدقائق الماضيه،فاخبرتها بما قالته ...فلاذت بصمتها وعيناها تلمعان بالدموع ،سألني خالد بعدئذ وهو ينظر إلى الغابة نظرة طويلة شاردة ...


هل ذكرت الكتب القديمة كم استمر حريق الغابة عندما اشعلها اجدادكم كي يتخلصوا من الذئاب...


قلت :لا اذكر تحديداً لكن على ما أظن قرابة شهر. . وكدت اسأله عن سبب سؤاله وشروده الطويل...لولا وصول رسالة جديدة من طلائع الغرب يتوسلون فيها للملك تميم كى ينسحب على الفور وإلا هلك الجيش بأكملة ،وقبل ان افكر فيما قد يحدث فوجئت بدفعة من الضوارى تخرج من الغابة راكضه نحونا بأقصى سرعة ،،أسود ونمور ذات أنياب طويلة سيفيه،وذئاب تلمع عيونهم بشدة مع ضوء قمرى السماء ،وقبل أن أصرخ بمن حولى كي يستعدوا ،كانت شباك كبري من الاحبال السميكة ارتفعت عن الأرض فجأة لتصيد في داخلها الكثير من تلك الحيوانات وتعوق الباقين عن التقدم إلينا ،حينها صاح الملك تميم في أحد الفرسان بكلمة لم استطع تبينها ،فانطلقت إلي السماء على الفور سهام مضيئة متتابعة لم أر مثلها في حياتى..وبعدها بدأت قذائف المجانق المشتعلة تنطلق بغزارة نحو الغابة لتشعل النيران في أرجائها وما لبثت أن انطلقت فرقة من الفرسان لتمزق أجساد الحيوانات العالقة في الشباك والقلة التى استطاعت الإفلات منها ،،،،  



بعد قليل خرجت إلينا دفعة أخرى من الضوارى كان عددها أكبر من الدفعة الأولى استطاع أغلبهم تجاوز الشباك لتتقدم إلينا مهاجمة صفوفنا الأولي فأصابت عدد كبير من الخيول وراكبيها  بيد أنها لم تصمد كثيرا مع أعداد الفرسان الغفيرة الذين طوقوها من كل جانب ،لتخرج إلينا دفعة جديدة بعد دقائق كانت النيران تشتعل في اجساد معظمها اسقطت بعض الخيول والفرسان كذلك &هنالك قلت لخالد وانا أفكر في عدم ظهور البشر البدائيين الذين تحدثت عنهم ناي سواء أمامنا أو في الغرب بعدما لم تتحدث الرسائل القادمة من الطلائع عنهم ،،،وظهور أعداد قليلة فقط من الحيوانات تسببت على الأقل في إصابة مائتي جندى لدينا على أقل تقدير..


إن الشاهد يستنزف قواتنا بتلك الاعداد القليلة قبل أن يخرج قواته الرئيسية المتمثلة في البشر راكبي الأفيال  💔


فأتفق معي في الرأي ...


في تلك الأثناء خرجت إلينا جماعات اخرى متفرقة من الحيوانات كانت جميعها مشتعلة ..ولم تحتج الي جهد كبير لحصاد رقابها ،،ومع امتداد اكثر واكثر بالغابة أدركنا موت أي حيوان فيها حرقا او أختناقا  ،،فأمر الملك تميم بالتقهقر  ميلا إلي الوراء خاصة مع انتشار السعال بين الجنود مع الدخان الكثيف ،، 


ثم عدنا بخيولنا إلي الخيمة التي كنا قد تركنا فيها سارة ومروة ،وهناك تركتنا مروة من أجل  المشاركة في توزيع الماء على الجنود بعدها سألني الملك تميم على حين غرة .. 


خمدت الغابة قديما بعد شهر ،اليس كذالك ... 


قلت بلي سيدى هذا ما أخبرتنا به الكتب ... 


_قال لمساعده السيد جرير الذي كان يقف بجواره .. 


إذن لدينا شهر من اليوم لن تستطع الحيوانات خلاله التقدم إلينا  


ستقود فرقة من الفرسان لمرافقة من لا يقدر على القتال الي جنوب بحر الرمال  


بدا على وجه مساعده أنه يريد البقاء للقتال معه لكن صرامة وجه الملك تميم في إعطاءه الأمر جعلته ينحني برأسه مطيعا ..قالت سارة بعدما خرج السيد جرير .. 


_لماذا لا تنسحب بقواتك انت أيضا سيدى؟!!! 


هز رأسه رافضاً وقال : إن وصلت تلك الوحوش الى الوادى الأسود سيطاردوننا لا محالة في أي مكان نذهب إليه..سندافع عن الوادى الاسود حتى أخر قطرة دماء لدينا ..فنطق خالد الذى عاد الي شروده الطويل منذ دخولنا إلي الخيمة : ماذا لو أعدنا ذئب صامون إلي الحياة ?!!لم استطع فهم ما يقصده وقلت  


....لقد عاد الذئب للحياة بالفعل ،


فقال 


        ماذا لو لم يقتل من الأساس؟ لقد خطرت في بالي شئ جنوني مع ورود الرسائل التي تؤكد كثره اعداد الحيوانات القادمه الينا،،لقد ذكر كتاب المصاب الاسمر على لسان مؤلفه ان ذلك الجندي قد دفن مع متعلقاته في قبر جدرانه من المرمر باحد الاوديه الرمليه قبل ان يصير ذلك الوادي فيما بعد الوادي الاسود،ماذا لو استطعنا الوصول الى ذلك؟وحصلنا على خاتم الجندي الذي لابد انه هناك برفقة عظامه قد استخدم طاقته للعوده الى تاريخ صنعه، ومنع اولئك اللصوص من الدخول الى العابرة وبالتالي  منع كل ما ترتب عليه  .. 



فقلت مندهشا مما يفكر فيه :


حتى وان كان ما تفكر فيه بشان العوده الى الماضي قابلاً للتنفيذ ، فكما قلت انهم مدفون هناك في الوادي الاسود وسط الالاف من العظام محال ان تصل الي قبره دون أن تكشف مساحه شاسعه من الوادى وهذا ما يريده الشاهد ،،،،،


صمت قليلا مفكراً ثم قال :


إننا ندرك جميعاً أننا لا نملك فرصة للانتصار في هذه الحرب فقط لدينا شهر  ومن بعده ستخمد النيران ولن يكون هناك حائل يمنع الوحوش من الوصول إلينا..ثم نظر إلى الملك تميم متوسلا وقال ...


         مر جنودك سيدى بإزالة طبقة القار ،واجعلهم يبحثون عن ذلك  القبر أسفلها كي نصل إلى عظام ذلك الجندى قبل فوات الاوان.. يمكننا  على الأقل البحث نهارا  ...


قالت سارة ....لن يستطيع الجنود إعادة طبقة القار الجافه كما كانت ابدا..وسيتمكن حينها الشاهد من الوصول إلى العظام لينتهى الأمر بأن يجد السيد جيشه محاصرا بين الوحوش القادمين من الأمام وهياكل الذئاب والملديين الناهضين من الخلف ... فنظر خالد الي الملك تميم وقال .... أرجوك سيدى ثق بي ،تعلم أننى أستطيع فعلها...،،، لم يجبه الملك تميم فقلت ...حتى وإن استطعت الوصول إلى ذلك الجندى وخاتمه..فلن تستطيع الوصول إلى عابرة الغابة التي تشتعل النيران من حولها ...،،، او الي عابرات جبال الغرب التى تتدفق عبرها الوحوش ..


قلت :لا أحتاج إلى تلك العابرات ،لدينا عابرة في حوزتنا بالفعل ،فتعجبنا جميعاً مما يقوله فأردف 


        ..... لابد وأن الجنود المحيطين ببحيرة جمارة قد رأوا المكان الذي ينبع منه ماءها...،،،،،


ونظر إلى ناى وتابع .... إنها عابرة البحيرة أليس كذلك يا ناى   


هزت رأسها متفقه معه قائله .. وما دامت العابرات تتصل جميعها بالازمنه المختلفه وببعضها بعضا يمكننى أن اجتاز تلك العابرة الي الماضي بخاتم الجندى إن عثرنا عليه ومنع مقتل الذئب وكل ما ترتب عليه هززت رأسي رافضاً في غير اقتناع أي كلمة قالها ،بينما واصل الملك تميم صمته ...فتابع خالد اليه مصرا ...


ساطلب من مروه الرحيل مع النازحين الى جنوب بحر الرمال،اسالك فقط سيدي ان ترسل معها فارسا الى زيكولا او الى الملكه اسيل لتدلها الى مدخل السرداب الغربي كي تستطيع العوده الى بلدها.......


هنالك نظرت له مستفهما ومتعجبا  بعد ما انتبهت الى شيء لم يذكره..وقلت وانا أفكر في أنه لا يمتلك حليا من بلده في يده ،،،حتي وان صنع له حلي هنا واراد العودة إلى أرضنا وزماننا فلن يستطيع تجاوز ذئاب العابرات :::::::


هذا يعني أنك ان ذهبت الى ذلك التاريخ فستعلق هناك ،ولن تستطيع العودة الي هذا الزمن بأي عالم ..لاذ بصمته وفكر مليا فيما اقترحه قبل النطق به ،ونظر مجدداً إلى الملك تميم الذي ظل صامتاً ثم قال: 


                


...... أرجوك سيدى هذه فرصتنا الوحيدة .،فهز الملك تميم رأسه رافضاً ثم تركنا وخرج مغادرا الخيمة.. 


دلفت مروة بعد ذلك إلينا :هناك الكثير من الجرحى في الخيام المجاورة ،وتتناقل الأحاديث اليائسه بين الجنود بكثرة ... 


ولما لم نهتم لما قالته منشغلين بما اقترحه خالد . سألتنا مستغربة ما الأمر ؟!!! 


..قال خالد : ستتحركين مع المهاجرين الى جنوب بحر الرمال.. سيبقى هنا المقاتلون فحسب.. سكتت وكانها تفاجات بقوله فاردف إليها.... سيقودك فارس الى زيكولا التي اعتقد انها ستفتح بابها مع هذه الظروف الطارئه او الى أماريتا حيث ستعتني بك الملكة اسيل حتى تؤمن عودتك عبر السرداب الى قريتي، 


سألته ... 


       وأنت ؟! لماذا لا تعود معي؟! لا اظن انك محارب كي تبقى هنا،،، 


قال ؛علي أن ابقي هنا،انا لدى القدرة علي القتال مثل أي رجل هنا ، 


سكتت مره اخرى واتخذت مكان في جانب الخيمه وجلست من غير ان تقول شيئا ،بعدها قالت ساره لخالد خشيت ان يوافق الملك تميم على اقتراحك المجنون 


هزه خالد رأسه آسفا فقالت ناي: 


 .:::. لا تزال الحيوانات المفترسه تتدفق من عابرات الجبال الى المنطقة الغربية انني أشعر بانفاسها واسمع  أصواتها في رأسي إنها تحتشد هناك دون ان تدخل الى الغابة المشتعلة ستواصل تدفقها واحتشادها بلا نهاية ومهما طالت أيام حريق الغابة فهيا قادمة الي الوادى الأسود لا محال ،سالتها :هل ظهر البشر الأوائل بعد ؟ 


قالت لا جميعها حيوانات مفترسة حتى الآن! 


قالت مروة :لابد وأن الشاهد يريد تأمين أولئك البشر من خلال افتراس تلك الحيوانات للجنود هنا ومن بعدها يطلقهم كى يزيلوا طبقة القار ،ثم نظرت الي خالد وسألته :اي إقتراح اقترحته ؟ 


قال لا شئ  


فقلت يقترح صديقك أن نزيل بأيدينا طبقة القار كى نبحث عن الجندى القديم الذي أتى من بلدكم ،ثم يستخدم خاتمه للعودة الي تاريخ صنعه من خلال عابرة البحيرة كي يمنع مقتل الذئب ،رمقته بعينيها ،وبدا انها فكرت في حماقة مقترحه ،ولاذت بصمتها بعدها ساد صمت طويل بيننا ،حتى قالت ناي 


 ....._اعتقد أن علينا المحاولة ★ 


تعجبت مما تقوله ،فأردقت قائلة :لا أحد منكم يدرك عظم ما هو قادم إلينا مثلي،سيأكلنا القادمون أحياء ،،وسيصلون الي الوادى الأسود لا محالة.. إن كانت هناك ذرة أمل يراها هذا الرجل  


فلما لا نسعى إليها! 


فقلت متمسكاً برأيي : إنه تعجيل بالموت لا اكثر  


....قالت 


وإن كان موتا في كلا الحالتين ،فالمحاولة فرض علينا ..... 


جال  في خاطري هذه اللحظة أنه إن نجح خالد فيما يسعى إليه وعاد الزمن إلي الوراء حقا ومنع نشوب حرب الذئاب  فستتبدل الحياة في الوادى... تماما عما نراه وربما لن نكون قد ولدنا في الأساس حتى  وإن ولدنا  واستمرت حياتى أنا وسارة وباقي أهل الوادى دون تغيير  فمن المفترض أن تصبح العلاقة بين الذئاب والبشر والملديين كما كانت في الماضي  وبالتالي لن يختبئ الملديون هربا من الموت مثلما فعلوا قديما ،ولم يتزوجوا من البشر لينجبوا سلالة تغلب عليها صفات البشر مثل ناي ...فقلت لها: إن لم تحدث حرب الذئاب لم يكن الملديون ليتزوجوا من خارج جنسهم ،لم يكن جدك ليتزوج بشرية ،ان عاد الزمن وتبدلت أحداث الماضي لن تكونى هنا . 


نظرت نظرة مطولة نحوى ،ثم قالت والباقون ينظرون إلينا .. 


وإن ظل الماضي كما هو فلن نكون جميعاً هنا بعد شهر من الان وأحياناً على الفرد أن يضحي من أجل الجماعة ،هكذا تسير الحياة . 


وتابعت ..يود الرجل التضحية بنفسه والعودة إلى زمن غير زمنه دون رجعه من أجلنا إنه يقدم لنا فرصة لبقاءنا مستقبلاً.. حتى وإن لم نجتمع معا فيما بعد ستقودنا أقدارنا إلي ما هو أفضل .. 


نظرت مروة إلي خالد مذهولة وكأنها انتبهت للتو إلي نقطة رحيله بلا عودة وكادت تقول شيئاً لولا أن الملك تميم دلف إلينا ،مرة أخرى وفي يده الكتاب الذى يتحدث عن قصة الجندي الأسمر ،وما لبث أن سأل خالد  .................هل يمكنك فعلها حقا؟!!!! 

*********************************************************

الفصل الثامن و العشرون

خالد  


  "نعم"ليس لدينا حل آخر ،، 


                هكذا حدثت نفسي وأنا أترقب الغابة في انتظار ظهور وحوش الشاهد،طرءت علي بالي فجأة إمكانية العودة إلى زمن الشيخ موسي ومنع كل مل حدث من جذوره إن عثرنا على خاتم جندى الهجانة ،حتى وإن علقت في الماضي ،علي الأقل سيكون هناك الملايين من الناجين إن نجحت..ولن يختلف الأمر كثيراً إن فشلت ،ثم زاد اصراري على ما فكرت فيه بعد ما رأيته من خسائر في صفوفنا مع اعداد قليلة للغاية من تلك الحيوانات..فكرت في منى ويامن وترددت في داخلي كثيرا ،لكنى عدت وحدثت نفسي بأن القدر اختارنى دون غيرى لإخراج ذلك الذئب اللعين من القبر ..كي أتي الى هنا والتقي الملك تميم الذي وجهه القدر أيضاً للحضور بجيشه إلي هنا . وأقنعه بتلك المجازفة العظيمة التى لم يكن ليقتنع بها لو صدرت من شخص أخر،وكأن القدر وضعنا معا في هذا الزمان والمكان لإنقاذ أولئك الناس من شر الشاهد ،لذا كنت واثقا أنه سيعود إلى الخيمة مرة أخرى معلنا موافقته على ما فكرت فيه ..وعندما سألنى 


هل يمكنك فعلها حقا ،،؟! 


نهضت من جلستى واجبته على الفور .... 


        نعم سيدى ...


فقال ...


حسنا يا خالد ستنسحب ثلاث فرق عسكرية  من القتال هنا إلي الوادى الاسود مع طلوع ،ا النهار ..اثنتان منهم ستبحثان عن خاتمك نهارا..وتطوق الثالثة الوادى للسيطرة علي أي ناهض من العظام ... 


قلت متحمساً في حين ظهر القلق بوضوح على وجوه البقيه ماعدا ناى ،، 


خيرا ما قررت سيدى.  


.. 


                     ★★★★★ 


في الصباح التالي بدء العمل على قدم وساق..،أذ قسم الوادى الاسود إلي اربعين رقعة متساوية مساحة الرقعة الواحدة كيلو متر مربع تقريبا وأخبرني الملك تميم نيته إزالة طبقة القار فوق رقعتين يومياً   .. حتى ان حدث ما نخشه واستطاعت الذئاب النهوض فتكون في نطاق يسمح لقواته بمواجهتها  .. فكرت في ان ذلك المعدل قد يمنحنا عشرون يوما او ربما اقل ان استطعنا الوصول إلى قبر الجندي قبل أخر رقعة..وتمنيت في داخلي الا يخمد حريق الغابة قبل هذه المدة .. بيد إننى عندما تحركت بحصانى بين الجنود الذين يكسرون طبقة القار الجافه بفؤوسهم وجواريفهم في صعوبة بالغة ادركت استحالة الانتهاء من الوادى في تلك المدة ..مع سمك طبقة القار  الذي لا يقل عن قدمين واقتصار العمل على ساعات النهار فقط.وعندما أدرك الملك تميم الأمر  نفسه أمر بدفع فرقتين اخريين من الجنود الي الوادى ،خاصة مع مرور النهار الاول دون استطاعة الجنود من الانتهاء من رقعة واحدة ،،،،، 



                            


في تلك الليلة لم نستطع النوم مع مراقبتنا للمساحة الصغيرة التي كشفت من الوادى وغطيت مرة أخرى بقطع القار الجافة ،


كانت سارة. محقة بشأن صعوبة إعادة الحنود لطبقة القار إلي وضعها الأول مع صلابته وجفافه ..وعرفت أن الملك تميم قد سأل عن وجود اي مخزون من القار اللين  


،فاجأه بانتهاء المخزون كله مع تدعيم طبقة القار القديمة ..بعد ظهور الشاهد في السماء قبل سبعة أشهر  


ثم اهتاجت الخيول عند منتصف الليل فأدركنا أن ما نخشاه قد حدث وان هناك بعض العظام قد نهضت من رقدتها وسرعان ما جاءنا الخبر عن اشتباك الجنود مع اكثر من ستين ذئبا وثلاثين ملديا نهضت هياكلهم فجأة وهاجمتهم قبل أن يسحقوا جماجمهم ،ويكسرو عظامهم قطعا ويحرقوها لتمر الليلة بسلام ،في النهار التالي تواصل العمل مجموعة تكسر طبقة القار وتزيلها ،ومجموعة ثانية تنقب في الرمال المكشوفة عن المقبرة المقصودة ،ومجموعة ثالثة تعيد رص قطع القار وتركبها معا كي لا يتسرب ضوء الشاهد خلالها  .. 


في ذلك النهار قاد السيد جرير أهال الوادى غير القادرين على القتال رجالاً ونساء وأطفال إلي ممر بحر الرمال ،جاءتنى مروة قبل أن تغادر كي تردعنى ،،ابتسمت بعين دامعه وهى تشكرنى على المدة التي قضيناها معا وعلى حرصي على عودتها الي وطننا سالمة ،واعتذرت من انانيتها التى أدت إلى ضياع الذئب .... 


ودعتها حاثا إياها ألا تفكر في أمر الذئب الهارب ..فكما قالت ناي :هذا أمر سيحدث سواء معها أو معي أو مع غيرنا .. 


. حدثتها سريعاً عن مدخل السرداب الذي يوجد  خارج سور زيكولا الغربي والذي سيقودها اليه الفارس أو الملكة أسيل ،،وسألتها أن تخبر زوجتي منى ويامن أننى أحبهما كثيراً.فأومأت برأسها إيجابا وعندما دمعت عيناي في تلك اللحظة ربتت على يدى تطمئنى بأنني سأجد حلا وانجو كما تعودت دائماً, 


ثم ركبت حصاناً خلف الفارس الذى عينه الملك تميم خصيصاً إلي زيكولا أو إلي الملكة أسيل إذا كان باب زيكولا مغلقا ،،ليتحرك بها مبتعدا وهي تلوح بيدها وعينيها دامعتين قبل أن تختفي عن ناظري..... 


في ذلك اليوم انتهى الجنود من كشف رقعة واحده من الوادى لنكون قد كشفنا خلال يومين رقعة ونصف تقريباً من الرقع الأربعين ونهضت خلال الليل مجموعة أخرى من العظام استطاعت مهاجمة إحدى الكتائب لتقتل وتصيب خمسة عشر جنديا قبل أن تصطادها بقية الجنود ويسحقوا عظامها ويحرقوها .. 


كنت اعلم أن أعداد الهياكل الناهضة ليلا قليلاً جداً ،بالنسبه لألاف العظام والعظيمات التى كنت أراها نهارا مكدسة أسفل القار المزال ،وأدركت في تلك الليلة حكمة الملك تميم بتقسيم الوادى ،وكذلك تحسن كفاءة الجنود الذين كانوا يركبون قطع القار الجافة مع بعضها البعض ،لتترك بينها خطوط رفيعه لا تمرر إلا قدرا ضئيلا من ضوء الشاهد.لا ينهض إلا عظاما قليلة توجد أسفل تلك الخطوط مباشرة ،فيما تظل باقي العظام المكدسة بالطبقات السفلي فى أمان تام ... 



        

في الأيام الثلاثة التالية لم يحدث أي جديد سوى أننا لاحظنا تزايد منسوب بحيرة جمارة بمعدل أكبر كل ساعة وفي اليوم الرابع خرجت جماعة من الضوارى تحترق اجزاء كبرى من اجسادها الي الفرق العسكرية المواجهة للغابة ،فأستطاعوا حصاد رقابها وإن بدء القلق ينتابنا بعدما أدركنا أن مساحات من الغابة قد خمد حريقها وتسللت من خلالها تلك الحيوانات ،وخشينا أن تستطيع باقي الحيوانات معرفة تلك المساحات وسلوك طريق عبرها إلينا..لذا دفع الملك تميم بفرقة خامسه الي الوادى الاسود للإسراع بكشف مزيد من مساحته .. إلا إننا وعلى الرغم من الفرق الخامسة التي تعمل على مدار ساعات النهار لم نتمكن إلا من ازالة ثمان رقع فقط من رقع الوادى خلال العشر أيام التالية مع تزايد سمك طبقة القار  


كلما اقتربت من منتصف الوادى  كان ذلك المعدل يعنى أننا قد لا نستطيع كشف نصف مساحة الوادي خلال الأيام المتبقية على انطفاء حريق الغابة،ومع وصول الضوارى بصورة ليلية عبر الغابة المحترقة بأعداد تتزايد كل يوم  عن اليوم الذي يسبقه ،وتواصل رؤي ناى بامتلاء المنطقه الغربيه عن اخرها بالحيوانات المفترسه عدا منطقه واحده ظلت خاليه دون ان تعرف السبب لم يكن التفكير في الدفع بمزيد من الفرق الى الوادي الاسود الا حماقه كبرى،لذا امر الملك تميم باستمرار  الاعداد هناك كما هي من دون تغيير ليستمر العمل في الأيام التالية دون توقف  ...


وفي النهار العشرين من التنقيب في الوادي فوجئنا بنوح يأتي بحصانه راكضا إلينا.وعلي وجهه فزع كبير ،سألته قلقا وانا اقف بجوار الملك تميم عما إذا كان هناك شئ خطير فقال لاهثا ..


_لقد رأت ناي البشر الأوائل في رؤياها للمرة الأولى  ،يخرجون بافيالهم من العابرات ،ركبنا جيادنا وانطلقنا برفقته ومعنا إثنان من مساعدى الملك إلي الخيمة التي توجد بها ناي وساره ،،قالت الفتاة عندما سألناها عما رأته .


قطعان كبري من الأفيال الضخمة ذات الانياب الطويلة يركبها رجال عراة كثيفو الشعر ،طويلو اللحي ،تحيط معاصمهم أساور فولاذية ويمسكون في ايديهم حرابا طويلة ..يخرجون من العابرات تباعاً ويصطفون في صفوف منظمة بالمنطقة الخالية التى لا تشغلها الضوارى وكأنهم يستعدون لاقتحام الغابة ،،،


دق قلبي مسرعاً ،لم نكن قد انتهينا سوى من ثلث مساحة الوادى تقريباً ومع تلك للرؤية صار الوقت عدونا الأول ،صمت الملك تميم قليلاً ثم أمر أحد معاونيه بإطلاق كرات اللهب دون توقف نحو الجانب الغربي من الغابة ،ثم صمت مفكراً مرة أخرى ،نظرت الي وجهه فأدركت أن هناك الكثير من المشاعر المتضاربة تعصف في داخله في تلك اللحظة..


قبل أن يفاجئنى ويأمر مساعده بتحريك ست فرق أخرى من الفرق المرابطه أمام الغابة إلي الوادي الاسود في الحال للعمل مع مزيلى القار هناك ،



                


حينذاك قالت سارة مرتعبه :


             ذلك يعنى كثرة الاعداد الناهضة من الذئاب والملديين كل ليلة ومع إنهاك جنودك طيلة النهار سيكون هناك المزيد من الضحايا وقال نوح قلقا من بقاء اربع فرق فقط في مواجهة الغابة .. 


كيف تتخلى عن اكثر من ثلثي دفاعاتك امام الغابه سيدي؟! 


فأجابهما... 


        ..    ...ليس أمامى حلا أخر ،وخرج مغادرا نظر إلي الإثنان نظرة مؤنبة وكأننى السبب في كل ما يحدث بعد أقتراحي بالتنقيب في الوادي للبحث عن خاتم الجندى  


فقلت هادئاً 


ما زال لدينا أمل ..يمكنكما المغادرة إلي جنوب البحر الرملي الليلة إن اردتما  


اومأ برأسيهما رافصين ،فخرجت لأتبع الملك تميم الي الوادى الاسود. .... 


بعد ثلاثة أيام أخيراً اجتزنا نصف الوادى وللأسف لم نعثر على مقبرة الحندى فكرت في ذلك المساء وانا اقف امام البحيره وابصر مستوى ماءها الذي صار قريباً من حافتها، انني كنت مخطئا في تفكيري منذ البدايه وبدأت تدور في رأسي افكار متخبطه يائسه ترجح احتمالية إزالة قدماء هذا البلد لأي مقابر بشرية للوادى الاسود قبيل دفنهم عظام الذئاب والملديين فيه ،وتسرب في داخلي شعور بالذنب تجاه الجنود العاملين هناك ،وفكرت جديا في سؤال الملك تميم بأن نكتفي بما تم كشفه وأن نريح الجنود خلال الأيام الست المتبقية كى يستعدوا للقتال القادم ،،ثم جلست على ضفه البحيره  مواصلا  تفكيري في حيرة كبرى حتى وضعت رأسي بين راحتي يدى وأغمضت عينى من شدة ارهاقي الذهنى ،قبل ان استشعر حركه مفاجئه في ماء البحيرة أمامي ففتحت عينى مرتابا لكني لم الحظ شيئاً في الماء فنهضت من جلستى كي أعد للقاء الملك تميم لكني ما ان استدرت حتى امسك بقدمى فجأة شاب عار مبلل جسده  يرتعش بقوه سقطت مجفلا من المفاجأة واخرجت خنجرى الذى كان معي منذ عثرت عليه ف أحد بيوت المنطقة الغربية وكدت أشق عنقه لولا أننى لاحظت أن عينيه صفراء لا ترى ،تلمع بشدة مع ضوء الشاهد فتوقفت ذاهلا محملقا في جسده النحيف بعدما أدركت أنه ملدى فرت عظامه من الوادى الأسود إلي بحيرة جمارة حيث كسيت لحما وجلدا .....


     ★★★


              ★★ 


ذاهلين وغير مصدقين كانت سارة ونوح والملك تميم وثلاثة من مساعديه ينظرون إلي الشاب الذي كوم جسده في وسط الخيمة بعد الباسه سترة وبنطالا من الكتان ،بينما لاذت ناي بصمتها حاول أحد القادة استجوابه أمامنا لكنه أجاب على الأسئلة جميعها بعدم تذكره أي شئ ،فنطقت ناي حينها ،،،، 


 -انه صادق ،لم يمر على اكتمال خلاياه إلا وقت قصير للغاية ولم يبث الشاهد إلي عقله أوامره إلي الآن ،،وقتئذ أعطى الملك تميم اوامره لأحد مساعديه بتشديد الحراسة بمحيط  البحيرة والتأكد من إحراق اي عظام ناهضه كى لا يتكرر ما حدث مع ذلك الملدى  



                


ثم أمر مساعد اخر بإطعامه والتحفظ عليه بخيمة مجاورة وأخباره إن جد أي جديد بشأنه ، فأقتاده ذلك القائد الي الخارج وتبعه القائدان الاخران ... طلبت حينها من ناي ونوح وساره مغادرة الخيمة ولما غادرو قلت للملك تميم: 


_ اعتقد أنني كنت مخطئا في تفكيرى بشأن البحث عن تلك المقبرة ربما علينا ان نتوقف عن التنقيب  في الوادى وأن تعيد الجنود الي أماكنهم في مواجهة الغابة .هز رأسه رافضاً وقال حاسماً..... 


لم تعد هناك رجعه علينا ان نكمل ما بدأناه،سنجده يا صديقي ... 


حاولت أن استطرد فرفع يده مصمما على قوله فأومأت برأسي إيجابا..وإن لم يزل القلق بداخلي ...... 


في النهار التالي لم يحدث أي جديد وكذلك النهار الذي تلاه باستثناء تأكيد ناي تواصل تدفق البشر الأوائل عبر عابرات الجبال واستمرار المعارك الليليه الصغري بين الجنود والهياكل الناهضة ،ووصول دفعات اكبر كانت أقل حروقا من سابقيها واستطاع عدد كبير منها   تجاوز الفرق الأربعة المواجهة للغابة .. إلا أن الفرق المحيطه بالبحيرة والوادى الأسود استطاعت القضاء عليها.ثم حدثت المعجزه أخيراً في منتصف اليوم الثامن والعشرين من بدء التنقيب في الوادي عندما ارتطم سن جاروف أحد الجنود فجأة بشئ صلب لا يتحرك أسفل طبقة قار الرقعه الواحدة والثلاثين وعندما ازال مزيدا من القار المحيط والرمال التي توجد أسفله فوجئ بكونه قطعه مسطحه كبرى من المرمر الأبيض 


..★★★ 


...     ★★فأزال عنها مزيدا من الرمال والقار بمساعدة رفقائه الذين أدركوا مع وضوح معالمها شيئاً فشيئا أنها ليست إلا غطاء قبر دفنت جدرانه بين الرمال ليواصلو إزالة الرمال والقار عنها حتى صار القبر مكشوفاً تماماً كنت وقتها أقف برفقة الملك تميم على بعد نصف ميل منهم تقريباً عندما جاءنا فارس يخبرنا بحدوث المعجزه فأنطلقنا بجيادنا خلفه على الفور..  


.. سأل الملك تميم قائد هذه الفصيلة إن كانو قد فتحوا تلك المقبرة بعد فأجابه نافياً مؤكداً انتظاره نزلت على ركبتى متحسسا بيدى سطح القبر الأملس ونظرت الي الملك تميم، 


... فأمر قائد الجنود برفع الغطاء الذي كان يبلغ سمكه عشرة سنتمترات تقريباً ،فدس جنديان جاروفهما أسفله وبدءا يرفعانه حتى ازالاه فظهر باطن القبر يقبع ف وسطه هيكلاً عظميا وبجواره حذاءا طويل العنق وبدلة عسكريه خضراء مهترءة ما إن ابصرتها حتى أدركت أنها البدلة العسكرية التي رأيت الهجانة يرتدونها في رؤى يامن فقلت للملك تميم بعينين لامعتين فرحا ... 


أنه هو سيدى..... 


وإن اصابنى التوتر سريعاً عندما نظرت بعينى نحو عظيمات يده ولم أبصر خاتماً ،فنزلت إلي القبر مبعدا قدمى عن العظام وحملت عظيمات اليد متفحصا طبقة الرمال الرقيقة أسفلها لتتسارع انفاسي عندما  لم اعثر على شئ،وكان القلق نفسه انطبع على وجه الملك تميم عندما استرقت النظر نحوه وأنا أبحث بجيوب البدلة العسكرية دون جدوى حتى صرخت إليه  .عندما تدحرج الخاتم ساقطا من فردة الحذاء العسكرى وأنا افتش به بحثاً عنه ،لأحمله الي الملك تميم وانا أشعر بفرحة لم أشعر مثلها منذ وطأت قدمى ذلك الوادى  ...... 


ها هو هدفنا سيدى . 


ليمسك به ويحدق إليه بشرود كبير قبل أن يأمر مساعديه بإعادة طبقات القار المزالة إلي موضعها وتحريك كافة الفرق المقاتلة إلي أماكنها بالجانب الشرقي للغابة مرة أخري  


          ★★.        ★★.         ★★. 


عندما عدنا الي الخيمة لم يصدق نوح وساره اننا عثرنا على الخاتم إلا عندما امسك كلا منهما به في انبهار شديد ثم نظرت سارة إلي وقالت صارت حياتنا كلنا متوقفه عليك الآن ياخالد ...بينما نظر نوح الي ناي نظرة شاردة حائرة فنطقت إليه وأنا اربت على كتفه... 


ستعثر عليها مستقبلاً يا فتي ... 


سألني الملك تميم عما إن كنت  مستعداً هززت رأسي إيجاباً 


 فقال...  


هناك زورق يتم تجهيزه ا الان سيقودك مجدفوه إلي عابرة البحيرة  


ثم تابع :وفق ما ذكر في الكتاب وما نعرفه من حكايات الوادى القديمة ،سيعيدك الوادى الي وقت يسبق مقتل الذئب بشهر كامل خلال هذا الشهر سنقاوم الوحوش الهاربة من الغابة المحترقة على قدر المستطاع وبعد خمود نيران الغابة بالكامل سننسحب الي داخل أسوار براقيا لنتحصن بها حتي تمنع مقتل الذئب ،افعلها من أجلنا يا خالد ،،، 


فقلت باسما  


             سأفعلها يا صديقي ،،،، . 


بعدها فوجئنا  


تعال 


 تدخل إلينا لاهثة متعرقه وكأنها كانت تركض  


و أخبرني... 


ظننت أنني لن الحق بك ،هل عثرت عليه حقا ؟! 


تعجبت من عودتها فأردفت سريعاً ،، 


،،،،،،كنت قد اجتزت ممر بحر الرمال بالفعل وقطعت أكثر من عشرة أيام أخري بالطريق الممتد نحو بلاد الجنوب قبل أن اسأل الجندى ليعيدنى الي هنا بعدما انتبهت إلي شئ اغفلته اعتقد انه قد يساعدك في اعادتك إلي سرداب  فوريك قبل ثمانية أشهر من الآن اذا عبرت به الطاحونه القديمه بعد الانتهاء من مهمتك ، 


سألتها على الفور ،اي شئ ؟!  


.. أخرجت من جيبها عقداً من الصدف الموصول ببعضه بحلقات صغيرة نحاسية 


،وقالت .... 


إن الصدف شئ طبيعي استخرج من بحر بلادنا وكذلك النحاس ،وكما ترى صيغ في شكل دائري لقد اهدتني أمي أياه في عيد ميلادى قبل ثمانية أشهر ،بعدما أوصت احد صناعه بصناعته خصيصاً من اجلي قبيل ذلك اليوم باسبوع ... 


حدقت إليها غير مصدق فقالت باسمة وهي تمد يدها لي ..لن تخسر شيئا من المحاولة سأعبر الطريق الجنوبي إلى زيكولا مرة أخرى واتمنى أن ألقاك في قريتك في المستقبل القريب...................    


أمسكت بالعقد مدهوشا ،قبل أن ابتسم وانظر إليها ممتنا ،،بعدها دلف لدينا أحد وقال للملك ... 


      ........ إن زورق البحيرة على أتم الاستعداد سيدى ،،،,,,,,,,،،،،،، 


يتبع

*********************************************************

الفصل الأخير

مع جنديين يجدف كل منهما بمجداف طويل ركبت الزورق الصغير المجهز من أجل نقلي الي عابرة البحيرة ،نظرت إلي الملك تميم الذي كان يقف مع البقية على ضفة البحيرة ناظرين نحوى اومأت له برأسي ايجابا بأنني سوف افعلها ،فأجابنى بإيماءة باسمة مشجعه ،قبل ان ألوح بيدى مودعا له ولمروة ولأصدقاء الوادى سارة ونوح وناى الذين رفعوا أياديهم ملوحين لي بحرارة هم أيضاً ،القيت بعدها نظرة مطولة نحو سماء الوادى وجنبات البحيرة ،قبل أن أخرج عقد مروة من جرابى واتأكد من عدم اتصال طرفية في ذلك الاوان خشية أن تمر عبر دائرته طاقة العابرة فتنقلنى إلي سرداب فوريك ، وإن كانت مروة قد فتحت مشبكه وفصلت طرفيه امامى بالفعل ثم تفحصت خنجرى المغمد وبذلة الجندى العسكرية وحذاءه وجمجمته التى اخذتها في جرابي ،واغلقت عنق الجراب بإحكام ،،بعد دقائق توقف الجنديان عن التجديف وقال أحدهما وهو مشيراً بيده نحو فقاقيع تظهر في مركز دوائر مائية متتاليه تولد صغيرة ثم  تتسع لتتلاشي في النهاية...


      ..... إنه المكان الذي تنبع منه مياه البحيرة سيدى 


قلت وانا ألف طرفي حبل الجوال حول خصري واعقدهما معا جيداً ،،،، 


حسنا،،انني جاهز ،،


ثم أخرجت خاتم الجندى من جيبي ووضعته في سبابتي اليمني وبعدها القيت نظرة خاطفه من اصدقائي وقفزت إلي الماء بجوالى وسبحت نحو تلك الدوائر التي سرعان ما جذبتنى نحو مركزها ما إن عبرت اول دائرة منها فملأت صدرى بالهواء قبل أن أغوص إلي اعماق البحيرة متتبعا بكل طاقتى المسار العمودى الذي تصعد منه الفقاقيع كى أصل إلي منبع الماء قبلما ينفد هواء صدرى..عندما وصلت الي قاع البحيرة اكملت غوصي الي دائرة شفافه يناهز قطرها مترا ونصف تظهر وسط رمال القاع الداكنه وتخرج منها فقاعة كبرى كل حين ،جذبتنى تلك الدائرة إلي داخلها ما ان مددت ذراعي حيث اشتدت الظلمة لثوان قبل ان يتحول ذلك.الظلام الي ضوء ابيض شديد ذكرنى وانا اغمض عيني من شدته بدائرة الضوء التي دخلنا فيها أنا ومروة يوم عبرنا السرداب إلي ذلك الوادى ،ثم شعرت بسخونة الخاتم بعض الشئ حول اصبعى وسرعان ما اعتصر وجهي الألم مع اشتداد سخونته واحتراق جلد اصبعى أسفله ،،بعدها خفت الضوء فجأة وما إن فتحت عينى حتى وجدتنى ألفظ في الهواء واسقط أرضا في مكان شبه مظلم ،،لم يكن إلا تلك الطاحونة التى رأيتها في رؤى يامن ... 


        ★.          ★.           ★.  


متألما نزعت الخاتم من إصبعي ثم فككت طرفى حبل الجوال عن خصري ووضعته بجوارى يقطر الماء منه وخلعت قميصى وبنطالى وعصرت ماءهما وارتديتهما مجدداً ،،ثم زادت الاضاءة داخل غرفة الطاحونة فأدركت أن البدر قد سطع في السماء دون غيوم تواريه حينذاك ازلت بخنجرى بعض الطوب المحيط بفتحة  صغرى كانت توجد في أحد الجدران حتى صارت مناسبة للخروج منها ،فخرجت بجوالي إلي الاراضي الزراعية المحاورة التى اظهرها البدر الساطع بوضوح جالت في بالي وأنا اتفحص الإرجاء من حولي كلمات اسماعيل وهو يدون الكتاب عن صنع الخاتم في الليله التى سبقت دخولهم القرية وأدركت وصولهم بعد ساعات ،فكرت في الذهاب إلى منطقة البيوت  التى ظهرت ظلالها بعيداً أسفل ضوء البدر ،،لكنى تراجعت وجلست على ضفة الترعه الشرقية التي لم تتغير معالمها فى قريتنا على الرغم من مرور مائة عام منتظراً حلول الصباح ومفكرا فيما سيحدث بعد ساعات ،ثم شعرت بالجوع فنهضت وتجولت بين الحقول أملا في العثور على اي ثمرة تؤكل وكانت جميع الأراضي القريبة من الطاحونه محترقة لا يوجد بها شئ يؤكل فعدت إلي الطاحونة مرة اخرى ودخلت إلي غرفتها عبر فتحتها الجانبية ،وجلست مسندا ظهرى الي جدارها انظر الى اجزائها ..قادوسها الضخم وذراعها الخشبية الطويلة ،قبل ان تنسدل جفونى ويعلبنى النعاس ، لانهض مع تسرب ضوء النهار عبر الفتحه الجانبية وأجد شباك العناكب والأتربة قد ملأت الغرفة ووازت اجزاء الطاحونه وقبل أن افكر في كيفية حدوث ذلك تناهى إلي مسامعي صوت إطلاق النار المتتابع وصداه فعرفت أن جنود الهجانه قد وصلوا إلى القرية ،ونهضت على الفور وخرجت متجهاً نحو منطقة بيوتها ،كان 



الهرج والمرج يسودان شوارع القريه في ذلك الحين ومن فوق جمالهم اخذ الجنود وجهون الناس بسياطهم نحو  ساحه في منتصف القرية صارت في وقتنا الحالي ارض مدرسه ابتدائيه اندفعت مع الجميع دون ان ينشغل احد بي ولا بملابسي الغريبه،وقفت بين الحاضرين استمعوا الى خطاب قائد الجنود الذي كان يؤكد فيه برده حظر التجوال في القريه واطلاق النار على من يخرج من بيته بعد غروب الشمس ،فكرت في حينها بالذهاب إليه واخباره بما ينتظرهم داخل الطاحونه واريه بذلة إسماعيل وحذاءه وخاتمه وجمجمته،لكن توقفت عن التقدم اليه عندما رايته يضرب مزارعا بسوطه دون رحمه لمجرد انه وقف في طريق جمله،وفكرت في احتماليه عدم تصديقه لي مع ما رايته في عينيه من غرور حتى وان كنت امتلك كل تلك الأدلة ومن يدري لربما يامر جنوده بتجبيلي او يصوب باروده كي لا 


يزعزع هممهم ،وحينها لن اجنى شيئا سوى فقدان فرصة وجودى ليله مقتل الذئب بعد شهر لذا ترتجعت وآثرت الإنتظار ،،


بعدئذ بحثت بين الحاضرين عن موسي فأدركت صعوبة اكتشافي له مع حتمية اختلاف هيئته المهملة في الصورة التي احتفظ بها جدى عن هيئته في ذلك التوقيت ،بالاضافة ان توقيت هذه الصورة كان بعد عشرة اعوام على الاقل من تاريخ ذلك اليوم ..ثم صرفنا الجنود بغلظة،فسألنى شاباً مستغرباً عمن اكون ..فأخبرته اننى من مدينة الإسكندرية جئت باحثا عن خواجه اسمه فايز ،فقال:لم يأتي إلي القرية منذ اكثر من عامين ...ثم استطرد بالحديث عن سوء حظى بالاتيان  في ذلك اليوم وتمنى لي الخروج سالما من بطش اولئك الجنود شكرته وكاد يغادر ،فتذكرت شيئا رأيته في رؤي يامن حينما قال أحد الشبان لموسي أنها سيارة صديقك فسألت الشاب هناك شاب اسمه موسي يعرف الخواجه ... 


،اجابني ضاحكاً...الولد موسي يتحدث دائما عن الخواجه وكأنه أحد أفراد عائلته على الرغم من أن الخواجه لا يعرف عن وجوده أصلاً  


قلت ،،،هل يمكنك أن تدلنى عليه ... 


... أشار بيده نحو أحد الشوارع في غير اكتراث  


. ان بيته هناك ،،يطل على الشارع العمومى ..بيت منخفض من طابق واحد يفصله عن مسجد القرية شجرة توت كبيره . 


شكرته مجدداً ثم تجولت في القرية بعض الوقت وقبيل غروب الشمس توجهت لبيت موسي مهتديا بوصف الشاب حيث طرقت بابه الخشبى ،،وبعد دقيقه فتح الباب شابا ابتسمت وأنا أحدق إلي ملامح وجهه التى كانت تختلف بعض الشئ عن ،ملامحه في صورة جدى القديمة سألنى مستغرباً وهو ينظر إلى جوالى .. 


_من أنت ؟! 


قلت:انني من طرف الخواجة فايز . 


انفرجت اساريره فجأة وسألنى .. 


هل ارسلك لتشتري ارضي ؟ 


لم يكن في بالى شئ عند قدومى اليه لكنى احببته في الحال  



_نعم،بالضبط ،،هل يمكنني الدخول؟ ،،


قال محرجا ..


نعم تفضل ..


وادخلنى إلي ردهة صغيرة توجد بها اريكتان خشبيتان صغيرتان اجلسنى على واحده وجلس هو على الأخرى نظرت إلي اركان البيت . لم يختلف كثيراً عن البيوت القديمة التى لطالما رأيتها في طفولتي في الحاره القديمه بقريتنا ..جدران من الطوب اللبن الملطخ بالطين أرض طينيه تتناثر بها بقع المياة وسقف من الغاب والقش مدعوم بقوائم خشبية قال .


لم يأت الحواجه منذ زمن الي القرية ،،


قلت نعم لذا ارسلنى من أجل تقديم عرض لأرضك ،


واردفت كم تريد ثمناً لها ؟


قال باسما:ما يراه الخواجه ،لقد ثمنها أحد الاهالى هنا بستة جنيهات وأنا لن اختلف مع الخواجه على سعرها ..


قلت حسنا سأبلغه بالأمر ثم أبديت قلقي وأنا أتابع.


هل لي أن ابقي هنا حتى صباح الغد ؟!لقد غربت الشمس واخاف ان يؤذينى جنود الهجانة إن خرجت في ذلك الوقت،


فكر قليلاً ثم قال.. على الرحب والسعه بالطبع،امتلك سريرا واحدا يمكنك النوم عليه وانا سانام هنا على هذه الاريكه..


قلت شاكراً.. لا لست طماع الى هذه الدرجه سانام وانا على هذه الاريكه ..


اقسم مصرا على ترك سريره لي فانصعت له في النهاية..


بعد اذن تحدثنا عن حال القريه وعن الحريق الذي حدث قبل سبعه ايام وقتل في اثره 19 رجلا كان الشاب يتمتع بالذهن المتقد وعقل سليم تماما ورغبه واضحه في الانتقال الى المدينة.للتحرر من قيود القرية سألنى عن معرفتى  بالخواجه فتحدثت كذباً العملي معه بمدينه الاسكندريه ثم حولت مجرى الحديث الى الهجانة الذين اتوا الي القرية وانا افكر في أن اخباري له بكونهم لصوصا جاؤوا من اجل الدخول الى الطاحونه سيكون مجاذفه كبرى قد تنتهي بطردى من بيته مع عدم تصديقه لي حتى وإن اريته ثياب الجندى وجمجمته ،فلم اخبره ثم بدأ الهجانة بتجولون بجمالهم في الشوارع المجاورة للبيوت وبين حين وأخر كنا نسمع اصوات طلقات بنادقهم النارية،فبدأ الفتي يتمتم بعض آيات القرآن متمنياً ألا يصاب أحد بأذى وبصوت عال أخذ يحمد الله لوجودى معه في تلك الليلة التي لم يكن ليعرف كيف كانت ستمر إن بقي بمفرده ..


خائفاً كان يجر اريكته الخشبية الي العرفة التى يوجد بها سريره الوحيد الذي اعاره لي ويستلقى عليها .. 


ظلت الحيرة في داخلي متواصله ،جانب منى يري أن أعود إلى قائد الهجانة وانصحه بأن يرحل هو وجنوده قبل فوات الأوان مثلما فكرت صباحاً ،تعارضه بشدة أفكار في رأسي تصر على وجود إحتمال ولو ضئيل بعدم تصديقه لي.واحتمالية تعرضه لي بالاذي وبالتالي ضياع فرصتى الوحيدة لإنقاذ ذئب صامون بعد شهر ،،وجانب يرى بأن أخبر موسي بما ينوي الهجانة فعله ..لعله يجمع أهل القرية ويمنع دخولهم إلي الطاحونة ،تعارضه افكار تذكرني بالخوف البادى على وجوه أهالي القرية في الساحة ،مؤكدة اسحالة قيامهم بمقاومة جنود الهجانة .. حتى وإن علموا بكونهم لصوصا وجانب اكبر يؤيد انتظار دخول الهجانة الي الطاحونه ومنع ذهاب موسي إليها بعد شهر ،،وبعد تفكير طويل رأيت أن الحل الثالث الذي يؤيد الإنتظار هو الاضمن خاصة مع وجود مبرر استطيع القدوم به إلي موسي لاحقاً ،كما أنني رأيت فيما سيحدث للصوص نوعاً من العدالة بعد تسببهم في مقتل تسعة عشر رجلاً إثر الحديث الذي سببوه ..ثم انتصف الليل فسمعنا صوت محرك سياره تدخل الي القرية عبر الشارع العمومى ،فقال موسي متعجباً ،، 



إنها سيارة الخواجه فايز !! 


هززت رأسي إيجابا زاعما قلقي ومفاجئتى ،فقال مضطرباً


...سيقتله الهجانة ما لم يلتزم بالحظر الذي فرضوه .ولم يكن يكمل جملته حتى سمعنا صوت إطلاق البارود يصدع متتاليا في الحارج 


فأمسك الفتي برأسه متحسرا فقلت ..


لعله بخير سأنتظر حتي هدوء حركة الجمال في الخارج واخرج لاتبين الوضع.   ...


 قال :هل أنت مجنون إن خرجت سيقتلونك قلت ..لا تقلق.. علي أن اتطمئن على الخواجه.. في خلال الساعتين التاليتين تواصلت أصوات البارود على فترات ثم هدأت الاصوات في الخارج تماماً ،ففتحت النافذة المطلة على الشارع فوجدته ساكنا لا يوجد فيه أحدا سواء من الهجانة او أهل القرية حينذاك نظرت إلى موسي كان قد غاب في سباته فوجدتنى أفكر وأنا انظر اليه أنه إن مات فلن يقتل ذئب صامون بعد شهر ،ولن يموت كل أولئك البشر الذين ماتوا نتيجة لقتله .وستنتهي الحرب الدائرة بوادى الذئاب أثناء وجودى في القرية وهمست الي نفسي وأنا احدق إلي وجهه 


ان موته افضل له من عيشته التي عاشها بعد رؤيته للذئب ....ووجدتنى اتحسس خنجرى. فتقلب على الاريكة معطيا ظهره لي .فابعدت يدى عن مقبض خنجرى  ،،وتنهدت محدثاً نفسي:لا لست قاتلا   ..سأنتظر ليلة بدر الشهر القادم ....


ثم وثبت من النافذه إلي الخارج كانت الشوارع تختلف كليا عن شوارع قريتنا في الوقت الحالي .لكنى على الرغم من ذلك استطعت معرفة الطريق نحو المنطقة الزراعيه إلتي توجد بها الطاحونة ،وبحذر شديد اقتربت منها وسط سكون الأجواء القاتل ،لاجد الجنود هناك يدلفون تباعاً إلي داخلها دون اكتراث بشئ من حولهم .رقدت بالأرض الزراعية اراقبهم من بعيد واراقب الخواجه فايز الذي كان يقف على باب الطاحونة يسلمهم الخواتم الذهبية قبل ان يدخل خلفهم ويترك جندياً واحيدا اغلق باب الطاحونة من خلفهم  بقفله ،وركب جمله وانطلق بعيداً،فنهضت وتسللت على أطراف أصابع قدمى إلي جانب الطاحونة والقيت نظرة عبر فتحتها الجانبية فلم أجد أحداً في داخلها عندئذ أعدت رص الطوب الذي قمت بإزالته قبل ليلة واحده  ،تاركا فتحة صغيرة كما كانت .. ثم درت حول الطاحونه فوجدت جملا راكضا على بعد أمتار منها على عكس الجمال التي فرت بعيداً نحو القرية،اقتربت منه في هدوء ثم امتطيته فوقف على قوائمه الاربعه في الحال وكاد يسقطنى لولا أنى تشبست برجله جيداً بعدها انطلقت به الي الطريق الترابي المؤدى إلي مدينة المنصورة حيث عزمت على قضاء الشهر المتبقي في نزل هناك مقابل خاتم الجندى الذي امتلكه وذلك الجمل الذي صار ملكا لي ...


*****


متطلعا إلي السماء كل ليلة ،مفكرا في مصير أصدقائي في وادى الذئاب.وأملا بأن يكون الجيش الاماريتى قد استطاع الصمود خلف أسوار براقيا ومتجولا في شوارع مدينة المنصورة القديمة 




،ومدونا في اوراق اشتريتها ما حدث منذ أرسلت لي مروة رسالتها الالكترونيه قضيت ايامى المتبقية على حلول بدر الشهر الجديد وكلما لامتنى نفسي بعدم تدخلي لمنع الهجانة من دخول العابرة تحدثت إليها مبرراً بما فكرت فيه سابقا لتسكن قليلاً عن لومى قبل ان تعود للومى مرة أخرى،لتمر الايام تباعاً حتي انتصف الشهر القمرى" فأقلني شخص بحنطورة إلي القرية مع غروب الشمس حيث اتجهت مباشرة الي الطاحونة ومعي الاوراق التى دونت بها قصتى بالكامل وأغراض جندى الهجانه ،ودرت حولها وأنا أنظر الي البدر المكتمل في السماء قبل أن أجلس منتظراً على بعد خطوات منها،


 ثم.. اشتدت الرياح فجأة وبدأت الغيوم الكثيفة تغطى البدر من حين لأخر فتذكرت أن ذلك ما كان يحدث تماما


 وموسي يتحرك نحو الطاحونة وفق ما رايت في رؤي يامن وواصلت انتظارى لساعات محدقا إلي كافة الارجاء من حولى حتى ابصرت أخيرا ضوءا بعيداً خافتا يتقدم نحوالطاحونة،.. 


فنهضت من جلستي واقتربت من الطاحونة دون أن أظهر نفسي كان هو... موسي مرتديا جلبابه الفلاحي مقتربا بلمبته الجاز متمتما بآيات القرآن بصوت عالي قبل أن ينزل على ركبتيه ،،وينظر عبر فتحة جدار الطاحونة فكرت في التدخل حينذالك لكني انتظرت ،ثم بدأ الاضطراب يظهر على وجهه مع واصلته النظر عبر تلك الفتحة ،وكلما غطت الغيوم البدر او انقشعت عنه نظر إلى داخل الطاحونة مجدداً وتمتم بمزيد من آيات القرآن حتى سقط على ظهره فجأه في فزع شديد هنالك أدركت أن اشلاء الجنود قد بدأت تلفظ من الطاحونة وأن الذئب على وشك الخروج ،لم اكن اعرف كيف سيخرج من غرفة الطاحونة مع اغلاق بابها بالقفل لكنى كنت متيقنا انه سيفعلها كما رأيت في رؤي يامن لذا نهضت متحركا نحو موسي .


وقلت :


. عليك أن تعود إلى بيتك الان يا موسي ...


هوى على الأرض مرتعبا وكأنه ظننى عفريتا فقلت مهدئا له ..


اننى هو صديق الخواجه فايز..


قضيت ليله في بيتك منذ شهر ألا تتذكرنى !


قرب لمبته نحوى بيده اليمنى وهو يمسك عصا فأسه بيده اليسري ثم سألنى متعجبا بعدما تعرف على وجهى ،


ما الذي أتى بك إلي هنا ...


قلت :جئت احميك من شر هذه الطاحونه ،


قال.: خائفاً ... أنها مسكونه بالجن لقد رأيت للتو جثث الجنود الهجانة تتهاوى في داخلها .


قلت : 


إنهم ليسوا سوى لصوص أتوا إلي القرية ليدخلوا الي تلك الطاحونة .. 


أرجوك عد الآن إلي بيتك ولا تخرج منه حتى يطلع النهار ... 


أخرج فأسه وحدثني غاضباً ،لست مساعدا للخواجه فايز كما ادعيت ،من انت؟! 


قلت: وأنا ارفع يدى بأوراقى لتهدئته ، 




إقرأ هذه الاوراق في الصباح وستعرف كل شيء لقد دونتها خصيصاً من اجلك .. 


فلما تعلق بصره بأوراقي تابعت وأنا اقترب منه ..اعرف ان فضولك قادك الي هنا كي تلقي نظرة عبر فتحة الطاحونة..قبل مغادرتك القرية بعدما شككت بدخول الجنود المختفيين إليها ،واعرف انك قضيت الساعات تحاول إقناع نفسك الخائفه كى تتجرأ وتأتى الي هنا في هذا التوقيت حتى انك تحدثت إلي لمبة الجاز نفسها  .واعرف انك تتمتم بآية الكرسي منذ أن ابتعدت عن البيوت .واتخذت الطريق المؤدى الي الأراضي الزراعية ...سألني مستغرباً..هل كنت تتبعنى منذ خرجت من بيتى .. 


قلت :لم افعل اقسم لك ستجد كل شيء مدونا في هذه الاوراق فقط اطلع عليها في الصباح كما أخبرتك وكن متيقنا ان كل حرف كتب في هذه الاوراق صادق تماماً.. 


ثم تناهى إلي مسامعي صوت زمجرة قريبه وسرعان ما ظهر  بعينيه اللامعتين أمامنا فتحركت مجفلا الي جوار موسي الذي شعرت بارتعاشة جسده وهو يرفع فأسه نحوه فهمست إليه.. 


اخفض فأسك يا موسي !! 


لم يستمع إلى حديثى ولوح بفأسه خائفاً نحو الذئب الذي فتح فكيه عن اخرهما مظهراً أنيابه الطويلة فأعدت رجائى إليه.. 


ارجوك يا موسي ..


قال مرتعبا


سيقتلنا 


قلت..


اخفض فأسك فحسب ..


لم يستجب لي وظل رافعاً فأسه بينما الذئب يتقدم نحونا ومتأهبا للهجوم علينا 


قلت لموسي متوسلا ..


ارجوك اخفض فأسك وسننجو لم يؤذينا الذئب مالم نؤذه اخفضه يا موسي وعد إلي بيتك سالماً ،


،فتقدم أمامي إلى مواجهة الذئب وهو يمسك فأسه مصرا حينذاك لم أجد حلا سوى أن انحنى وأحمل طوبة كانت بجوارى ،واضرب بها رأسه ليسقط فاقداً وعيه حينها توقف الذئب عن التقدم ونظر نحوى ،فوضعت الطوبة إلي الأرض وانا ابتلع ريقي ثم نزلت على ركبتي رافعاً يدى ،وحدقت الي عينيه دون أن أعرف ما ينوي فعله فقط واصلت تحديقى إليه ثم اغمضت عينى مستسلما عندما واصل تقدمه نحوى واقترب منى للغايه وزمجر بقوة في وجهى فاتحاً فكيه عن اخرهما ،،لم اكن ببالي ان أقاوم مهما حدث حتى وإن قتلنى ،لقد اتخذت قراري بالعودة إلى الماضي وانا اعرف انني قد لا أعود إلى موطنى ،والان وبعد كل ما حدث لم اكن لأصيب ذلك الذئب بأي أذي واخيب أمال كل من وثقوا بي وامنوا بنجاحى ..ثم شعرت بخطمه يلامس وجهى فسرت في جسدى رعشه عظيمة عندما أدركت أنه يتشممنى ..وحينها فتحت عينى مرتعبا وجدته قد استدار وعاد مبتعدا عنى ليدور حول الطاحونه.،لم أتحرك من مكانى فقط نظرت إلي موسي الذي كان لا يزال طريح الارض ثم زحفت نحو جدار الطاحونة ونظرت عبر فتحته كان الذئب قد دخل الي غرفتها ،والقي نظرة سريعه نحوى وكأنه يودعنى قبل أن يثب الى قادوسها،ويهبط الي داخله بعدها برق وميض مفاجئ داخل الطاحونه استمر لثوانى قبل أن تعود الظلمة إليها مع توارى البدر خلف الغيوم حمدت الله في سري..وتمنيت أن يحدث ما املناه مع عودة الذئب الي وطنه سالما .. 



ولم أكن اعرف بعدها كم تبقي على طلوع النهار فتركت موسي مستلقيا ووضعت اوراقي بجواره وأمام باب الطاحونه وضعت ثياب الجندى وحذاءه وجمجمته مدركا أن موسي سيخبر اهل القرية بعد نهوضه من اغماءته ، ومع وجود تلك الاشياء بجوار الطاحونه سيجد ما يدعم قوله ليزيلها اهل القريه ان صدقوه لذلك فكرت في ان هذا هو السبب في عدم وجود الطاحونه في قريتنا بالزمن الذي اعيش فيه،ثم كسرت قفل بابها ودلفت الى داخلها.. وشبكت طرفي عقد مروه وتاكدت من اكتمال دائرته وضعته حول عنقي وتسلقت الطاحونه ووقفت على حافه قادوسها قبل ان التفت الى الباب الذي اصدر صريره فرايت موسى واقفا يحدق الي


تنسال الدماء من راسه الى وجهه فابتسمت له ثم قفزت الى داخل القادوس حيث انزلقت في ظلام شديد شعورت معه بسخونه العقد حول عنقى ،فأدركت لحظيا أن طاقة العابرة تمر من خلاله .. بعدها سطع الضوء الابيض الشديد في عيني فجاه فاغمضتهما قبل ان افتحهما مجدداً مع خفوت شدة الضوء لاجد نفسي في نفق له جدران صخريه عليها نقوش لا استطيع تفسيرها وما لبثت انت  تلفت حولي لاكتشف اين انا فوجدت الجدران تنهارا من خلفي لتدفعني في طريق معين فركضت باسما باقصى سرعتي وأردد في داخلي ...


_سردابي الحبيب 


وصلت ركضي بالطريق الذي يدفعني نحوه السرداب حتى توقفت الانهيارات من خلفها بعد ما عبرته صوره السيد فوريك المنقوشة على جداره.. فوقفت التقط انفاسي قبل ان أواصل ركضى خارجه منه الى البيت المهجور الذي يعلوه ومنه الى بيتي


كانت القريه ساكنه في ذلك التوقيت  ليس الا من بعض الشبان السهارى الذين تعجبوا من قدومى من اتجاه الاراضي الزراعيه في ذلك الوقت المتاخر.. لم اهتم ولكني وصلت طريقي الى بيتي حيث قرعت الباب بقوة ،لتفتح منى بغضب شديد فاحتضنتها لكنها واصلت نظراتها الغاضبه نحوي سالتها عن استقبالها الغريب 


فقالت: في ثوره عارمه:_اين كنت منذ الصباح ؟!ولماذا هاتفك مغلق؟لقد اقلقتنا عليك انا نسيت ان اليوم هو عيد ميلادك الاربعين؟لقد صنعتك كعكتك 


وظل يامن ينتظرك في الشرفه منذ وقت العصر كي يطفئ معك الشموع وعندما فقد الامل في مجيئك خلد الى النوم..


سألتها متعجبا ..


اليوم عيد ميلادي الاربعين!!


قالت: مغمغمه وهي تغلق باب البيت..


نسيت كالعادة ،،،


ثم تركتنى وصعدت إلي غرفة نومنا وهى تواصل غمغمتها ....قبل أن تأتى إلي الغرفة اغتسل أن رائحتك سيئة للغاية...


ضحكت ثم صعدت إلى الطابق العلوى واتجهت الي غرفة يامن  حيث كان الصبي نائم في فراشه .. وضعت يدى علي جبينه متفحصا حرارته وجدتها طبيعية ..


فتح عينه حينذاك وسألنى هامسا...


هل نامت امى؟


أجبته هامسا انا أيضاً..نعم 


قال ..


لقد اجبرتنى على النوم من أجل الاستيقاظ مبكراً للمدرسة على الرغم من أنني كنت أريد انتظارك.. أنها تضع كعكة عيد ميلادك في الثلاجة ..لنتسلل ونشعل شموعها ونطفئها معا ..ونتمنى أمنيتك 


ضحكت ثم احتضنت رأسه  


وقلت: وأنا اتذكر امنيتى برغبتي في حدوث شئ يغير وتيرة حياتي الثابتة ... 


لا لا اريد ان اتمنى شيئاً ،ثم استلقيت بجواره وجذبت الفراش ليغطينا معا 


 وقلت:،،سنأكل الكعكة معا في الصباح لكن دون أي أمنيات وعندما تبرم تابعت ... 


.....  ما دمت بخير هذا كل ما أتمناه  


   .....ابتسم ثم قبلنى واغمضنا أعيننا لنغيب في سبات عميق.... 

*********************************************************

الخاتمة

وبينما بدا الجنود ينهضون غير مصدقين اختفاء الضواري وتوقف الذئاب عن مهاجماتهم تحركت ساره نحو ذئب قريب منها ومدت اليه يدها وداعبت فراءه  فاغمض عينيه في خضوع تام لتنظر إلي شاهد السماء باسمة وتقول غير مصدقة .... 


...... لقد عاد الوادي الى عهده السابق... لقد نجحنا يا نوح  


لينظر اليها الفتى دامع العينين قبل ان يومأ لها براسه في صمت،،،، 


******************* 


حاملاً بذلة جندى الهجانة في يديه وقف موسي بين أهالي القرية المحيطين بالطاحونة ناظرا نحو الرجال الذين يكسرون جدران غرفتها بالفؤوس والجواريف ويفككون اجزاءها ويحملونها إلي ثلاث عربات كانت تقف بأحصنتها بجوارهم كى يقودها سائقوها الي مكان بعيد عن القرية بعدها ألقي تلك البذلة جانباً وعاد إلى بيته مباشرةً حيث دلف إلي ردهته.... 


 .........اخرج اوراق خالد التي تركها له ،وجلس على اريكته الخشبية بوجه باسم ،، وبدأ يعيد قراءة الأوراق من جديد . 


      ........                                 .......... 


خالد 


  *3* 


      قرية البهو فريك  


         قبل أيام من عيد ميلاد خالد والواحد والاربعين 


كان الوقت فجراً عندما استيقظ خالد ومنى على صوت جرس باب بيتهما لتتسائل منى باستغراب.. 


             .....من يأتي إلينا في هذه الساعة ؟! 


       ...فأجابها خالد ناعسا . 


...لا اعرف  


     ثم نهض مبدلا ثيابه ،ونزل إلي الطابق الأرضي وفتح الباب متثائبا ،، ليفاجأ بمروة تقف أمامه وتقول بأسارير منفرجه  


                 ""لقد عدت يا صديقي العزيز ""


فأتسعت حدقتي عينه غير مصدق،،فاردفت 


لقد اوصلنى الفارس إلي الملكة اسيل حتى بقيت في ضيافتها حتى عاد الملك تميم بجيشه إلي اماريتا ،،وارسل معي فرقه من الفرسان قادتنى الي سرداب فوريك الذي عبرته مع بدر أمس،،،،،


كانت منى تنزل الي الأسفل ..واما تساءلت في استغراب عن تلك الضيفه التى أتت إلي بيتها في وقت متأخر ويبدو أنها تعرف زوجها جيداً 


قال خالد:  


....لقد وصلت ضيفتنا للتو من أرض زيكولا .. 


سأحكى لكى كل شئ الآن ،، 


قبل ان يدخل مروة وسط ذهول زوجته ،وما لبث أن دلف إلي إحدى الغرف وعاد إلى مروة بصورة جده القديمة التي كان يحمله فيها أبوه .. 


وقال "انظرى " 


نظرت مروة إلي الصورة لتعود محدقة إلي خالد في تعجب شديد ،،فأبتسم قائلا ،، 


نعم ..لقد اختفي الشيخ موسي وذئبه من الصورة قالت منى حينذاك  


...أننى لا أفهم شيئا .. 


فقال خالد إنها قصة طويلة لم اكن لأحكيها لك قبل أن تصل تلك الفتاة الي بلدنا وتؤكد صدق كل كلمة أقولها ..... 


وادى الذئاب  


 بعد ثلاثة أعوام من حريق الغابة الثانى 


                  ★.      ★.     ★.  


 مهرولا كان يتبع شابين نحو عجوز مربض يستلقي على الأرض وسط زحام شديد ، قبل أن ينزل على ركبتيه ،ويبدأ في فحص حالته ،حتى انتهى ،فطمأن زوجته بأن حالته ستتحسن مع اعشابه ،بعدها نهض متأملا القصور والبيوت الفخمة التي سرعان ما شيدت في ذلك الحى من براقيا خلال الشهور الماضية..قال له أحد الشابين اللذين رافقهما ،  


نشكرك سيد نوح علي سرعة استجابتك لفحص أبينا .. 


فأجابه بأبتسامه خجول قبل أن يواصل تأمل اسوار المدينة التى اعيد بناؤها من جديد ،،ولوجوه الأهالي السعداء الذين كانوا يسيرون جنبا إلى جنب مع الذئاب حتى انتفض قلبه بقوة..وتسارعت أنفاسه عندما رأها تسير برفقة ذئب فركض إليها تاركاً كل شئ من حوله وهو يهمس ... 


كلا 


ولما أقترب منها قال   


_ناى ،أنني نوح .. 


...حاولت الفتاة تبين الإتجاه الذى يأتي منه الصوت فأدرك أنها لا ترى وتابع .. 


ناى إننى هنا .. 


قالت الفتاة باسمه.  


هل تقصدنى سيدى  


      قال :نعم  


قالت  


...... إن اسمى فرح لابد وأنك تبحث عن شخص أخر.. 


ابتلع ريقه لم تكن إلا هى ..حتى وإن لم تتذكره وسألها: 


_هل أنت متزوجه؟ 


_ضحكت وقالت في خجل :لا ليس بعد .. 


قال :هل تتزوجيننى ؟ 


..واصلت ضحكتها وهي تتحسس وجهه ،،وقالت  


....يبدو انك وسيم أيها الشاب .. 


ربما إن أتى يوم وسمح للملديات بأن يتزوجن من البشر سأفكر حينها في الأمر.. 


أبتسم وقال ... حسنا سأنتظر حتى يأتى ذلك اليوم .. 


ضحكت ثم غادرت فمكث مكانه بنظر إليها ،،وهى تبتعد برفقة ذئبها وبعد ان تسمر مكانه لدقائق ..ركض متتبعا لها معلناً في داخله أنه لن يتركها تضيع من يديه مرة أخرى.... 



*****النهاية*****

رض زيكولا 3 :وادى الذئاب المنسية

🎉 You've finished reading 🎉

الرواية التالية الرواية السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url